* في البداية لم أرض لنفسي أن ألهث بألحاني وراء أم كلثوم، لكن بعد اعتزالي الغناء كانت دائما تراودني فكرة أن أقدم لها لحنا
* كنت متخوفا من عدم اقتناع أم كلثوم هى وجمهورها بأسلوبي المتطور، وصادف أن سمع عازف الكمان الشهير أحمد الحفناوي أغنية (أنت عمري) واقترح أن تغنيها أم كلثوم
* من مميزات كوكب الشرق العديدة حبها للمعاصرة، لذلك استمرت طوال هذه الفترة تسيطر على جمهورها، فبداخلها رغبة في التطوير والمعاصرة
* كانت أم كلثوم تستطيع أن تبدع الغناء من كل مناطق ومساحات صوتها بنفس الجودة، وكان لها السيطرة التامة، وسلطة واحدة على طبقات صوتها
* سر خلود أم كلثوم صوتها النادر، وذكاءها الشديد، وثقافتها فكانت تقرأ كثيرا جدا في شتى المواضيع، وكانت تعشق الشعر والأدب
بقلم الإعلامية الكبيرة: أمينة صبري
على مدى الأسابيع الخمسة الماضية، تابعنا حوار الإعلامية الكبيرة أمينة صبري، رئيس إذاعة (صوت العرب) السابق، مع الموسيقار الخالد (محمد عبد الوهاب)، حيث تحدثت في الحلقة الأولى عن كواليس هذا الحوار، وكيف تم بفضل الكاتب الكبير محمود عوض.
كما تحدث الموسيقار (محمد عبدالوهاب) عن نشأته في حي (الشعراني) هذا الحي الذي كان له أثر كبير في حياته، وتكوينه الموسيقي الفني، وتذكر أنه كان يظل ساعات طويلة، وهو طفل صغير يستمع إلى قراءة القرآن الكريم من المقرئين العظام.
كما تحدث عن (أحمد شوقي بك) الذي خاف على موهبة الطفل الصغير (محمد عبد الوهاب) من الضياع وسط السهر والتعب، فذهب إلى الحكمدار الإنجليزي وأبلغ عن الذين يشغلونه.
وفي الحلقة الثانية تحدث محمد عبدالوهاب عن (أحمد شوقي)، وأكد أنه كان يشجعه دائما على الدراسة، وأن يتشبه بالفنانيين الذين ارتفعوا بالفن وبمستواه، مثل المحامي والفنان (عبدالرحمن رشدي) والفنان (يوسف وهبي).
وأكد أن (أحمد شوقي) علمه من يجالس، وأن يحافظ على مستوى معين في الصداقة، لأنه إذا صادق الكبار كبر معهم، وارتفعوا به، وإذا صادق الصغار نزلوا به، وانخفض مستواه الفكري.
وفي الحلقة الثالثة صرح أنه أراد إرضاء (أحمد شوقي) أثناء تلحينه لأغنية (في الليل لما خلي) فثار عليه!، كما صرح أنه أدخل الآلات الغربية لأول مرة في الموسيقى من خلال لحن (في الليل لما خلي).
واعترف (محمد عبد الوهاب) أنه يحاول أن يتمرد دائما ويقدم أشكالا موسيقية مختلفة دائما، وأيضا دائما يشعر بأنه غير راضي عما يقدمه، ويريد أن يقدم الأفضل والأفضل.
وأنهى (محمد عبد الوهاب) حلقته الثالثة بأن الوجود هو الحب، أنه وأنت والشعوب كلها ثمرة حب، والحب عند المرأة أخلص، وعندما تحب لا تسمح بأن يخدش هذا الحب.
وفي الحلقة الرابعة أكد (محمد عبد الوهاب) أنه لا يوجد شعر حديث، وشعر قديم، ولكن يوجد شعر جميل، وشعر سيئ أو لا شعر!
وصرح أن جريدة (الأهرام) كانت وراء تلحينه لقصيدة (الجندول) للشاعر علي محمود طه، وأنه لم يسعد كثيرا بالتمثيل، رغم النجاح الكبير الذي لاقيه في السينما منذ الفيلم الأول (الوردة البيضاء).
وفي الحلقة الخامسة تحدث الموسيقار (محمد عبدالوهاب) بشكل مستفيض عن ظروف تعرفه بكوكب الشرق أم كلثوم وتأثيرها على الساحة الغنائية، حيث قال أنه: إستمع إلى أم كلثوم لأول مرة في حديقة (الأزبكية) وكانت تغني وقتها أغاني التراث القديمة والتواشيح، وانبهر بها جدا.
وصرح أن المطربات كانت قبل أم كلثوم يقدمن الغناء بطريقة أبسط ما يقال عنها إنها غير لائقة، كما نقول بطريقة (العوالم) ، لكن أم كلثوم وقفت في بداية حياتها على المسرح بشكل محترم غير مبتذل، وقدمت لجمهورها فنا راقيا.
وفي الحوار فجر (محمد عبد الوهاب) مفاجأة حيث قال : في منزل (أحمد خيرت) والد الموسيقار الكبير أبوبكر خيرت، غنيت مع أم كلثوم دويتو الشيخ سيد درويش (على قد الليل ما يطول) وكان هذا أول وأخر دويتو غنائي يجمع بيننا.
والآن تعالوا بنا لنستمتع بقراءة الحلقة السادسة والأخيرة من الحوار، ونعود بالزمن إلى الوراء بطريقة (الفلاش باك) السينمائي، ونستعيد حوار الإعلامية القديرة (أمينة صبري)، مع الموسيقار الكبير (محمد عبد الوهاب)، ونستكمل ما توقفنا عنده.
* سألت موسيقارنا الكبير وهو يجلس أمامي على مقعده المفضل في صالون منزله عن العلاقة الودية التى جمعته بأم كلثوم، وعن حرمان الجمهور العربي العريض من التعاون بينهما لسنوات طويلة.
ثم حدثت المفاجأة الكبرى عام 1964 بلقاء السحاب كما وصفه النقاد، فكيف حدث ذلك، ومن كان البادئ، وصاحب فكرة هذا اللقاء الذي طال إنتظاره؟
** رجع برأسه إلى الوراء وسرح قليلا مع الذكريات، ولم أجرؤ أنا على إزعاجه فصمت.. وأخيرا نظر إلى قائلا: من كان البادئ بهذا اللقاء؟ قد أكون أنا، وقد يكون الجو المحيط، أو الظروف، لست أدري!
عموما سأحكي لك الحكاية، في الحقيقة أنا اعتزلت الغناء في الحفلات منذ مدة طويلة، وكانت هى صاحبة الحفلات الشهرية الشهيرة التى تجمع حولها عشاقها من المحيط إلى الخليج العربي.
وكان كل الملحنين يتمنوا أن تغني لهم كوكب الشرق، وأهم شيئ في أغنياتها هو صوتها، المهم أنا في البداية لم أرض لنفسي أن ألهث بألحاني وراءها، فأنا لي طريقتي ولوني، ومكتفي بذلك، ولا أحتاج لصوتها ولا أسعى وراء أن تغني لي!.
ولكن بعد أن هجرت الغناء في الحفلات كانت دائما تراودني فكرة أن أقدم لها لحنا، ولكني كنت متخوفا من عدم اقتناعها هى بأسلوبي المتطور، ولا يقتنع جمهورها أيضا بهذا الأسلوب الجديد عليها.
المهم ظلت الفكرة تلح علي كل فترة، ثم حدث أن كنت ألحن قطعة للشاعر (أحمد شفيق كامل) وهى أغنية (أنت عمري)، وكنت ألحنها لنفسي.
وزارني في ذلك الوقت عازف الكمان الشهير (أحمد الحفناوي)، وسألني لماذا لا تقدمها لأم كلثوم؟ قلت ليس لدي مانع أذهب وأسألها، فوجد هناك نفس الترحيب، وبسرعة أجريت التعديلات المناسبة، وكانت الأغنية.
* ليس بهذه السهولة فأنتما عملاقان في المجال الغنائي فكيف تم الأتفاق بينكما رغم اختلاف لونكما الغنائي؟
** من مميزات كوكب الشرق العديدة حبها للمعاصرة، لذلك استمرت طوال هذه الفترة تسيطر على جمهورها، فبداخلها رغبة في التطوير والمعاصرة.
وعندما عرضت عليها فكرة تلحين أغنية (أنت عمري) ذكرت لها أننا يجب أن نقدم الجديد للجمهور لجمهورنا سويا، وطلبت منها أن تستجيب لتصوراتي في الجديد الذي سأقدمه، والحقيقة هي وافقت، ولكن بشرط !.
وكان شرطا يدل على إحساسها الفني العالي، قالت : (أنا موافقة على كل جديد تقدمه، على شرط أن يدخل أحساسي وأقتنع به فنيا، وإذا لم أقتنع به نغيره)، وبالفعل عملنا جلسات عمل عديدة، لكي يظهر هذا العمل الأول لنا.
* هل تتذكر بعض المواقف الفنية التى أخذت منكما مناقشات عديدة؟
** أشياء كثيرة أذكر منها أنني كنت أرغب في إدخال آلة الجيتار في الأغنية، ورفضت في البداية، ولكن بعد أن استمعت إليها، وافقت بل وأعجبت بها.
شيئ آخر أخذ منا مناقشة وهو المقدمة الموسيقية الطويلة قبل الأغنية، كانت وجهة نظري أن جمهورها يعشقها، وهى تغني، وأنا جمهوري يعشق موسيقاي، ولهذا يجب أن نرضي جمهورنا، وأن نمزج العنصرين معا.
وبالفعل وافقت في الحال، وكانت المقدمة الموسيقية أطول مقدمة موسيقية لأغنية تغنت بها كوكب الشرق لدرجة أنها أصبحت الآن تعزف كقطعة موسيقية بحد ذاتها.
* ثم استمر بينكما اللقاء والتعاون وسعدنا نحن وحلقنا معكما مع سحر النغمات وإعجاز الصوت؟
** قدمنا سويا تسع أغنيات، وكان التعاون الفني بيننا رائعا، كنت دائما أحاول أن أقدم لها ما يرضي إحساسها، وكانت هى تحقق لي طموحاتي.
* إذن نود أن نعرف منك رأيك الفني العلمي لصوت أم كلثوم الذي قيل عنه الكثير، وأجريت أبحاث علمية عنه، فما هو تقييمك الفني لصوتها؟
** أم كلثوم أقدر صوت وأعظم صوت في العالم العربي منذ أن سمعنا الغناء وإلى الأبد، فكل صوت له مساحة معينة تسمى في اللغة الموسيقية أرضية، توجد في هذه الأرضية منطقة متوسطة، ومنطقة عالية.
وكل مطرب أو مطربة في الدنيا له منطقة أو منطقتين في هذه المساحة يستطيع أن يغني من خلالها، أي عندما يغني من هذه المنطقة بالذات يغني بشكل جيد وجميل ويكون متمكنا فيها.
ولكن إذا غني من منطقة أخرى لا يستطيع أو يقدم غناء نشازا ينشز يعني، أم كلثوم خلافا لكل ذلك كانت تستطيع أن تبدع الغناء من كل مناطق ومساحات صوتها بنفس الجودة.
وكان لها السيطرة التامة، وسلطة واحدة على طبقات صوتها، وكان لا يمكن تفشل لها قفلة غنائية أبدا مستحيل، هذا بالإضافة إلى شخصيتها الساحرة، فالشخصية جزء لا يتجزأ أبدا من غنائها.
فأم كلثوم لا تغني فقط بصوتها، ولكن بكل جزء من أجزاء جسمها، فهى تقول المعنى الذي تريد أن توصله بغنائها، وبحركات جسمها، برأسها وبيدها، وأيضا لا تنسى الأحترام والهيبة التى كانت توحي بها، وبعدها عن الظهور بمظهر غير لائق في الحياة.
وترفعها وثقافتها التى اكتسبتها، كل ذلك جعل من أم كلثوم شيئ يكاد يكون ساميا متوفعا شامخا قويا.
* ولكن كيف كانت أم كلثوم تجمع بين القوة والشموخ وفي نفس الوقت رقة الإحساس؟
** هذا أيضا واحد من أهم مميزات صوت أم كلثوم، الله سبحانه وتعالى أعطى صوتها مميزات لم نرها في غيرها، فمثلا ما تقولينه وهو الجمع بين القوة والرقة لا يوجد عند غيرها.
فنحن دائما نجد الصوت القوي قليل الإحساس، والصوت الضعيف قوي الإحساس، نادرا ما تجدي هذا الجمع الفريد، هى كانت تجمع في صوتها بين القوة ورقة الإحساس.
وكان صوتها ذى جرس قوي وله إحساس يشعرك بالشجن الذي يمس القلب، هذا بجانب طريقة أدائها للكلمات، فكانت تؤدي كل حرف من حروف العربية بوضوح وفصاحة، وذلك يرجع إلى حفظها للقرآن الكريم في بداية حياتها.
وأيضا لا يجب أن نغفل ذكاءها الشديد، وثقافتها فكانت تقرأ كثيرا جدا في شتى المواضيع، وكانت تعشق الشعر والأدب.