في ذكرى رحيل (محمد فوزي) ننشر تفاصيل لحنه لأم كلثوم الذي لم يظهر للنور
إعداد: أحمد السماحي
نحيي اليوم الذكرى الـ 58 لرحيل الفنان المبدع المتطور، سابق عصره (محمد فوزي)، الذي أبدع في كل مجالات الفن، سواء في السينما التى قدم لها 35 فيلما بدأها عام 1944 بفيلم (سيف الجلاد)، وكان أخرها عام 1959 فيلم (ليلى بنت الشاطئ).
كما كان (محمد فوزي) رائدا لأغاني للأطفال، فقدم (ماما زمانها جاية) و(ذهب الليل) و(كان وإن)، فضلا عن أوبريت (صحيح لما ينجح) تأليف صلاح جاهين لمسرح العرائس، و(الأرنب والسلحفاة) للتليفزيون، وأوبريت (شجرة الجنة) للإذاعة.
كما قدم أكثر من أوبريت غنائي للإذاعة المصرية مثل (الصديق) بمشاركة (نجاح سلام، سعاد محمد، محمد قنديل)، إخراج حسني الحديدي، والبرنامج الغنائي (قيس ولبنى) تأليف عزيز أباظة، وأوبريت (نور الصباح).
وفي مجال الأغنية قدم (محمد فوزي) لنفسه عشرات من الأغنيات الناجحة التى مازل الكثير منها يتردد حتى اليوم، كما لحن لكثير من زملائه المطربيين مثل (ليلى مراد، نور الهدى، صباح، نجاة، شادية، هدى سلطان، وردة، نجاح سلام، شريفة فاضل.
ونازك، نجاة علي، محمد قنديل، محمد عبدالمطلب، ماهر العطار، أحمد سامي، عبداللطيف التلباني، أحلام، ثلاثي المرح، إلهام بديع، بوب عزام).
محمد فوزي وأم كلثوم
في شهر مارس عام 1967 وبعد وفاة (محمد فوزي) نشر الكاتب (حسين عثمان) تحقيق في مجلة (الكواكب) عن أغنية كان من المقرر أن تجمع بين محمد فوزي، وأم كلثوم والشاعر عبدالفتاح مصطفى بعنوان (صعبان عليا)، فإليكم ما جاء في هذا التقرير:
رغم أن (محمد فوزي) قد لعب دورا كبيرا في الأغنية العربية إلا أنه مات، وفي نفسه أمنية لم تتحقق كان يتمنى أن تغني (أم كلثوم) من ألحانه، ووافقت (أم كلثوم) وبدأ (محمد فوزي) اللحن، ولكن القدر تدخل فتعطل العمل الفني.
وانتهت حياة الفنان، ومازالت الأغنية حائرة تنتظر كلمة أم كلثوم، لتخرج للنور، خاصة أن الملحن محمد الموجي أبدى استعداده لتكملة اللحن الناقص، ولهذا اللحن قصة تعود إلى عام 1960، فتعالوا بنا نسمعها كما عاصرتها أنا وكنت شاهد عيان فيها:
تفاصيل اللقاء بين أم كلثوم وفوزي
في حوالي عام 1960 كان المرحوم (محمد فوزي) يدير شركة أسطوانات (مصرفون) واتفق مع السيدة (أم كلثوم) على أن تسجل لشركته بعض أغانيها على أسطوانات، وكانت أول أغنية سجلتها هي (حب إيه) التى لحنها بليغ حمدي.
واتفقت أم كلثوم مع (محمد فوزي) على ألا يبدأ يبيع هذه الأسطوانة إلا بعد أن تغنيها في حفلة، وعلم (محمد فوزي) أنها ستغنيها في دار سينما أوبرا، فصنع كشكا خصيصا لبيع الأسطوانة للجمهور الذي يخرج من الحفلة.
وأقيمت الحفلة ونجحت الأغنية نجاحا كبيرا، وأقبل رواد الحفل على شراء الأسطوانة من الكشك الذي أقامه (محمد فوزي) عند مدخل سينما (أوبرا)، وفي فترة الاستراحة ذهب (محمد فوزي) إلى الكواليس يهنئ أم كلثوم على نجاح الأغنية.
وأثناء الحديث دار بينه وبين الست أم كلثوم هذا الحوار:
محمد فوزي: عندي أمنية يا ست تقدري بعد ربنا انك تحققيها لي!
أم كلثوم: خير إن شاء الله؟!
محمد فوزي: نفسي ألحن لك غنوة وأموت بعد كده!
أم كلثوم: تموت ليه؟
محمد فوزي: عشان أكون عملت أعظم عمل في حياتي كملحن.
أم كلثوم: يا سلام يا فوزي ده أنا معجبة بألحانك جدا، شوف كلام كويس، وعلى الله نلحق الموسم ده!.
وتهلل وجه (محمد فوزي) وهو يمسك بيد أم كلثوم، فقالت له: بس إسمع متجبش سيرة إلا لما كل حاجة تجهز.
ووافق (محمد فوزي)، وكان كاتب هذا السطور (حسين عثمان) أحد الذين سمعوا هذا الكلام، فألح عليّ (محمد فوزي) ألا أنشر هذا الخبر أو أذكره لأحد حتى يتم المشروع على خير.
فالمعروف أن (أم كلثوم) تغضب إذا تسربت أخبار أغانيها أو نصوصها إلى الصحف قبل أن تصبح عملا فنيا، ووعدني (محمد فوزي) بأن أكون أول من ينشر كل ما يتصل بهذه الأغنية من أخبار.
(محمد فوزي) وعبدالفتاح مصطفى
بعد ثلاثة أشهر اتصل بي المرحوم (محمد فوزي) وسألني: ما رأيك في الشاعر عبدالفتاح مصطفى؟ فقلت له: في رأيي أنه أرق شاعر كتب الأغنية العربية بأسلوب جديد، قال لي وهو يدفع لي بورقة: طيب أقرأ الكلام ده.
وأسمعني مطلع أغنية (صعبان عليا)، ومضت عدة أشهر، وانتهى الموسم الغنائي لأم كلثوم، وسألت (محمد فوزي) عن مصير الأغنية؟ فقا ل لي: أنه اتفق مع (أم كلثوم) على تأجيلها للموسم الغنائي الجديد.
وأنه سيقضي أشهر الصيف متفرغا لتلحينها، ولكن اضطر (محمد فوزي) للسفر إلى أوروبا، وقضى في فرنسا حوالي شهرين كامليين، بسبب بعض أعماله في شركة الأسطوانات
وعاد في أكتوبر ليجد (أم كلثوم) قد رتبت موسمها الغنائي على أن تغني من ألحان الشيخ زكريا أحمد، ثم بليغ حمدي، وأنها لن تقدم أكثر من أغنيتين جديدتين في موسم واحد، ولكن (محمد فوزي) لم ييأس بل واصل العمل في أغنيته الجديدة.
طلبات أم كلثوم
ذات يوم ذهب (محمد فوزي) لمقابلة (أم كلثوم) ليعرض عليها المشروع الأول للحن، واستمعت أم كلثوم للمقطع الأول وطلبت منه إجراء بعض تعديلات فيه، كما طلبت منه اختصار المقدمة الموسيقية التى تسبق اللحن.
وقرأت كلام الأغنية، فأبدت إعجابها به، ولكنها طلبت تعديل بعض كلمات المقطع الثالث والرابع من الأغنية، وكان محمد فوزي سعيدا بطلبات أم كلثوم، فقد فسر هذه الطلبات بأنها موافقة على أن تغني لحنا له.
واتصل (محمد فوزي) بالشاعر عبدالفتاح مصطفى وطلب منه إجراء هذه التعديلات بالصورة التى طلبتها (أم كلثوم)، وتأخر التعديل المطلوب حوالي شهرين، فقد كان عبدالفتاح مصطفى مشغولا بعملين كبيرين في الإذاعة والمسرح.
وكان (محمد فوزي) مشغولا أيضا ببناء ستوديو التسجيلات لشركة أسطواناته، ولكن مشاغله هذه لم تصرفه عن حماسه لتلحين أغنية (أم كلثوم)، وقد عثر بين أوراقه الخاصة على أغنية لشاعر آخر لأم كلثوم أيضا.
وكان (محمد فوزي) يضع هذين المشروعين لتختار أم كلثوم واحدا منهما، وكان يقضي أغلب وقته في بيته يلحن الأغنية الثانية، وكانت زوجته الفنانة (كريمة) تجلس إلى جواره، تستمع له ويقرأ في وجهها علامات الإعجاب أو عدم الإعجاب بكل جمل موسيقية يغنيها من مشروع اللحن.
كريمة تغني صعبان عليا
ثم كان يعود إلى اللحن القديم لأغنية (صعبان عليا) ويغنيها أمام (كريمة)، وقد طلب من (كريمة) بحكم أن صوتها جميل، أن تغني مقاطع من اللحنيين، وسجل بصوتها هذه المقاطع.
وحدثت بعد ذلك ظروف خاصة في حياته صرفته إلى الاهتمام بها، وفي زحمة مشاغله أجل عرض ألحانه على (أم كلثوم)، ثم أصيب بعد ذلك بأعراض المرض الخطير، وبدأ يتفرغ للعلاج، ويسافر إلى أوروبا.
ويعود ثم يسافر مرة ثانية، وينتقل من بلد إلى بلد في أوروبا، ولكن حدث عند عودته الأخيرة من أوروبا أن أتصل في اليوم التالي لوصوله بالشاعر (عبدالفتاح مصطفى)، وسأله عن التعديل الذي طلبه منه لأغنية (صعبان عليا)!.
اعتذر عبدالفتاح مصطفى بأنه أعتقد أن المشروع تأجل إلى أجل غير مسمى، فلم يهتم بإجراء التعديل، وطلب منه النص القديم الذي أرسله إليه.
(محمد فوزي) والرحيل
قال عبدالفتاح مصطفى: (إنه كان يعرف الظروف الصحية الصعبة التى كان يمر بها فوزي فلم تطاوعه نفسه على أن يزوره ليعطيه الأغنية، فذهب إلى العمارة التى يسكن فيها، وترك نص الأغنية مع البواب ليوصلها إلى محمد فوزي).
وقال (محمود لطفي) المحامي وصديق (محمد فوزي): (أن محمد فوزي كان في أيامه الأخيرة مشغولا بتلحين أغنية (صعبان عليا) لأم كلثوم، وأنه سجل جزء منها بصوت زوجته (كريمة) وأن شريط التسجيل تحتفظ به عندها).
وعجز (محمد فوزي) عن مقاومة المرض الخبيث، ومات قبل أن يحقق أمنيته وتسمع أم كلثوم تغني لحنا من ألحانه، وقبل وفاته كانت (أم كلثوم) تتصل به دائما لتطمئن على صحته.
وكانت كثيرا ما تقول له لترفع من روحه المعنوية: (يلا يا فوزي بقى عشان تكمل لحن صعبان عليا، عشان عيزه أغنية بعد ما ربنا يشفيك، وتبقى كويس)، وكان (محمد فوزي) يضحك وهو يسمع هذه الكلمات ويرد: إن شاء الله السنة دي!
بعد رحيل (محمد فوزي) تقدم الملحن محمد الموجي، وعرض على (كريمة) تكملة اللحن بنفس طريقة (محمد فوزي)، لكن اللحن لم يخرج في النهاية.
كلمات أغنية (صعبان عليا)
كانت تقول الكلمات:
دلوقتي أول ما افتكرت وجيت؟
لعذابي ولا للهوى حنيت؟
خليتني أكدب عينيا لما باشوفك
وآجي ابتسم لك ألاقي روحي بكيت
صعبان علي من زماني ومنك
صعبان علي أد ما حبيت
نسيت ميعادي وخليتني بين نارين
يتلفت القلب يسأل فين حبيبي فين؟
وإن قلت له ينسى هواك يصعب
وإن قلت له يرضى الهوان أصعب
وأنا في هواك حتى النسيم يجرحني
وأقل كلمة ود بتفرحني
وإن كنت أعتب على الليالي شوية
أعتب عليك أكتر بدمع عينيا
هو الزمان يقدر يجور على قلبي
لو كان حبيب القلب راضي عليا
صعبان عليا من زماني ومنك
صعبان عليا أد ما حبيت.