رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(رنة الخلخال).. فيلم يتوج (برلنتي عبد الحميد)، نجمة على عرش الإغراء!

أول مشهد من الفيلم، ستحرك الكاميرا من أسفل إلى أعلى لتكتشف لنا هوية جسد (برلنتي عبد الحميد)
محمود قاسم

بقلم الباحث والناقد السينمائي: محمود قاسم

لاشك أن دور (برلنتي عبد الحميد) في فيلم (رنة الخلخال) للمخرج محمود ذو الفقار كان هو بمثابة الشرارة التي كشفت قوة الإغراء الذي تتمتع به الممثلة.

وفي رأيّ الشخصي أن هذا الدور وحده، يكفي أن يضع (برلنتي عبد الحميد) في مصاف نجمات الإغراء الأوائل، وذوات المكانة العالية في عالم الفتنة في السينما المصرية.

وهو فيلم (حالة) خاصة بالنسبة لموضوعه الذي كتبه (أمين يوسف غراب)، أحد أجرأ كتاب الرواية المليئة بالحس في الأدب، وفي السينما العربية بوجه عام .

وقد اختار المؤلف موضوعاً جنسياً عائلياً، بين أب عجوز، وزوجة شابة، وابنه البالغ القوة والذكورة، وزوجة حالمة، ناعمة، وهم يعيشون بحكم الظروف الحياتية في مكان ضيق، كأن على كل منهم أن يمس الآخر شاء أم أبى!

وحيث ستكون المسافات بين الأبواب التي يتم وراءها لإغراء الحس، بالغة القرب، مما يزيد من حسية الشهوة، وحمية الاتصال، والإغراء ، والمكان هنا حي شعبي، في إطار عائلي في المقام الأول، حيث ترتفع مفاهيم الشرف، وفي نفس الوقت يحدث اتصال أكثر حمية بين الأشخاص .

وفي أول مشهد من الفيلم، ستحرك الكاميرا من أسفل إلى أعلى لتكتشف لنا هوية جسد (برلنتي عبد الحميد) الذي سيقلب هذا الصرح.

 ففي ساقها اليسرى خلخال، عندما تهتز الساقان فإنها تدل على أن هناك أنثى تتحرك على مقربة منك، كأنها تنبهك إلى وجودها، وأن عليك أن تنظر من أجل معاينة صاحبة هذا الجسد الفاتن، رغم الجلباب القديم الممزق ، فإن هذه التمزقات التي به تستطيع أن تكشف عن فتنة وجمال أكثر مما لو كانت المرأة قد ارتدت زياً أنيقاً أو محتشماً.

(برلنتي عبدالحميد) في هذا الفيلم، تمثل الجمال الشعبي الوحشي، المليء بالفتنة، والإثارة

الجمال الشعبي الوحشي

و(لواحظ) أو (برلنتي عبد الحميد) هذه التي نراها في البداية، في هذه الملابس الرثة، وصاحبة هذا الجسد الغشيم، تبدو كأنها غير أمينة عليه لما تتسم به من قوة في الشر، فهي فتاة شريرة ، بلا مأوى، وبرجماتية بلا مرجع، ولذا فإنها سترمي بشباكها حول هذا العجوز(عبدالوارث عسر)..

و(برلنتي عبدالحميد) في هذا الفيلم، تمثل الجمال الشعبي الوحشي، المليء بالفتنة، والإثارة، وما استعراض هذه المرأة بهذا الشكل السينمائي إلا تأكيداً على القوة التي تتمتع بها المرأة جسدياً.

وتفاصيل الجسد الذي سيغير من مصائر الأشخاص لبعض الوقت، ويهمنا هنا اقتطاف ما كتبه الناقد السينمائي الراحل (على أبو شادي) عن الفيلم في مجلة (فن) حيث يقول: (وما أن تتقدم، حتى يستشعر المتلقي ذلك الشحنة التي أرادها المخرج..

وحش جنسي يسير على قدمين، مهدداً، طاغياً على مناطق الضعف الإنساني، مبدداً في طريقه أوهام القناعة والورع، مزيجاً من أقنعة التعفف، ومسرح الأخلاق).

يسقط في حبائلها صاحب الفرن التقي (الحاج عامر)، ولا يمكن اكتشاف وحشية هذا الجسد، وفورته سوى من خلال التباين الذي سيظهر من حوله ، سواء فيما يتعلق بورع الحاج عامر، الذي سيتزوجها، حيث أنها سوف تذهب عنه وقاره.

ثم براءة زوجة الابن (فضيلة/ مريم فخر الدين)، وقوة شباب الابن نفسه (حسن/ شكري سرحان)، فالحاج (عامر/ عبد الوارث عسر)، رجل بدا كأنه قد أهمل الجنس، بعد وفاة امرأته القديمة، وهو رجل متدين، كهل الشكل، ولا روح، ولا يمكن له أن ينظر إلى مثل هذا الجسد بشهوة.

إلا إذا كانت له قدرة خارقة على إيقاظ كل ما هو نائم وساكن، ولذا فإن مثل هذا الرجل، فور مشاهدته للفتاة للوهلة الأولى تستيقظ مشاعره وأحاسيسه، ويخرج عن وقاره، وتتلاعب عيناه على ما يظهر فيها من فتنة، ثم يسرع بعرض الزواج عليها.

وذلك كي يحول هذا الاشتهاء إلى عمل شرعي، وحتى لا يرتكب الموبقات بعد أن تيقظ فيه الشعور القديم بالقوة.

لكننا سوف نلاحظ أن هذا التيقظ المفاجئ للرجل، لم يكن سوى في العين، وأن بصر الرجل قد قام بممارسة الشهوة، وأنه ليس بقادر على التعامل مع هذا الوحش الجنسي بكل الإمكانات.

(لواحظ) تمثل نوعا من الإغراء الجنسي، في الفيلم

(لواحظ).. والإغراء الجنسي

وقبل أن نتحدث عن ما تماثله (لواحظ) من إغراء جنسي، في الفيلم، فمن المهم الإشارة إلى معاني الأسماء، ابتداء من (الشيخ عامر، وفضيلة، وحسن)، ثم (لواحظ) التي اعتادت السينما المصرية أن توجهه لبنات الليل، وأمثال بطلة هذا الفيلم.

ويمكن أن نصف كل شخص من خلال ما يحمله اسمه، ورغم أن هذا أسلوب عقيم في التفسير، لكنه واضح أمامنا، ولا يمكن إغفاله.

خاصة بالنسبة لما تتسم به زوجة الابن، كما لا يمكن إغفال ما أعطاه الفيلم من رمز للفرن الذي يملكه الشيخ العجوز، فهو بمثابة آتون، ومرجل يعكس ما يعتمل في أعماق الشخصيات، وأيضاً ما في ظاهر الكثير من الذين يعيشون فوقه، وهذا الآتون لا ينطفئ أبداً ..

ولاشك أن (لواحظ/ برلنتي عبد الحميد) في الفيلم تقوم بعملية الإغواء، وتلف أحابيلها حول العجوز، حتى تذيب وبكل سرعة ما لديه من مقاومة، ويبدو الرجل متردداً في البداية، ويعني هذا بالطبع قرب السقوط في أغوار المرأة..

فهو بعد أن يتأكد من امتلاكها لجسد نافر، بعد أن عاينه بعينه، وهو يقدم الاستغفار، ويتمتم به، فإنه يقرر إيواء صاحبة الجسد في منزله، وذلك بدافع الشفقة..

باعتبار أن (لواحظ) هى ابنة عامل سابق، مات بعد أن خدم في الفرن (الآتون المشتعل) أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وذلك من أ جل حماية صاحبة هذا الجسد من أي سقوط محتمل ..

وما أن تدخل الفتاة المكان، حتى تشعل فيه الجذوة، وتنطلق حولها الشائعات، ليس أبداً تجاه الشيخ، بل  تجاه الابن الذي يستعد للزواج من (فضيلة)، وكلاهما في سن الشباب، خجول ، لا يعرف كيف ينساق في التجربة الجنسية.

لذا فإن الأب يسرع بالزواج من الفتاة، ودون أن يبالي بمن يردد من الشائعات التي سبق أن اهتز لها، وعلى طريقة حملة المشاعل في الثقافة اليونانية القديمة، فإن الأب كان ينظر للمرأة.

العمل قد مس شغاف الناس، وعكس ما يمكن تسميته بقنبلة الحس

العمل مس شغاف الناس

وهذه بدورها تتطلع إلى الابن الذي يحب (فضيلة)، ولا يرى عداها من نساء، ولكنه بدأ يلتفت إلى من تكشف له مفاتنها عن عمد، رغم أنها محرمة عليه.

وبينهما حس يمثله الأب، ذلك الذي بدأت أعراض العجز عليه من أول لقاء مع الجبل الجنسي، فأحس أنه لا يمكن أن يحمل كل هذا الثقل المتدفق من الشهوة، أعلن عن عجزه، كما تندفع المرأة بكل قوة نحو الابن، المليء مثلها بالقوة، والشباب ..

ومن المهم أن نقتبس مرة أخرى مما كتبه (علي أبو شادي) عن نفس الفيلم، باعتبار أن العمل قد مس شغاف الناس، وعكس ما يمكن تسميته بقنبلة الحس، من خلال ما فعلته لواحظ في البيت.

فيقول: (كان مارد الشهوة العارمة، قد انطلق من قمقمه، داخل لواحظ، يبحث عن الارتواء المستمر بعد ما افتقدته عند الكهل، وراحت تطارد الابن في وحشية تؤجج في داخله نار الاشتهاء والرغبة، ويفطن الأب المنهار إلى الصراع المستمر فيسرع بزواج حسن).

ولسنا هنا بصدد تحليل الفيلم، أوتبيان ما به من صراع، ولكن يهمنا في المقام الأول التأكيد على ما يمثله الإغراء، فهو هنا لا يتبدى فقط في الملابس الساتان التي ترتديها المرأة.

فتكشف بروز النهد، وتقاسيم الجسد، وسحر ما يتبدى من المرأة، ولكن يبدو الإغراء هنا في نظرات العينين المليئة بالتوحش، والرغبة، وحركة الشفاه، ورنة الخلخال.

وأيضاً الصوت الأجش، أو الرخيم، غير الزاعق عند حدوث الإغراء، ولذا فإن (برلنتي عبد الحميد) لم تكمن توحي بأي ابتذال قدر أن تجعل من مفاتنها عنواناً لما سوف يأتي بعد ما تفعله.

فهي تتمكن من كساء وجهها بما تريد دون أن تلجأ إلى القصدية أو العمد، وقد شكلت بذلك نموذجاً خاصاً للإغراء، فهي لا تحرك الشفاه بشكل صناعي، ولا تحاول أن (تتقصع)، ولكنها تترك مفاتنها تعلن عن نفسها.

ومن الواضح أن (برلنتي عبد الحميد) لم تكن في قمة الإثارة ، والفتنة، مثلما حدث في هذا الفيلم الذي توجها كنجمة إغراء، وفي بقية أفلامها لم تكشف عن فوره إثارة، ولم تلفت إليها الانتباه مثلما حدث في (رنة الخلخال) وقد فعلت ذلك، ولكن بدرجات أكثر وقاراً، وأقل كشفاً للفتنة.

ومن الواضح أنها كانت في حاجة إلى (محمود ذو الفقار) مرة أخرى ليقدمها في نفس الصورة العفوانية، ورغم أنه لم يخرج الكثير من الأفلام التي تعتمد على الجنس بشكل مكثف، فإن السينما لا تنسى كيف استخرج كل الفتنة، والإثارة من مطربة لم تكن فاتنة في أفلامها هي هدى سلطان في (نساء محرمات).

وللحديث بقية..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.