بقلم الناقدة الدكتورة: سامية حبيب
ينطلق العمل الفني من فكرة يحاول طرحها من كافة جوانبها الإنسانية والفكرية مع اتباع قواعد البناء الدرامي وكتابة سيناريو السينما، ليصل إلى الجمهور المستهدف الأول من تقديم العمل الفني.
ويأتي في مقدمة العمل الفني، عنوانه أو اسمه، وهذا اختيار أصحاب العمل الفني وأولهم كاتب السيناريو فهو المبدع الأول للنص أو السيناريو، دارت في ذهني هذه الأفكار عند مشاهدتي لفيلم (مين يصدق؟!) الذي يعرض في دور العرض حاليا، فما معنى العنوان وماذا يمكن أن يجذب المتفرج إليه ؟
عنوان (مين يصدق؟!) ملغز ولايحمل فكرة واضحة، جاء في صيغة سؤال بالعامية المصرية (مين)، ويحتمل أكثر من احتمال، فهل المقصود تساؤل فعلي أم اندهاش أم استنكار؟
طالما لم تتضح كل تلك المعاني أو تعطي المتفرج إشارة لأحدها يظل العنوان غامضا وغير دال على شيء، وتلك مشكلة كبيرة للعمل الفني، فعنوان أو اسم العمل يعد المفتاح الذي يتيح للمتفرج أن يدخل للعمل الفني، ويتفاعل معه ويفهم معانيه وبذا تكتمل المتعة الفنية وتصل فكرة وجماليات عمل الفنان.
فلو لم يفتح المفتاح لايحدث غرض المتعة والفهم ويسقط العمل من ذاكرة المتفرج بل من ذاكرة صناعة أصلا.
فيلم (مين يصدق؟!) به جهد طموح للمخرجة (زينة عبد الباقي)، وهى كاتبة السيناريو أيضا مع (مصطفى خالد بهجت)، أي أننا أمام فنانة شابة صاحبة طموح في المهنة يؤهلها له أنها من أسرة فنية وانها درست السينما والفن.
وهذا ما يتضح من الفيلم، أفكار كثيرة مزدحمة هى غالبا سمة من سمات العمل الأول غالبا، يشفع لهذا العيب المتكرر حتى مع من أصبحوا كبار المخرجين والكتاب أنها غالبا تحمل فكر الشباب صناع العمل.
أفكارعن الولاء والوفاء
في فيلم (مين يصدق؟!) أفكار كثيرة عن الولاء والوفاء والعدالة والرحمة بالأقربين والأعزاء، البطلة شابة تعاني من الفراغ العاطفي بعد أن تركها الشاب الذي تحب لصديقة أخرى دون احساس بحبها له وحزنها لفقده.
مايضخم حزن البطلة (نادين) معاناتها من التفكك الأسري بين أب رجل أعمال ثري وأم سيدة مجتمع وهما مشغولان عنها طوال الوقت، كما يستغني الأب عن مساعدة المنزل العجوز ويضعها في دار مسنين بكل سهولة لإصابتها بضعف الذاكرة.. هذا الموقف يجعل الفتاة (نادين) تحزن وتتألم وتفقد رغبة العيش بالمنزل مع أسرتها. رسمت شخصية البطلة (نادين) بحرفية فهي تشبهجيلها ، براءة النفس وحساسية تصل إلى حد الضعف مما يجعلها لا تستطيع مواجة مشكلاتها واحباطها سوى بالهرب من منزل أسرتها الفخم، فتلتقى بالشاب (يوسف) الفقير الفهلوى الذكي وتقرر العيش معه في منزل بسيط في حي متواضع.
وهذا موقف من عدة مواقف داخل الأحداث لم يأخذ جقه في الكتابة بالتمهيد والتبرير ليصدقه المتفرج، ومثله موقف احتراف الفتاة النصب والسرقة مع الشاب لمساعدة المحتاجين دون أن نرى ذلك في مشاهد ماعدا مشهدها مع المربية العجوز (عارفة عبد الرسول).
وكان ضعيف الكتابة بحيث لم يحقق التأثير الإنساني المرجوا من هذه العلاقة النبيلة.. كما جاء مشاهد النهاية وبالتحديد الربع الأخير من الفيلم من ظهور المعلم (أشرف عبد الباقي) غير واضحة، هل هو شخص نبيل أو نصاب؟
وما دوره في مشاهد انهيار الفتاة وابلاغ والدها، ومن المشكلات الهامة نهاية فيلم (مين يصدق؟!) الدموية بقتل البطل على يد بلطجية الأب، وعودة مؤلمة للفتاة لأسرتها ، هل هذه هي النهاية المثالية للأحداث.. ربما يجيب على هذا السؤال المخرجة وكاتبة السيناريو (زينة عبد الباقي).
تضامن الكبار مع الشباب
تبقى جماليات الفيلم في التصوير والديكور خاصة بيت الشاب يوسف والمونتاج الذي برز في تتابع مشاهد نصب (نادين ويوسف) على كثير من الناس وجمال الموسيقى التى صاحبت هذه المشاهد، كما تميز الإيقاع العام للفيلم باستثناء بعض المشاهد.
يبقى من أحلى مافي الفيلم تضامن نجوم كبار مع التجربة الشابة ربما مجاملة لزميلهم، لكنني وجدت في وجودهم قيمة أهم من المجاملة حيث يعمل بعض هؤلاء النجوم مع شباب معهد السينما وشباب السينما المستقلة بنفس الحماس والتشجيع لهم من أجل الفن.
فتحية للنجوم (عارفة عبد الرسول ونادين ومحمد عبد العظيم وسليمان عيد وأحمد رزق وشريف منير وشريف حلمي).
بقى الأمل الكبير الذي بعثه فينا بطلا فيلم (مين يصدق؟!) الحلوة (جيدا منصور) اجتهدت كثيرا في دور صعب يمر بمراحل ومشاعر متناقضة واجتازاته بنجاح مبشر بمولد ممثلة.
بطل الفيلم الشاب (يوسف عمر) من بيت فن ومواهب متميزة لوالدته ووالده، وهو يؤكد أنه نجم قادم بثقة ودأب ومذاكرة واعية للدور، دور النصاب البرئ ليس سهلا على الإطلاق ويحتاج موهبة أصيلة، مبروك لنا كسبنا بطل سينما قادم.. أهلا (يوسف عمر).