بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
حقا إن فيلم (الإرهاب والكباب)، يساعد على إعمال العقل والتفكير ويستحق دائماً الكتابة عنه.
نعم فالكتابة لمبدع مُسيس واعي ذكي من بطن الأرض المصرية، يكتب ولديه الكثير ويعرف الكبار عقلاً حجمه وقدراته، إنه (وحيد حامد) الذي اقتربت منه منذ الثمانييات وأعرف قدره، فقد كان يسكن في بداياته مع الكاتب الصديق (كرم النجار) في شقه صغيره في روكسي.
(وحيد حامد) يكتب ليقول ويسجل ما يؤمن به ولديه وجهة نظر دائماً، وهكذا يجب أن يكون الكاتب.
قصة فيلم (الإرهاب والكباب) يعرفها الكثيرون، فحين يذهب الأب (أحمد) المواطن (عادل إمام) إلى الإدارة التعليمية بمجمع التحرير لكي يتم نقل طفليه لمدرسة قريبه من المنزل ويفشل في الالتقاء بالمسؤل.
ونستعرض مع الفيلم حال الأداء لبعض الموظفين بعبقرية كاتب فنرى البيروقراطية وتجلياتها فيحدث خلاف ويفقد الأب (أحمد) أعصابه ويتدخل الأمن ليجد نفسه يحمل السلاح وسط المواطنين في فترة كان الإرهاب على سطح المشهد.
قدم فيلم (الإرهاب والكباب) في بدايته مشهد عبقري في الأتوبيس، حيث ظهر مواطن عجوز وسط الأتوبيس، مكتئب ناقم على الأحداث ومايحدث ويتحدث (عبد العظيم عبد الحق) لبطل الفيلم (أحمد) حين يراه يقرأ الجريدة فيرد أنه منذ صغره يقرأ مجرد كلام.. إنها عادة!.. ثم لا جديد.
يسرا.. أداء عبقري متقمص
ويقول صارخاً وهو يترجل من الأتوبيس في جموع الطبقة المعلبة كالسردين داخل الاتوبيس: التفاهه زمن التفاهة الخميس انبسطوا والجمعة تدعوا ورا الإمام، دا اللي فالحين فيه، وتظهر مهنية الكاتب حين يستعرض حال الموظفين في المجمع.
وشغل الخضار والطبيخ للموظفه (أنعام سالوسة).. ثم حوار مع الموظف المتدين شكلاً.. ثم قطع لينتقل للشاب البائس الذي ذهب المجمع لينتحر من أعلاه، ويكتب خطاب، إنه سمير بسيوني (علاء ولي الدين) يحاول أن ينتحر فزوجته جعلت حياته جحيماً له ولوالدته.
تقديم النجمه يسرا (هند) فتاة الليل وأداء عبقري متقمص في فيلم (الإرهاب والكباب)،
ثم عامل الورنيش (شلبي) باع الأرض ويمسح الأحذية المبدع، إنه (أحمد راتب)، ثم يقدم لنا شخصية (هلال) المجند لخدمات المنزل للباشا.. إبداع متمكن لـ (أشرف عبد الباقي) للتعبير عن الشخص الساذج.
ويؤكّده حديث الباشا الظابط وحواره مع الجندي (هلال)، يقدم الكاتب (وحيد حامد) بعبقرية علاقة تأثير اليأس على الأفراد في شخوص عامل الورنيش الهارب وفتاة الليل والشاب الذي يحاول الانتحار.
برع المخرج المبدع (شريف عرفه) في تحريك المجاميع داخل المجمع حين انتشر الفزع، فقد عرف البعض أن بالمجمع إرهابيين، وهنا براعة تصوير ولقطات عبر بها المخرج عن الهرج واستخدام التصوير من أعلى لتظهر السلالم وحالة الهروب كأنها دوامه مائية سيطرت علي العقل الجمعي.
يظهر وزير الداخلية (كمال الشناوي) يندهش من الأحداث المقلقه!.. يحاول معرفة طلبات الإرهابيين بعد انضمام عامل الورنيش للمواطن (أحمد).
تتصاعد الدراما وتظهر عربات المطافي في محاولة إطفاء ثم زخم للجنود في تشكيلات الاستعداد، تظهر أنابيب الغاز القابلة للاشتعال.
ثم مشهد حبس جماهير المجمع خلفهم الاسم الكبير (مديريه التربيه والتعليم)، ويحدث انضمام المجند (هلال) إلى عادل ويسرا.. (هند) هربانه من الدور الـ 13 آداب وتقدم نفسها متطوعة، وتعتبر أحمد (عادل امام) زعيم!!!، كذلك انضمام اليائس سمير بسيوني (علاء ولي الدين).
والجميع يجتمعون مع (أحمد) على طلب (الكباب والكفتة).. طموح المواطن العادي والكادح ويتحقق الطلب بعد العرض على الوزير مع مزج الموقف.. أكل المواطن والأذان في مزج عبقري من المبدع شريف عرفة.
تقديم (الكنتاكي) ولكن (الكباب) مطلب الشعب.. تأتي جمله (الكباب.. الكباب.. لنخلي عيشتكم هباب)، وتقدم الجمله مع لحن يتحرك عليها الجمع في تشكيلات ثم محاولة الهجوم للقوات في إبداع للمخرج والتصدي لها بخراطيم مياه المطافي ودون نقطة دم.
براعة (وحيد حامد) في الفيلم
تجلت براعة (وحيد حامد) في فيلم (الإرهاب والكباب) في حديث المواطن أحمد (عادل إمام) حين تحدث قائلاً: (طول عمري بسمع كلام الحكومة.. بركب أتوبيس.. فرحان بتنظم الأسرة.. والفصل فيه 84 تلميذ..
العيش بقف في الصف وبتعذب.. وماشي جمب الحيط راضي وقانع.. طالب إنسانيتي دون إهانة.. ودي مطالب لا يمكن أتعاقب عليها.. أما وقد وصلنا لقطع الرقبة.. اتفطلو اطلبوا، ويستعرض المخرج المبدع في توتالة ميدان التحرير لتأكيد أنها مطالب الشعب.
يبدأ استقبال مطالب الجماهير: دواء لمريضة وصمت من الجمع وعلامة استفهام يطرحها (وحيد حامد).. فالصعيدي ماسح الأحذيه يطلب الموت، فهو يبحث عن حقه منذ 16 سنة.. العدالة وعدم القهر واليأس، و(هلال) يطلب العودة لأرضه للزراعة فهوجاء لخدمة الوطن ليس في خدمة الباشا.
موسيقي (مودي الإمام) من نسيج الأحداث وأكدت حالة التوتر، يعيبها فقط أنها إليكترونية بلا أوركسترا، ولمن يريد أن يتأكد من الفرق بينهما يستمع لنفس الموسيقي مع (صاحبة السعادة) حين تُكتب الموسيقى وتستخدم التوزيع الأوركسترالي للعظماء امثال (نادرعباسي) فتظهر الموسيقي بالشكل العالمي والحقيقي، ولكنها مشكلةإنتاجية.
في نهاية فيلم (الإرهاب والكباب)، يقرر المواطن الباحث في المجمع عن نقل أطفاله بجوار منزله أن يطلق المختطفين ويقررون الخروج في حماية بعضهم البعض مع مطلع الفجر وكأنهم جميعاً رهائن.
وهنا علامة اخرى لبداية جديدة ويخرج الجميع فكلهم هذا الرجل، وتدخل الشرطة ولا تجد إلا استمرار المجند وماسح الأحذيه ولا إرهابيين فالحياة تستمر.
تلك هى الأفلام الباقية والتي أتمنى المزيد منها، فهي تقدم قيمة مضافة فمصر تنطلق تستحق ونحتاج للمزيد من إعمال العقل.