بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
انتشرت في الفترة الأخيرة دعوات لعقد مؤتمر لمناقشة مشاكل (المسرح) في مصر، سواء في الصحف أو على وسائل التواصل الاجتماعي أو في جهات رسمية كلجنة (المسرح) بالمجلس الأعلى للثقافة.
وبرغم أن تلك الدعوات جاءت متأخرة بعد أن تنامى الى الجميع خبر إخلاء دار عرض (فاطمة رشدي) بمسرحية (الكبير والصغير)، و لشائعات حول قرب تسليم مسرحى (السلام و متربول) إلى مالكيهم الأصليين إلا أن مقولة (أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى أبدا) مازالت صحيحة.
فـ (المسرح) المصرى يحتاج منذ سنوات لإعادة رصد و تقييم لتشخيص مشكلات ارهقته و كبلته و محاولة إيجاد حلول لها . فهل الوسيلة الى ذلك هي عقد مؤتمر للمسرح؟
في اعتقادى أننا لا نحتاج لمثل هذا المؤتمر إذا كان على شاكلة المؤتمرات التي سبقته، والتي أصدرت مئات التوصيات و لم ينفذ منها شيئ، بل كانت تلك المؤتمرات حديث من طرف واحد ، يتجمع فيها المسرحيون، ويتشاجر من لم توجه اليه الدعوة، ويتهم الباقين الذين بدورهم يتهموه بأنه حاقد و موتور.
ويتناقش المدعوون فيختلفوا و تطفو إلى السطح بعض من مصالح شخصية وعداءات مستترة، ويبقى البعض الآخر قابضا على جمر المصلحة العامة، و لكن كل من أدلى برأى يتمسك به و كأنه (القول الفصل)، رافضا كل ما عداه وربما انتقد آراء الآخرين. وفي النهاية يطالب المسرحيون بما يتصوروه حلولا لمشاكلهم، ثم ينفض (المولد) وقد نفّسوا عن غضبهم يستمر الحال على ما هو عليه وربما ينحدر لما هو أسوأ.
أجنحة الحركة المسرحية
ولكن في خضم الأحداث الجارية حاليا وخوفا من تبعاتها التي من الممكن أن تدمر أحد أجنحة الحركة المسرحية المصرية وهى مسرح القطاع العام يجب أن يكون الأمر مختلفا، فمن البديهى أننا جميعا نرجو أن يؤدى المؤتمر إلى نتائج إيجابية تنقذ حركة (المسرح).
ولذا علينا قبل عقده أن نجد آلية لتنفيذ توصياته، وألا صار كله (كلام في الهوا) ومجرد حقنة مسكنة لمريض يحتاج الى جراحة عاجلة.. هذا ما تعلمناه من كل مؤتمرات (المسرح) منذ الستينات و حتى الآن: أنها ضجة بلا طحن!
فهناك مئات التوصيات التي صدرت عن تلك المؤتمرات ولم تنفذ حتى الآن أو جرى تنفيذها لوقت قصير ثم تم تناسيها أو إغفالها، فأين – على سبيل المثال لا الحصر – المكاتب الفنية التي كانت تقود المسارح وتشارك المدير في اختياراته وتساهم في وضع الخطة و متابعة تنفيذها، و التي أنشئت بتوصية من أحد المؤتمرات؟
بل أين مجالس الإدارات في قطاعات وزارة الثقافة التي كانت من مكتسبات ثورة 25 يناير؟، لقد اختفت هى الأخرى وكل ما تبقى هى مجالس إدارات شكلية تنعقد مرة واحدة في العام، ولا يعرض عليها سوى إنجازات المسئولين فقط !!
فلا هى تشارك في التخطيط أو المتابعة أو اقتراحات التطوير، بل هناك مجالس إدارات لم تجتمع عل الإطلاق.
وبدلا من اختراع العجلة مرة أخرى علينا أن نعود خطوة للخلف ونراجع توصيات مؤتمرات المسرح السابقة منذ السبعينات وحتى مؤتمر (المسرح) الذى عقد في 2013 ومؤتمر ثقافة مصر في المواجهة في نفس العام.
وأيضا الموائد المستديرة التي عقدت في لجان المسرح المتعاقبة، بالإضافة الى جلسات الحوار الوطنى (التي توقفت ثم اختفت في ظروف غامضة)، لتكون أمامنا خريطة مبدأية ربما تعيننا وتوفر كثيرا من الوقت والجهد.
فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك محور هام لابد أن يناقشه أي مؤتمر للمسرح وهو (الرقابة) التي أصبحت متعسفة، حتى أنها تمنع نصوصا تمت إجازتها من قبل وقدمت عدة مرات في عصور مختلفة مثلما حدث مؤخرا مع نص الوافد لميخائيل رومان.
فلو كانت توصية مؤتمر (ثقافة مصر في المواجهة) قد تم تنفيذها منذ صدرت من أحد عشر عاما، والتي تقول: (تحويل الرقابة على الإبداع الفني إلى جهة منح ترخيص للمصنفات الفنية بناء على تصنيف عمري للمسموح لهم بالمشاهدة، وقصر المنع علي إهانة الآخر وازدراء الأديان (لما كانت هناك مشكلة اليوم).
لا للفاتورة الإلكترونية
إن حصر مثل هذه التوصيات قبل المؤتمر والبحث في أسباب عدم تنفيذها أمر هام وحيوي قد يضمن لنا أن يتم تنفيذ توصيات المؤتمر الجديد، ولكن الأهم أن يحدث نقاش مع الجهات التي تملك القرار في حل مشكلات المسرح مثل وزارة المالية.
فنحن نواجه قرارات للترشيد مثل حجب بند الدعاية عن كل الوزارات، ولكنها لا تصلح للتطبيق على وزارة الثقافة، وتحدث عنها الجميع كثيرا وطويلا بلا طائل، ولذا لابد من الاجتماع بمسئولى وزارة المالية لحسم مسألة استثناء وزارة الثقافة من هذا القرار.
وأيضا إعفاء الثقافة الجماهيرية من اشتراط وجود الفاتورة الإلكترونية التي تهدد النشاط بالتوقف!، حيث أن المتعامل مع الثقافة الجماهيرية لا يحصل منها إلا على فتات لا يمكنه من دفع تكلفة استصدار الفاتورة بكثير، وهناك فرق للأطفال لا يجوز لها فتح ملف ضريبى من الأساس!
ولابد لمؤتمر (المسرح) أن يضم أعضاء من مجلس النواب وبالتحديد من لجنة الثقافة والإعلام، فهذا أمر ضرورى و حتمي لإنجاح مثل هذا المؤتمر، فهناك بعضا من التشريعات لابد أن من تعديلها مثل قانون الضريبة المضافة التي يتولى المبدع تحصيلها من جهة الانتاج التى يتعامل معها (دونا عن كل انواع الضرائب) ويتولى توريدها للحكومة.
في حين أن القانون لم يلزم جهات الإنتاج بضرورة تسديدها للمبدع، وإنما ترك الأمر بين المبدع وجهة الإنتاج، لذا عليه أن يسددها لو امتنعت جهة الإنتاج عن ذلك، وإلا تعرض لعقوبة التهرب من الضرائب التي تصل إلى السجن.
وبرغم أن الفنان الكبير (يحيي الفخراني) عرض الأمر على مجلس الشورى – الذى هوعضو فيه – منذ فترة طويلة، لكن لم يصدر عن المجلس أي رد فعل!
كثيرة هى هموم (المسرح) ولن تُحل بمؤتمر ينعقد وينفض دون اتخاذ إجراءات عاجلة واستصدار قرارات تزيل المعوقات.. و لهذا حديث آخر.