رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

بهاء الدين يوسف يكتب: الفن في مواجهة (الفساد)

تكشف الأحداث عن تحكم العصابة في كل مفاصل الدولة

بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف

تذكرت وأنا أتابع تطورات الأحداث الأخيرة في كوريا الجنوبية، رئيس المنتخب بفرض الأحكام العرفية ومحاولة حل البرلمان، واتهام المعارضين له بأن لهم أجندات خارجية، وبالتعاون مع كوريا الشمالية ضد مصالح الوطن، أكثر من مسلسل كوري يتعامل مع (الفساد) السياسي المنتشر هناك.

ففي مسلسل (تبديل) الذي سبق لي الكتابة عنه رصد مواجهة (الفساد) من جانب الشرفاء ممثلين في مدع عام شاب وزميلته لأفراد العصابة التي تحكم البلاد، والتي تضم سياسيا كبيرا يطلقون عليه (المحافظ)، يدير ناديا سريا أشبه بالأندية الماسونية أعضائه من كبار رجال الأعمال في كوريا يرتكبون أسوأ الجرائم من قتل وتهريب وترويج مخدرات.

وكيف أن رئيس الادعاء العام الذي يساوي في مصر منصب النائب العام عضو في النادي السري ويعمل في خدمة العصابة، ليس فقط بـ (تفطيس) أي محاولة للتحقيق في (الفساد) من جانب أحد أعضائها، وإنما كعين لها داخل الهيئة القضائية وواش على زملائه الذين يحاولون تطبيق القانون.

كما تكشف الأحداث عن تحكم العصابة في كل مفاصل الدولة، وكيف أنها هي من تقوم بتعيين كبار المسؤولين وصولا إلى رئيس الجمهورية الذي يجب أن يحظى بالرضا من العصابة حتى لا يقف في طريق تنفيذ جرائمها.

مسلسل (قاضي الشيطان) الذي يرصد (الفساد) المشابه من خلال رئيس الجمهورية

مسلسل (قاضي الشيطان)

وفي مسلسل (قاضي الشيطان) الذي يرصد (الفساد) المشابه من خلال رئيس الجمهورية الذي كان فنانا مغمورا ومعه جوقته من أصحاب المصالح لديهم استعداد لدهس شعب كوريا بالكامل من أجل تحقيق مصالحهم.

هناك أيضا مؤسسة تسمى المسؤولية الاجتماعية هى التي تسيطر على الرئيس والإعلام والوزراء والقضاة وكل شيء تقريبا وتحركهم مثلما تريد لتحقيق مصالحها وفي المقابل تدفع لهم بسخاء.

يمكن التوقف طويلا أمام مسلسلات مثل هذه التي تجسد المعنى الحقيقي لرسالة الفن، كما حددها الفيلسوف البريطاني الشهير (برتراند راسل) في مقولته المأثورة: (أن الفن هو السلاح الأكثر فعالية ضد القهر)، ومثلما عرفها الفيلسوف الفرنسي (جان بول سارتر): (الفن ليس رفاهية، إنه سلاح في معركة الحياة).

إذن فهناك اتفاق على أن الفن ليس مجرد وسيلة للترفيه أو تمضية أوقات الفراغ، كما يحاول البعض في الدول الديكتاتورية أن يحصره، وإنما هو رسالة أكثر شمولا تتضمن من بين ما تتضمنه دوره مع الإعلام في رصد (الفساد) السياسي والمجتمعي ومواجهته وفضح الفاسدين.

والفكرة هنا ليست في استخدام الفن كسلاح في معارك سياسية بين أحزاب وأطراف متنافسة، ولكن في أن يساعد القائمين على الأمر في كشف الفساد أولا، ثم تجييش الرأي العام لرفضه ومواجهة الفاسدين، وهي رسالة تتضمن فيما تتضمنه الحفاظ على أمن المجتمع وحيويته وتعلي قيمة المبادئ الأخلاقية التي يجب أن تسود في أي مجتمع.

(البرئ) من علامات السينما المصري

علامات السينما والدراما المصرية

يقودنا السياق بالتأكيد إلى الحديث عن الفن المصري ومدى التزام العاملين فيه بأداء هذه الرسالة أو لنقل وعيهم بها من الأساس، لكن الرصد يقودنا الى نتائج صادمة نسبيا، لأن الفن المصري غائب عن قضايا المجتمع تماما، وحتى اشتباكه مع بعض القضايا المهمة يكون بطلب من جهات عليا.

هناك بالطبع أعمال مهمة تعتبر من علامات السينما والدراما المصرية في عصور سابقة مثل (البرئ، اللعب مع الكبار، علاقة خطرة) للنجم نور الشريف الذي فضح مافيا الإتجار بالأعضاء، لكن باستثناء ذلك يمكن تصنيف الفن المصري بأنه يحلق في فضاءات بعيدة عن واقع ومشاكل المجتمع.

هل المشكلة في الاحتكار الذي سيطر على سوق الفن وبات يتحكم فيما يقدمه سواء في المضمون أو الأفراد الذين يطلبون بالاسم؟!، ربما يكون ذلك صحيحا بدرجة ما.

لكن لا يمكن إنكار أن المشكلة الأكبر هى في الرقابة الذاتية التي يفرضها الكتاب (أنصاف الموهوبين) على أنفسهم وما يكتبونه، باعتبار أن كل ما يهمهم هو كسب رضاء المسؤولين وضمان استمرار الاستعانة بهم.

ولا أظن أن هناك شركة إنتاج يمكن أن ترفض عملا دراميا جيدا حتى لو قدم انتقادات للمسؤولين الحاليين، بدليل أن الشركة المتحدة نفسها قدمت أعمالا لا تخلو من النقد مثل (الحشاشين) الذي انتقد البذخ في زينة قصر الحاكم بينما الشعب يعاني من الجوع. وبدليل أن نفس الشركة سعت للتعاون مع مؤلف مهم بقيمة (محمد جلال عبد القوي) بأعماله التي لا تخلو من النقد.

الخلاصة أنه طالما كان الفن والإعلام بعيدين عن قضايا أي وطن لا يمكن أن نرى مشاهد مثل تلك التي حدثت في كوريا الجنوبية، فـ (الفساد) موجود في كل المجتمعات وهو جزء من النفس البشرية، لكن المجتمعات المتحضرة تقوم بتحجيمه من خلال إطلاق حرية الفن والإعلام ليكونا سلاح المجتمع في مواجهته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.