بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
لا أظن أن من الممكن التعامل مع مسلسل (وتر حساس) الذي أنتجته الشركة المتحدة وأخرجه وائل فرج عن قصة وسيناريو وحوار أمين جمال ومينا بباوي، مثل أي عمل درامي عادي يخضع للنقد والاشادة، وإنما يجب التعامل معه في رأيي باعتباره (سما دراميا) يجعله عملا مسيئا لمصر.
لهذا أطالب قادة المتحدة في إطار عملية التصحيح وإعادة التقييم التي تجري حاليا حسبما نسمع بالتحقيق في كيفية السماح لمسلسل (وتر حساس) بالعرض، والتحقيق مع المسؤولين عن ذلك بداية من الموافقة على السيناريو والحوار، وصولا إلى إنتاج العمل ثم عرضه.
مسلسل (وتر حساس) يسيء للأغنياء والفقراء ويظهر المجتمع المصري كأنه ساحة لارتكاب مختلف أنواع الأفعال غير الأخلاقية دون أن يكلف السيناريست نفسه بوضع مشهد واحد يظهر فيه أحد من أفراد العمل وهو يعترض على انتهاك كل القواعد الأخلاقية ببساطة.
حسب رؤيتي المتواضعة أن العمل قصد به الإساءة للأغنياء من سكان المجمعات السكنية (الكمبوندز) الذين يحتسون الخمر ويتورطون في الخيانة والمؤامرات ضد الجميع بشكل يومي، ويستخدمون الفقراء كأدوات لتحقيق ما يريدونه دون تفكير في عواقب ذلك على حياة هؤلاء الفقراء.
فهناك (كاميليا/ إنجي المقدم) المتزوجة من (رشيد/ محمد علاء) والتي تآمرت دون سبب واضح على (سلمى/ صبا مبارك) وقت أن كانت متزوجة من شقيقها، لدرجة أنها استخدمت طبيبا (فقيرا) زميلا لسلمى في عيادة التجميل لتنصب لها فخا تبدو معه وكأنها تخون زوجها الذي يتلقى مكالمة تخبره أن زوجته في شقة زميلها، فيذهب لاكتشاف خيانتها ويموت بحسرته.
مقاومة الحب المريض
(سلمى) بدورها تتزوج من زوجها (رشيد) للانتقام منها، أيضا دون سبب واضح، فالسيناريو يجبرنا على الاقتناع بأنهما يحبان بعضهما منذ زمن، مثلما يجبرنا على قبول تحول موقفها من مقاومة ذلك الحب المريض إلى التمادي فيه لدرجة اقتراح الزواج السري من رشيد.
قبل أن يجبرنا مجددا على أن نعيش رعبها من أن تكتشف (كاميليا) الزواج، دون أن يوضح لماذا أقدمت سلمى على تلك الخطوة وهى الرصينة المتعقلة دون أن تحسب العواقب؟!
بينهما توجد (رغدة) صديقتهما المشتركة وشريكة (سلمى) في عيادة التجميل الفخمة، والتي تقضي وقتها في المسلسل ما بين التآمر على الأغنياء والتنمر على الفقراء، دون ان يقدم المسلسل سببا وجيها لذلك، فلم يظهر مثلا أنها مريضة نفسيا أو شيء من هذا القبيل يبرر تصرفاتها.
مسلسل (وتر حساس) ضرب الفقراء أيضا بقصد أو بدون قصد، حين قدم ممثليهم في الدراما حاقدين على الأغنياء، متمسحين فيهم لا يعرفون الشرف ولا الكرامة، سعداء بأن الأثرياء يستخدمونهم كأدوات وليسوا بشر طالما أنهم يدفعون لهم قيمة انتهاكم لآدميتهم.
فهناك الطبيب زميل (سلمى) الذي لم يمانع توريطها في موقف خيانة لمجرد أنه تلقى أتعابه، هناك عاملة كافتيريا النادي التي ترتبط بعلاقة آثمة مع (مازن) شقيق (كاميليا) وخطيب ليلى شقيقة (سلمى)، وتهدده بفضح علاقتهما، لكنها وشقيقها يصمتان بمجرد أن يتلقيا ثمنا جيدا لشراء كرامتهما وشرف العائلة.
ما سبق كان غيض من فيض التفاصيل المخجلة التي حفلت بها الحلقات الثلاثة عشر الأولى من المسلسل، أما فنيا فقد كشف العمل عن خلل واضح في السيناريو والحوار والإخراج.
مشاهد تخلو من الإحساس
فـ (وتر حساس) الذي يفترض انه رومانسي تغيب عنه الرومانسية حتى في المواقف التي يصر السيناريو على حشرها على طريقة فريد شوقي في فيلم بداية ونهاية حين كان يغني (بالعافية) ومن يعترض على نشاز صوته يتعرض للضرب.
(صبا مبارك) بعد الكثير من جراحات تعديل الوجه تحولت إلى تمثال شمعي يمكن أن يجذب الأنظار إذا وضع في متحف (مدام توسو) الشهير في لندن، وليس في مسلسل يحتاج من البطلة لتعبير مكثف عن مشاعرها التي تختنق بين حبها لرشيد وخوفها من تبعات ذلك على أسرتها.
أما محمد علاء فوجهه وطريقة أدائه تناسب تيمة معينة من الأدوار ليس من بينها بالتأكيد الرومانسية، كما أن الحوار لم يساعده ولا صبا مبارك على التقمص، فجاءت المشاهد الحميمة بينهما مصنوعة تخلو من الإحساس، وبالتالي أخفقا في توصيل تلك المشاعر للمشاهدين ومن ثم كسب تعاطفهم معهما.
حتى الغضب أخفق (وتر حساس) في تقديمه بطريقة طبيعية وغير مفتعلة سواء على مستوى الحوار أو أداء الممثلين، وهنا أتذكر الحوار بين نور الدين (تميم عبده) المحامي الشهير والد على ابنه (مازن/ أحمد جمال سعيد) لأنه شارك بفلوس أبيه في بار، وفي المشهد ظهر أن تميم يضغط على نفسه لبلوغ ذروة الانفعال التي ستسبب له ازمة قلبية لأن الحوار الضعيف لم يساعده على بلوغ تلك الذروة بشكل طبيعي.
واحد من غرائب (وتر حساس) الممثل الذي أدى دور (علي) شقيق (كاميليا) وزوج (سلمى) الذي مات بحسرته، إذ أن (التبريق بعينه) كان تعبيره الوحيد طوال المشاهد القليلة التي ظهر فيها.
لدرجة أنه في مشهد موته مات أيضا وعينه مبرقة ليستحق الطرفة التي تقال في هذه المواقف أنه (عاش مبرق ومات مبرق أيضا).