بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
لا أنكر استمتاعي بمسلسل الإثارة والتشويق (العميل)، رغم شعوري بالملل من دراما (الفورمات)، خصوصا تلك المقتبسة من المسلسلات التركية الطويلة التي لا تتماشى مع واقع المجتمعات العربية، فإني ومعي الجمهور نفسه قرر إعطاء فرصة لمسلسل (العميل) السوري، المقتبس من المسلسل التركي) في الداخل – (Icerde
وبالتأكيد ساهم في جذب المشاهدين – وأنا منهم – لمسلسل (العميل)، اختيار أبطال العمل وعلى رأسهم النجم (أيمن زيدان)، الذي لطالما كان محبوبا ولم يخذل جمهوره، فقد برع في أداء شخصية (ملحم) زعيم المافيا العنيد، الذي لم يغفل له جفن بعد التخلص من أحد أعدائه أو غرمائه.
ينتمي المسلسل السوري (العميل) إلى فئة الدراما البوليسية، حيث الجرعات المتدفقة من الأكشن والإثارة وعالم الجريمة الوعر دون أن يخلو من بعض الأجواء الرومانسية، كما في حالة (أمير/ سامر إسماعيل)، و (خولة/ رشا بلال)، وكذلك علاقة (وسام/ وسام فارس)، و(نور/ ميا سعيد).
قصة (العميل) تحمل قدر من الإثارة والتشويق، وتدور أحداثها حول شقيقين، (أمير/ سامر إسماعيل)، و(غسان أو وسام/ وسام فارس)، حيث يختطف الأخير صغيرا على يد رجال (ملحم/ أيمن زيدان)، أحد كبار رؤوس المافيا الذي ألقى بوالديها في السجن.
ويفترق الشقيقان طيلة حياتهما، لكن الأقدار تجمعهما مجددا في سلك الشرطة، كل منهما لأسباب مختلفة، دون أن يعرفا صلة الدم التي تربطهما، ومن ثم حمل كل منهما الضغينة تجاه الآخر، وهو ما برع فيه السيناريو.
وفي حين يزيف (أمير) عبر مسرحية مفتعلة خروجه عن خدمته البوليسية ويلتحق بعصابة (ملحم) يعمل متخفيا كعميل تابع للشرطة، يكون شقيقه (غسان) بمثابة عين سرية أيضا لكن لملحم، حيث ينقل له تحركات الشرطة وتفاصيل محاولاتها الإيقاع بالمافيا، ومع توالي الأحداث تتقاطع طرق الشقيقين وتشتعل بينهما حدة العداء.
لسنا مجتمعات عصابات
في الحقيقة وبالنظر إلى حبكة العمل، يسهل استنتاج أن أحداث (العميل) لا تشبه ما يواجهه المواطن العربي في شوارع المدينة، فنحن لسنا مجتمعات عصابات تريق دماء الأبرياء على أسفلت الطريق بدم بارد، ومع ذلك سرعان ما تعلق كمشاهدين بالحلقات وصرنا ننتظر الجديد بفارغ الصبر لعدة أسباب منها:
أولا: منذ الحلقة الأولى يبدأ (العميل) بأحداث مشتعلة تزداد حدة دقيقة بعد أخرى وصولا للنهاية التي تبقي المتفرج مترقبا طوال 24 ساعة، وهو الحال التي انطبقت على كافة الحلقات التي عرضت حتى الآن (80 حلقة)، رغم أن أحداث المسلسل طالت كثيرا.
لكن هذا القدر العالي من التشويق ضاعف حماس المشاهدين وزاد تعلقهم بالقصة التي تحمل في طياتها كثير من المفارقات المذهلة، والأهم جعل المشاهدين لا يشعرون بالضجر إثر تباطؤ الأحداث، خاصة مع وجود مفاجآت غير متوقعة بكل حلقة تقريبا.
ثانيا: بعد عرض مسلسلات مثل (عروس بيروت، ستيلتو، الثمن، كريستال، الخائن) وتشبع الجمهور بها حتى التخمة، كان لدى صانعي مسلسل (العميل) من المبررات ما يكفي من الذكاء والفطنة لاختيار الابتعاد عن قصص الحب غير المنطقية، التي لا تلبث أن تستفز الجمهور لفرط عدم واقعيتها ورومانسيتها المبالغة، والجنوح نحو عوالم من القبح.
نعم فضل صناع (العميل) التغريد منفردين عبر فئة درامية أكثر إثارة، وتتيح للجمهور الذي أدار ظهره لمسلسلات الفورمات أسبابا جديدة، سواء لمعاودة الرهان على الأداء العذب الذي يبعث على المتابعة.
ثالثا: يضم (العميل) مجموعة من النجوم المجتهدين، في مقدمتهم الممثل السوري (أيمن زيدان) غول التمثيل، الذي يجيد تقديم الشخصيات المركبة، وهو تماما ما فعله هذه المرة أيضا، إذ يجسد شخصية رجل مافيا المخدرات (ملحم)، الذي يتخفى خلف شخصية أخرى لصاحب مطعم.
لكن الأهم أنه يلعب كذلك دور (الأب الروحي) الذي يحب أولاده ويسعى لحمايتهم مهما كلفه الأمر، وقد اجتهد في ذلك كذئب ماكر، بحيث ظل يتقلب على كل أنواع الشر على جناح أداء عبر لغة جسد وعينين معبرتين للغاية، وربما هذا يعكس خبرته الطويلة في الدراما العربية.
وربما أيضا هو التحدي الذي راق لأيمن زيدان وشجعه على قبول الدور، كون الشخصية غير نمطية ومتعددة الانفعالات، ولديها أطياف مختلفة تجمع بين الخير والشر قبل أن يحاول صبغها بروح عربية عاطفية قدر الإمكان، من خلال تقمصه شخصية (ملحم)، الذي صال وجال في دروب الشر.
يارا صبري مفاجاة (العميل)
ثالثا: المفاجأة التي لم يتوقعها الجمهور في (العميل) كانت عودة الممثلة السورية (يارا صبري) إلى شاشة التلفزيون بعد غياب منذ مسلسل (أوركيديا) في 2017، حيث تلعب دور (يارا) أم البطلين، المرأة المكلومة دوما سواء لسجن زوجها أو فقدان صغيرها، وشتات عقل ابنها الأكبر وخروجه عن المسار الذي تمنته له دوما للعمل بالبوليس.
وهو ما جسدته (يار صبري) بأداء شديد العفوية والبساطة وحس أمومي راقٍ وحقيقي يحمل في ثناياه قدر هائل من الدفء والحنو لكل من يدنو من عالمها الغارق في التراجيديا الإنسانية.
ووفقا لكل من (زيدان وصبري)، فإن السبب الأصلي خلف قبولهم العمل بدراما معربة وليست أصلية، هو اختلاف العمل عن نظائره الأخرى المأخوذة عن فورمات تركي، بالإضافة إلى عمق الشخصيات وتأرجحها بين القوة والتجبّر والمشاعر الإنسانية.
شهد العمل مباريات تمثيلية متوازنة بين مختلف الأبطال، على رأسهم بالطبع (سامر إسماعيل، ووسام فارس، اللذين لعب على أوتار المشاعر رغم انخراطهما في عالم الجريمة.
ولعل تعامل الجميع (فادي صبيح، رشا بلال، عبدو شاهين، طلال الجردي، أيمن رضا، ميا سعيد، محمد عقيل، سامر كحلاوي، جاد خاطر، دانا حلبي، وحتى حازم زيدان)، مع أدوارهم بجدية ودون استخفاف فلن تجد هنة واحدة في أدائهم جميعا، وهو ما خفف من حدة الإطالة.
خاصة مع ضخامة العمل وحقيقة كونه يتطلب مجهودا مضاعفا في ما يخص مشاهد الحركة والتشويق، حتى إنه يكاد يكون قريبا لتجربة سينمائية متكاملة، فقد جاءت مشاهد الأكشن متقنة إلى حد كبير.
ورغم كل تلك الإيجابيات، فإن من شاهدوا النسخة التركية يصرون على تفوقها على النسخة العربية بالمشاهد القتالية والمطاردات، وأن (العميل) محض محاولة للاستنساخ.
لكن هؤلاء الذين يتعرفوا على القصة لأول مرة في ثوبها العربي أكدوا إعجابهم بالعمل واستعدادهم لمتابعته كاملا حتى لو كان 90 حلقة كعادة المسلسلات المأخوذة عن فورمات تركي.
قائمة الأعلى مشاهدة
وهو ما جرى ترجمته بوضوح لأرقام عبر منصة (شاهد)، حيث وصل (العميل) بعد طرحه قائمة الأعلى مشاهدة، ولا يزال قابعا بها بعد مرور الشهر الأول على بدء العرض.
وهو ما يرجح رغم أنه طال كثيرا، تظل كفته راجحة حتى النهاية مع كل ما يخبئه من التواءات لن تلبث أن تُغير موازين الحكاية؟ وتزيد أجواء الإثارة والتشويق من حلقة إلى أخرى، على جناح سحر الأداء، وعذوبة التقمص الحي لكل انفعالات الشخصيات.
ورغم كل مامضى فإن لدي بعض الملاحظات:
شهدت حلقتي وفاة (خولة والعميد خليل) حالة من الاستعجال الذي ينذر بانتهاء الأحداث فضلا عن أن اشتعال الصراع بين الشقيقين أمير ووسام، جاء مبكرا لوضع خط النهاية قبل انتهاء الأحداث بإثنى عشر حلقة.
صحيح أن جميع هذه الأحداث جعلت المسلسل يتصدر الترند طوال الأيام الماضية خاصة مع تصاعد الأحداث في الحلقات الأخيرة، لكن كان يبنغي ألا تطول الحلقات حتى تصل إلى محطة التسعين حلقة، كان يمكن أن يختصر بما لايزيد عن (45 حلقة).
ومما لاشك مسلسل (العميل) أبرز قدرات الممثلين الذين شاركوا فيه، حيث أبدوا أداء احترافيا، لكنه أجهدنا في المتابعة 18 أسبوعا متصلا، حتى جعلنا نلهث وراء أحداثه، وربما تكون هذه هى الهنة الوحيدة في مسلسل (العميل) الذي أمتعنا رغم الإطالة كثيرا!