بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
في عصرنا الحالي لا يبدو أن هناك قاع للانحطاط الأخلاقي، إذ كلما ظننا أن مجتمعنا بلغ ادنى درجة من الانحطاط يخرج علينا من يفاجئونا بدرجات سفلية لم تكن في الحسبان خصوصا في التعامل مع المشاهير سواء كانوا أحياء أو أموات مثل (مصطفى فهمي) و(محمد صلاح).
فحتى وقت قريب كانت أدنى درجات الانحطاط انتشار أعداد من الطفيليين حول الجنازات وسرادقات العزاء لالتقاط صور المشاهير من أهل الميت أو من المعزين بلزاجة يحسدون عليها، غير مبالين بمشاعر الحزن أو معتبرين للحظات الوداع وجلال الموت التي يفترض أن تمثل ذروة النقاء والشفافية داخل أي إنسان.
لكن مؤخرا تطور الأمر وبدأنا نشهد انتشار أشخاص ضالين فاقدين للتربية والأخلاق يقدمون أنفسهم لأنفسهم ولغيرهم في مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارهم حراس الفضيلة، وهم أبعد ما يكون عنها، لكنهم يلجأون إلى سب الآخرين خصوصا المشاهير منهم مثل (مصطفى فهمي) و(محمد صلاح)، وتلفيق التهم لهم تنفيسا عن عقد النقص التي تحركهم، أو ربما وجدوا في هذا السلوك طريقا لركوب الترند.
عقب وفاة الممثل (مصطفى فهم)ي الذي لم أقرأ له منذ أن تعلمت القراءة، ولم أسمع منذ أن بدأت أشاهد التليفزيون وأنصت للراديو تصريحا واحدا يجرح به أحد، أو ينتقد شخص ما زميلا كان أو منافس، فالراحل كان نموذجا للمثل العامي الذي يقول (راجل في حاله).
عقد قران (مصطفى فهمي)
لكن صدمني في نفس ليلة الإعلان عن وفاته تقريبا شخص ما اقتطع لحظات من فيديو يرقص فيه الراحل مع شقيقه حسين فهمي، أظن انه خلال عقد قران (مصطفى فهمي) الأخير، وكتب تعليقا ساخرا عليه فقال (الله يرحمه مكانش بيسيب فرض).
هل غاب عن ذلك الكائن أنه اذا كان الراحل قد ارتكب إثما برقصه في فرحه، فان الكائن الذي عين نفسه نائبا لله قد ارتكب أكثر من آثم؟!، ولو كان به قليل من الحياء لامتنع عن كتابة تعليقه المسيء.
هذا الشخص أعطى نفسه مكانة ليست له بأن يحاسب غيره على ما يفعلون وما لا يفعلون، ومن ثم منح نفسه حقا مزعوما في تحديد من يستحق رحمة الله ومن لا يستحقها، كما انه سمح لنفسه بالحكم على الناس من ظواهر أعمالهم دون أن يكون مطلعا على ما خفي منها.
بينما كان الآثم الثالث أن هذا الشخص ذكر غيره بسوء وهو بين يدي الله لا يملك الرد، ولم يحترم حزن أهل المتوفي ولم يحترم جلال الموت ولم يأخذ العظة منه، وهذا يوضح تقريبا إنه لم يحظ بأي درجة من التربية السلوكية في بيت والديه.
(كلوب) يعانق زوجة صلاح
ذكرتني تلك الواقعة بواقعة مشابهة كنت بطلها قبل عدة شهور، حين كتبت منشورا على صفحتي الشخصية (وركز على كلمة الشخصية)، أعلق فيه على لقطة معانقة المدرب الألماني السابق لليفربول يورجن كلوب لزوجة صلاح.
وقتها كتبت منتقدا الضجة التي يصطنعها البعض ضد هذه اللقطة، وإن هناك ثقافة مختلفة بيننا وبين الغربيين لابد من وضعها في الاعتبار سواء كنت متفقا أو مختلفا مع المشهد نفسه.
كما ترى كان ما قلته مجرد رأي يحتمل الصواب والخطأ، وأرحب دائما بالنقاش طالما كان محترما ومهذبا، لكنني فوجئت بأن كائنا ضالا – لا أعرفه وليس من متابعي صفحتي – كتب تعليقا لا يصدر سوى عن شخص منحط الأخلاق.
المفارقة أن هذا الكائن غلف تعليقه الذي يخلو من أبسط قواعد الأدب انطلق في تعليقه المنحط من حرصه على الأخلاق باعتباره حارسا من حراس الفضيلة، لم أفعل سوى تجاهل الرد عليه ثم حجبته تماما حتى لا أجد نفسي في لحظة غضب نزلت إلى الحضيض الأخلاقي الذي يرتع فيه.
لكن وكما قلت لا يبدو أن هناك قاع للحضيض الأخلاقي في مجتمعنا، فقد أرسل لي حارس الفضيلة رسالة على الماسينجر حافلة بألفاظ يتعفف ليس فقط مدعي الفضيلة ولكن حتى الكثير من السفلة من ترديدها، وهذا تحت شعار دفاعه عن الأخلاق التي جرحها منشوري.
ألهذه الدرجة غابت الأخلاق عن الكثيرين في مجتمعنا؟!، وهل يفكر هؤلاء ممن ينصبون أنفسهم حراسا للفضيلة في أفعالهم التي لا تمت بأي صلة للفضيلة ام ان معهم استثناءات تسمح لهم بفعل ما يريدون مهما بلغت درجة انحطاطه؟ّ
وهل يفكرون ولو للحظة واحدة في أن سلوكهم الذي لا يشير إلا لأسوأ أخلاق الشوارع يجعل الآخرين ينفرون ليس منهم فقط ولكن ربما من فكرة الفضيلة نفسها إذا كان هؤلاء هم ممثليها وحراسها؟!