بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
من معاني التمثيل الوصف، والمصريون القدماء كانت حضارتهم تصاغ بشكل تمثيلي كما ذكرنا من قبل، ومن أهم الاكتشافات الأثرية في مصر القديمة ، بردية تصف لنا ما حل بأرض مصر، أثناء دعوة نبي الله (موسى) لهم إلى الإيمان بالله.
وترك عبادة الفرعون والآلهة المزعومة التي اخترعها الكهنة، والبرية تسمى ببردية إيبور، وهي لم تذكر سيدنا (موسى) بالاسم، ولكن تذكر آيات الله التي حدثت على أرض مصر، بداية من القحط والخفاف وتحول النهر إلى دم ، حتى غرق فرعون؟
والبرية تصف لنا الأحداث بشكل وصفي تمثيلي وكأنك تراها، ومن يقرأ هذه البردية حقيقة سوف يصاب بالفزع الشديد والرهبة، فلأول مرة في التاريخ الإنساني ، نرى أثر يتحدث عن آيات الله سبحانه وتعالى، ويفصها بشكل كامل.
وتتطابق مع ما أخبرنا به الله تعالى في كتابة العزيز، عن أمور غيبة حدثت في الماضي البعيد، والتي لم تذكر في كتب التاريخ الإنساني، ولكن في أرض مصر تظهر هذه البردية لتحدثنا عن ما حدث، وتصيبنا بالفزع والدهشة، ونتعرض إلي النص الوصفي التمثيلي لهذه البردية لنرى آيات الله سبحانه وتعالى على أرض مصر.
يخبرنا الله عز وجل في التنزيل بقوله: (وَلَقَدۡ أَخَذۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ (130)- الأعراف.
ونرى ما جاء في البرية:
لقد دارت الأرض كما لو كانت طبق طعام.
أصاب الدمار البلاد – ضرب الجفاف والضياع مصر..
وعم الخراب..
وانقلبت المسكونة..
وعمت سنوات من الفوضى لانهاية لها..
ها قد توقفت الفوضى وانتهت المعمعة..
عم الخراب أرض مصر
ولننظر إلي الوصف التمثيلي السابق، لما حدث أنه يصف السنوات بدقة ،و ما حدث، فيقر بأن سنوات من الفوضى حدث فيها، خفاف، وضياع، وأن أرض بكاملها انقلبت، ودارت كأنها طبق طعام ، وعم الخراب أرض مصر (سبحانك ربي).
ونتعرف على بقية الحدث من قول الله تعالى:
(فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ (133)- الأعراف.
ونرى ما جاء بالبردية..
المصائب في كل مكان، والدم في كل مكان..
كان الدم في أنحاء أرض مصر..
تحول النهر إلى دم..
كل الماء الذي في النهر تحول إلى دم..
عاف الناس شرب الماء وابتعدوا عنة وانتشر العطش.
هذا هو نهرنا ومياه شربنا – هذا مصدر سعادتنا – ماذا عسانا أن نفعل إزاء ذلك – الكل أصبح خراب..
ولننظر إلى نهر النيل الذي تحول إلي دم، لم يستطع مصري الشرب منه، أو استخدام مياهه ، ويقول إيبور الكل أصبح خراب فماذا حدث:
خربت الأشجار وماتت..
ما عادت تثمر وما عادت الأرض تخرج الكلأ..
انتشرت الحرائق.. اخترقت البوابات والأبنية والجدران..
وبكت مصر.. انعدمت مصادر العيش – خلت القصور من القمح والشعير والطيور والأسماك..
فسدت وانعدمت الحبوب في كل مكان..
كل ما كان بالأمس هنا موجودا بات غير موجوداً، أصاب الأرض التعب والخراب كما لو كانت أرض كتان قطعت أعواده..
لا شيء هنا – لا ثمار ولا عشب – لا شيء سوى الجوع هنا.
ولننظر إلى الوصف التمثيلي السابق:
لقد حدثنا النص عن الزراعة المصرية، وأنها خلت من الثمرات، ونرى عدم إنتاج الاشجار للثمرات، ونرى أن الأرض الزراعية لم تعد تنتج محاصيل زراعية (قمح و شعير)، حتى الحبوب المخزنة فسدت، وانعدمت مصادر العيش، لا شيء سوى الجوع.
ونكمل مع إيبور..
حتى مواشينا، بكت قلوبهم وناحت..
أنظر – ها هي الماشية تركت هائمة وليس من أحد يرعاها، كل رجل يصطاد لنفسه ما هي له..
عم الظلام الأرض..
ومما سبق نلاحظ أن الزراعة المصرية والمحاصيل المخزنة والمواشي، قد أصابها ما أصابها..
وصف ما حدث لفرعون
ونكمل مع إيبور لنري أحوال الناس..
وهاهم أولاد الأمراء يتخبطون بين الجدران..
ها هم أولاد الأمراء ملقون في الشوارع..
حتى السجون خربت..
كثيرون هم الذين يودعون إخوانهم التراب في كل مكان..
في كل مكان أنين ونواح وبكاء..
هؤلاء الذين كان يرقدون في غرفة التحنيط طرحوا هناك على أكوام القمامة
الكل هنا عظيم كان أو صعلوك يتمنى الموت.
سبحان الله العظيم (غرف التحنيط خربت تماما، الدفن أصبح في التراب، أولاد الأمراء ملقون بالشوارع البكاء والنواح في كل مكان).
ثم يكمل إيبور إلى أهم حدث ويقول:
هاهو الفرعون قد فقد في ظروف لم يحدث مثلها من قبل..
ونلاحظ أن إيبور يتحدث عن موت فرعون وفقدانه في ظروف لم يحدث مثلها من قبل ، فقد توقف ولم يستطيع أن يكمل واكتفى بكلمات (لم يحدث مثلها من قبل)، غير قادر على وصف ما حدث لفرعون وجنوده، فلم يستطيع أن يصف ما أخبرنا به الله سبحانه وتعالى في سورة الشعراء:
(فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ -(63 .
فمن يستطيع وصف هذا الحدث العظيم ، إنه رعب وذهول؟
وهكذا نرى لأول مرة في التاريخ الإنساني مدونة تتحدث بوصف تمثيلي، عن آيات الله في الأقوام التي أرسل الله لها الرسل، وهذه البردية ، تخص قوم فرعون وقومه، ولم يذكر صاحب البرية نبي الله (موسى) بالاسم.
ولكن ذكر ما حدث، وما أصاب مصر والسنين التي مرت بها مصر من القحط والجفاف ، وتحول النهر إلى دم ، وهلاك الفرعون وموته.
ونختم هذا المقال بما حدث لفرعون أثناء الغرق، ويخبرنا عن ذلك رب العزة من له ملك السموات والأرض:
(وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ وَجُنُودُهُۥ بَغۡيٗا وَعَدۡوًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِيٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ (90) ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ (91) فَٱلۡيَوۡمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنۡ خَلۡفَكَ ءَايَةٗۚ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ (92) – يونس.