بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
في 17 أكتوبر 2024، تداولت مواقع إخبارية إسرائيلية عبر منصة تليجرام صوراً تظهر جثمان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشهيد (يحيى السنوار)، بين أنقاض منزل في منطقة تل السلطان برفح بقطاع غزة.
ومع تداولها بشكل سريع تولد شعور بأن إسرائيل لم تكن ترغب في نهاية كهذه لمن تعتبره المسؤول عن هجوم 7 أكتوبر، إذ ظهر أمام العالم أجمع أنه مقاتلاً حتى آخر لحظة من حياته، بحسب قناة (أبو علي إكسربس).
ولولا تسريب تلك الصور من أحد الجنود في المكان، لكانت إسرائيل قد اختلقت رواية أخرى لواقعة استشهاده تتماشى مع طموحاتها وتصورها للنصر الزائف الذى تريده.
هذا الحدث الجلل، سلط معه بطبيعة الحال الضوء على ظاهرة القنوات الإعلامية الإسرائيلية غير الرسمية التى تبث بوجه خاص عبر منصة (التليجرام) والتى اكتسبت ثقة قسم كبير من الجمهور الإسرائيلي.
ومن ثم أصبحت مصدراً للأخبار العاجلة خلال الحرب الجارية فى غزة ولبنان، وهنا تطرح تساؤلات حول طبيعة هذه القنوات، والجهات التي قد تقف وراءها، مع محاولة الوقوف على كيفية عملها، ومدى تأثيرها على الجمهور الإسرائيلي، ومدى تجاوزها للإعلام الرسمي والرقابة العسكرية.
الإعلام البديل فى إسرائيل
بالطبع ليست ظاهرة القنوات على منصة (التيلجرام) بالجديدة، لكن الموكد هو إن تأثيرها وانتشارها زادا بشكل كبير خلال الحرب الدائرة الآن، وبدأت هذه القنوات، التي لا يديرها صحفيون محترفون، بجذب جمهورها قبل عدة سنوات من حرب 7 أكتوبر فى غزة.
لكنها شهدت قفزة هائلة في شعبيتها خلال تلك الحرب، بعدما أصبحت مصدراً رئيساً للمعلومات لمئات الآلاف من الإسرائيليين، مما يعزز دورها كأداة مهمة في نقل الأخبار الفورية.
ووفقاً لصحيفة (هآرتس)، فإن عدد متابعي قناة (أخبار من الميدان) الإسرائيلية ارتفع من 125 ألفاً قبل الحرب إلى 521 ألفاً، كما زادت نسبة متابعة قناة (أخبار اللحظة) من 27 ألفاً إلى 102 ألف متابع.
بينما ارتفع عدد متابعي قناة (أخبار في الوقت) من 122 ألفاً إلى 222 ألفاً، هذه القنوات، باتت تشكل ظاهرة جديدة ومهمة، وفقاً لما ذكره (أحياه شاتس)، المدير التنفيذي لمشروع (فيك ريبورتر).
إذ اعتبر أن حرب 7 أكتوبر كانت بمثابة الوقت الذهبي للأخبار البديلة، حيث شهدت هذه القنوات نمواً ملحوظاً في عدد المتابعين وقدرتها على نقل المعلومات، بعدما كانت الصدمة العامة كبيرة، بينما كانت المعلومات المتاحة محدودة، مما أوجد فراغاً معلوماتياً.
وفور ذلك قامت جهات أخبار مستقلة ومؤثرون بملء هذا الفراغ، مستغلين نقاط الضعف في الإعلام التقليدي ونقاط القوة في وسائل التواصل، لتصبح بعد ذلك مصدراً رئيساً للمعلومات المباشرة لآلاف، إن لم يكن ملايين، من الإسرائيليين.
لكن التحدي، وفقاً (لشاتس)، يكمن في أن بعض هذه الصفحات تُستخدم – أو تستغلها جهات معينة – لنشر معلومات غير دقيقة أو مضللة لتحقيق أهداف خاصة، في (عصر ما بعد الحقيقة)، أصبح الكذب غير مُجرم ويُمارس من دون أي مساءلة، بل حتى الإعلام التقليدي قد يقع في هذا الخطأ.
فالمسؤولية تجاه المعلومات أصبحت أمراً غائباً إلى حد كبير، وتؤكد على حديثه (عاميت شارون)، الباحثة في (فيك ريبورتر) بقولها: “في كثير من الحالات، من المستحيل تتبع مصدر المعلومات.
قناة (أبو علي)
من خلال متابعة تلك القنوات غير الرسمية، فالمؤكد هو أن قناة (أبو علي إكسبرس) تظل القناة الأولى الآن على الساحة التي تغطي الشؤون العربية عبر وسائل التواصل، تلك القناة التي أسسها (جلعاد كوهين)، والذي يرتبط بشكل غير مباشر بالجيش الإسرائيلي.
واعتبارًا من سبتمبر 2022، تحولت قناة (أبو علي إكسبرس) عبر موقع التواصل (تليجرام) للمصدر الأول لنقل الأخبار في إسرائيل وحققت أكبر عدد من المشاهدات، بل أنها أصبحت بمثابة المصدر الرئيسي الذي تعتمد عليه معظم وسائل الإعلام التقليدية، التي راحت من جانبها لتعيد كل ما يرد من تقارير ومواد إخبارية تنشرها القناة المذكورة.
وخلال الحرب المتواصلة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، وحتى الآن، حققت القناة أرقامًا قياسية جديدة بأكثر من 25 مليون مشاهدة و30 ألف مشترك جديد في يوم واحد، وأكثر من 100 ألف مشترك جديد انضموا إليها طوال فترة الحرب.
ظهر حساب (أبو علي إكسبرس) لأول مرة كمصدر إخباري بديل يغطى الشؤون العربية عبر (فيسبوك) في عام 2018، وبعد فترة وجيزة، تمت إزالة الصفحة، ومن ثم تم فتح حساب آخر لها عبر (تليجرام)، وتبع ذلك حسابان على تويتر – أحدهما باللغة العبرية والآخر باللغة الإنجليزية.
وعلى مدار العامين التاليين، زاد عدد المتابعين إلى أكثر من 100 ألف متابع، مما أدى إلى الاعتقاد بأن (أبو علي إكسربس) هو فى الواقع شخص ينتمى للمجتمع العربي فى إسرائيل، وقد تم حظر نشر اسمه في البداية بموجب قرار الرقابة العسكرية لحماية سلامته، نظراً لوصوله إلى معلومات حساسة.
بحسب مصادر إسرائيلية، تم اختيار (جلعاد كوهين) من قبل رئيس هيئة الأركان العامة اللواء (هيرتسي هاليفي) بعد وقت قصير من اندلاع احتجاجات حدود غزة عام 2018-2019.
عندما بدأت حشود الفلسطينيين في غزة في التظاهر على طول الحدود بين غزة وإسرائيل، مع حديثها عن أن (كوهين) خدم في بداية التحاقه بالمؤسسة العسكرية كضابط صغير في مكتب التنسيق والارتباط التابع للجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
وفي مايو 2021، وخلال الحرب على غزة، سجلت القناة رقمًا قياسيًا بلغ 6.7 مليون مشاهدة يوميًا، ونشرت العديد من التقارير الحصرية أثناء القتال، والتي استشهدت بها العديد من وسائل الإعلام بعد ذلك.
وبعد فترة وجيزة، ذكرت صحيفة (هآرتس) أن قناة (أبو علي إكسبريس) يديرها (كوهين)، بعد تعيينه كمستشار لنائب رئيس الأركان ولقيادة المنطقة الجنوبية بشأن (حرب الوعي)، مقابل تقاضيه أجر ثابت.
وإنه تم اختيار (أبو علي إكسربس) كاسم مستعار له، مع تأكيدها على إنه خبير في عمليات الحرب النفسية وتنحصر مهمته في تحديد وتحليل الاتجاهات ونقاط التحول بين الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة.
لكن بالطبع لم تذكر القناة في ذاك الوقت أن من يديرها هو مستشار لدى الجيش الإسرائيلي، كما أن الجيش بدروه لم يكشف هو الآخر عن تعاونه مع (كوهين).
مستشار بالجيش الإسرائيلي
ظلت قناة (أبو علي إكسبرس) ومنذ إطلاقها مصدرًا لعدد من التقارير الهامة التي نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية أخرى بعد ذلك، منها على سبيل المثال تقرير يفيد بأن الأموال القطرية كانت تدخل قطاع غزة في حقائب.
وقبل الكشف عن أن هوية الصفحة وأن من يديرها هو أحد مستشاري الجيش الإسرائيلي، أوصى المتحدثون باسم الجيش بموقع (أبو علي إكسبرس) كمصدر للمعلومات ذات الصلة بالأوضاع في قطاع غزة.
وقبل الكشف عن ارتباط الصفحة بالجيش، كان حساب (أبو علي إكسبرس) يوجه بدوره سهام النقد للصحفيين الإسرائيليين الذين انتقدوا من جانبهم الطريقة التي أجرى بها الجيش العمليات في غزة.
كما كان ينتقد الصحفيين الذين يشككون في الجيش، وعندما كتب المراسل العسكري لموقع (واللاه)، (أمير بوحبوط)، أن رد الجيش على إطلاق الصواريخ من غزة كان ضعيفًا، تم انتقد رأيه في مقال (لأبو علي) حمل عنوان: (مراسلون اسرائيليون في خدمة العدو).
ووصف (بوحبوط) بأنه (أداه للدعاية حماس)، كما وجهت انتقادات حادة لمراسل قناة 13 (ألموج بوكر)، واستهدفت كذلك سياسيين مثل وزير الدفاع السابق (أفيجدور ليبرمان) بعد استقالته.
وبطبيعة الحال يمثل حساب (أبو علي أكسبرس)، نموذجاً مثيراً للجدل في الإعلام الجديد، يتميز بطابعه النقدي تجاه الإعلام الإسرائيلي.
ويعكس مجال عمله كضابط استخبارات على هيئة صحفي تأثيره الكبير على فهم الأحداث في العالم العربي، ومن ثم تحولت قناة (أبو علي إكسبرس) إلى واحدة من أكثر القنوات تأثيراً على التلجرام في القضايا الأمنية.
حبّه للعربية بفضل معلمه
في مقابلة له مع صحيفة (يسرائيل هيوم) أشار (كوهين) إلى أن بداياته تعود إلى الصف الخامس، حيث بدأ حبّه للغة العربية بفضل معلمه، هذا الشغف قاده لاحقاً للانضمام إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي.
وخلال فترة خدمته العسكرية، شغل منصب رئيس وحدة “استخبارات المصادر المفتوحة” (OSINT) حيث اعتمد على المعلومات المتاحة من المصادر العامة لجمع البيانات حول (أعداء إسرائيل)، ومع ذلك، في عام 2011، وعند تولي (أفيف كوخافي) رئاسة هيئة الأركان أُغلقت الوحدة، ما أدى إلى تحول الاستخبارات نحو الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا ووسائل جمع المعلومات الحديثة، وتراجع التركيز على المصادر التقليدية.
بعد مغادرته الجيش، انتقل (أبو علي) للعمل في القطاع الخاص، لكن سرعان ما أدرك أن التغطية الإعلامية للعالم العربي في الإعلام الإسرائيلي كانت غير كافية، وزاد بقوله: (كان هناك عدد قليل من المراسلين المعنيين بالشؤون العربية، وغالباً ما كانوا يعتمدون على وسائل الإعلام الحكومية لدول عربية، التي لا تعكس دائماً الواقع).
ومع بروز وسائل التواصل الاجتماعي، وجد (أبو علي) منفذاً جديداً للمعلومات، يرى أن هذه المنصات تعكس واقعاً جديداً، حيث تمنح القوة للجماهير للتعبير عن أنفسها، كما برز ذلك خلال (الربيع العربي).
وشدد على أهمية فهم هذه الظاهرة في جهاز الأمن الإسرائيلي، حيث يشعر بالأسف عندما يجد أن المعلومات التي يقدمها غير متاحة لجهاز الأمن.
وفي عام 2014، بدأ (كوهين) الكتابة في موقع الأخبار (روتر) مستخدماً اسم (أبو علي)، ولاحقاً، أنشأ صفحة على موقع التواصل (فيسبوك) حمل الاسم نفسه، والتي حظيت بشعبية متزايدة، خاصة عندما بدأ يكتب عن تنظيم (داعش).
كما يوضح: (لقد تعلمت الكثير من خلال دراسة (داعش)، خاصة كيفية عملها في التسويق، وهو ما اعتبره السبب الرئيس لنجاحها).
تساؤلات وفرضيات
المتابع لهذه النوعية من القنوات، يدرك سريعاً إنها تتجاوز قيود الرقابة العسكرية الإسرائيلية، مما يثير معه تساؤلات حول مصدر المعلومات التى تتناقلها، وهنا تبرز فرضيتان رئيستان حول كيفية عملها.
الأولى إنها تدار من قبل أجهزة استخبارات، إذ يسود اعتقاد أن بعض هذه القنوات قد تكون جزءاً من لعبة معلوماتية تُديرها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أو حتى جهات عسكرية، بهدف توجيه الرأي العام أو نشر معلومات مسبقة لجس النبض أو التهيئة لا سيما في ما يتعلق بأخبار القتلى أو المصابين الإسرائيليين.
خاصة أن هذه القنوات تتميز بقدرتها على نشر معلومات دقيقة وسريعة عن العمليات العسكرية، مما قد يشير إلى تعاون وثيق مع مصادر أمنية.
أما الفرضية الثانية، فهي أن من يديرها هم صحفيون مستقلون، من خلال اعتماد هذه القنوات على مراسلين مستقلين أو صحفيين داخل إطار المؤسسات الإعلامية التقليدية، ويقوم هؤلاء الصحفيون بجمع المعلومات من مصادر محلية مباشرة.
أو من خلال شبكاتهم الشخصية داخل الجيش أو الأجهزة الأمنية، ومن ثم ينشرون معلوماتهم عبر منصة تليجرام هرباً من القيود التي يفرضها القانون على الإعلام الرسمي.
الثابت هو أن تلك القنوات غير الرسمية عبر منصات التواصل تلعب دوراً كبيراً في تقديم المعلومات في إسرائيل خلال فترات الحروب والأزمات، من خلال دعم جهات استخباراتية لها أو اعتمادها على جهود صحفيين مستقلين، بعدما أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المشهد الإعلامي الإسرائيلي.
إذ تتيح للمواطنين الوصول إلى المعلومات بسرعة، لكنها تطرح أيضاً تساؤلات حول مصداقية ما تقدمه من معلومات وتكشف معها كذلك كيفية استغلال الاستخبارات الإسرائيلية لها بهدف خوض حرب نفسية ضد العرب عامة والفلسطينيين على وجه الخصوص. وللحديث بقية.