بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
خلال الفترة التي سادت فيها سينما المقاولات التي قدمت أفلاما رديئة الصنعة والجودة في مصر في سبعينات القرن الماضي، ظهرت مقولة نالت شهرة واسعة ولا تزال تتردد بين الحين والآخر لتبرير الرداءة وافتقاد المنطقية هي جملة (المخرج عايز كده).
استحضرت هذه الجملة وأنا اتابع مسلسل (سيدة التنظيف) أو (الخادمة The cleaning lady) هو عمل من نوعية دراما الجريمة مأخوذ عن مسلسل أرجنتيني يحمل نفس العنوان ولكن باللغة الاسبانية (La chica que limpia).
يصور مسلسل (سيدة التنظيف) الذي يقع في ثلاثة أجزاء قصة (توني دي لا روزا) وهي جراحة قلب من الفليبين التي هاجرت إليها هربا من الحرب في كمبوديا، تعمل كعاملة نظافة في أمريكا ويوقعها حظها السيئ في طريق عصابات الجريمة المنظمة.
تبدأ قصتها بالتواجد في مكان تحدث فيه جريمة قتل لتكون هى الشاهدة الوحيدة عليها، وبدلا من أن تتخلص منها العصابة تقرر استخدامها لمهاراتها في تنظيف مخلفات الجريمة من دماء وآثار وخلافه.
خلال حلقات الأجزاء الثلاثة من مسلسل (سيدة التنظيف) التي بدأت في عام 2022 وانتهت في العام الحالي، تستخدم العاملة مهاراتها في الطب والتنظيف للهرب من انتقام العصابات، ومن التورط مع مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية الذي نجح عملائه في تجنيدها لتعمل جاسوسة لصالحه.
مثل كل المسلسلات والأفلام الأمريكية تتمكن العاملة التي أدت دورها الممثلة الفرنسية من أصل كمبودي (أيلودي يونج)، من النجاة من كل المصاعب وتستمر على قيد الحياة حتى الحلقة الأخيرة.
تجنيد (الغلابة) والبسطاء
مسلسل (سيدة التنظيف) يرصد قضيتين مهمتين، الأولى عالم عصابات الجريمة المنظمة الذي يتستر خلف انشطة تبدو ظاهريا قانونية، لكنها تستخدم لغسيل أموال النشاط الحقيقي لتلك العصابات من تهريب البشر للمخدرات والسلاح.
ويكشف (سيدة التنظيف) تورط عدد غير قليل من السياسيين ورجال القانون ونجوم المجتمع الأمريكي مع العصابات ما يجعل من مهمة الـ FBI في مطاردتها شبه مستحيلة، لكن بدلا من مواجهة الفاسدين يلجأ مسؤولي التحقيقات الفيدرالية لتجنيد (الغلابة) والبسطاء، خصوصا المهاجرين غير الشرعيين للعمل كجواسيس لصالحهم داخل تلك العصابات.
القضية الثانية حياة المهاجرين غير الشرعيين والأهوال التي يتحملونها من أجل الوصول إلى أمريكا، حيث يعيشون هناك حياة أقل ما توصف به أن حياة الحيوانات أكرم منها، ما يبطل زيف المصطلح الدارج بأنها أرض الأحلام، حيث يكتشف هؤلاء أنهم يعيشون هناك أسوا كوابيسهم.
فهم يتعرضون طوال الوقت للمطاردة والترحيل، وليس لهم الحق في العلاج مثلا، ويعيشون في أماكن قذرة ويعملون في وظائف متدنية بأجور لا تذكر، مثل بطلة المسلسل التي تعمل عاملة نظافة بعدما كانت رئيسة أقسام جراحة القلب في اكبر مستشفيات الفليبين.
لكنها قررت الهجرة الى امريكا لعلاج ابنها الذي يعاني من خلل في جهازه المناعي، وحتى بعد هجرتها وتحملها الهوان لم تنجح في علاج ابنها لان قوانين المستشفيات الأمريكية تمنع علاج من ليس لديهم إقامة شرعية.
مزيدا من المشاكل القانونية
وبدلا من (سيدة التنظيف) أمريكا تقوم بعلاجه في المكسيك ثم تكمل العلاج بأدوية من الفليبين غير مرخصة في أمريكا ما يعرضها للمزيد من المشاكل القانونية، وخلال نهايته بعد موت الممثل ذلك تقع في غرام أرمان أحد رجال العصابات الذي يساعدها في توفير العلاج لابنها.
شهد المسلسل تغييرا في نهايته بعد موت الممثل أدان كانتو الذي قام بدور أرمان، حيث كان يفترض أن تنتهي الأحداث بزواجه من عاملة التنظيف لكن وفاته غيرت السيناريو فيموت أيضا في المسلسل وتتحول العاملة للانتقام لموته.
كما قلت رصد مسلسل (سيدة التنظيف) قضيتين غاية في الاهمية وعرضهما بطريقة انصفت المهاجرين البؤساء ضد القوانين الامريكية العمياء والمؤسسات التي تطبقها دون مراعاة لحقوق البشر التي يتغنى بها السياسيون في الغرب ليلا ونهارا.
لكن فنيا لم يستطع السيناريو الذي شارك في كتابته عدد كبير من الكتاب التخلص من آفة الدراما الأمريكية وهي البطل الخارق، وهنا البطلة التي لا تملك مواصفات جسمانية تؤهلها للتغلب على أعدائها تتفوق عليهم بذكائها الخارق.
ولم يقدم العمل سببا واحدا يجعل رؤساء أكثر العصابات إجراما وقتلا بدم بارد لكل من يعترض طريقهم، يستحضرون (خالهم الطيب) مع عاملة التنظيف، مثلما لم يقدم سببا لضعف قادة العصابات أمامها.
والأدهى من ذلك أن المجرمين يتسابقون لقتل من يقفون معها وحولها لكنهم يستثنونها هي من القتل دون سبب مقنع سوى أن (المخرج عايز كده)، وعلى المعترضين اللجوء لمشاهدة أعمال أخرى.