بقلم الكاتب الصحفي: رسمي فتح الله
في عالم مليء بالعمالقة، بزغ نجم (إبراهيم سعفان) بحجمه الصغير وضحكاته الكبيرة، رغم قامته القصيرة، كان حضوره طاغياً، وروحه تتدفق بالبهجة رغم تحديات الحياة،
وهو الفنان الذي حفر اسمه في قلوب الملايين بضحكته الصافية وعفويته التي لا تعرف التصنع.
لم يكن بحاجة لتصدر المشهد أو إطالة الحوار ليصنع كوميديا خالدة؛ كانت دقائق قليلة كافية ليترك أثراً أكبر من أدوار البطولة.
وُلد إبراهيم سعفان في 13 سبتمبر 1924 بمدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية، ورحل عن عالمنا في 4 سبتمبر 1982، تاركاً وراءه إرثاً من الضحك والفن الذي لا يزال يتردد صداه بين أجيال لم تره على المسرح أو الشاشة، لكنها تتذوق فنه كلما شاهدت أعماله.
بدأت رحلته بعيداً عن الأضواء، حيث نشأ في أسرة تقليدية، ولم يكن طريقه إلى عالم الكوميديا ممهداً.
بدأ حياته طالباً في كلية الشريعة، حيث تعمق في الفقه والقانون، كان يمكن أن يصبح قاضياً أو فقيهاً بارزاً، لكن للقدر رأي آخر.
ربما احتفظ (إبراهيم سعفان) بداخله بتلك الجدية التي ظهرت لاحقاً في مواقفه الكوميدية، فكان قادراً على المزج بين الجدية وخفة الظل ببراعة نادرة.
من الشريعة إلى المسرح
بعد تخرجه من كلية الشريعة، انجذب سعفان إلى المسرح، حيث اكتشف سحره الخاص.. كانت خشبة المسرح ملعبه الأول، المكان الذي أطلق فيه ضحكاته الأولى، ليس فقط لإضحاك الجمهور، بل لنشر الفرح في كل زاوية من المكان.
في مسرحيات مثل (الدبور، والدنيا مزيكا)، تألق بأسلوبه الخاص الذي جمع بين الكوميديا الشعبية الراقية والفكاهة العفوية التي تأتي من قلب الموقف.
على المسرح، كان (إبراهيم سعفان) ساحراً؛ يتمتع بقدرة فريدة على الارتجال والتفاعل الفوري مع كل كلمة ونظرة.. المسرح بالنسبة له لم يكن مجرد عمل، بل متنفساً حقيقياً لنقل الروح المرحة التي عاشها بداخله.
السينما: الحضور رغم الغياب
عندما انتقل إلى السينما، وجد (إبراهيم سعفان) نفسه أمام عمالقة الكوميديا، لكنه لم يتراجع، كان فيلم (30 يوم في السجن) من أبرز محطاته، وكذلك (أرض النفاق)، حيث أضاف لمسة مميزة من الكوميديا التي تبقى في الذاكرة.
ورغم أنه لم يكن النجم الأول في معظم أفلامه، إلا أن مشاهد (إبراهيم سعفان) كانت كافية لخطف الأضواء، ففي فيلم (تجيبها كده هى كده)، صنع واحدة من أكثر المواجهات الكوميدية شهرة في تاريخ السينما المصرية.
مواجهة الرجل القصير أمام خصم طويل القامة لم تكن مجرد مشاجرة عادية، بل لوحة فنية من الضحك الصافي، عندما صاح: (يا طويل يا طويل)!
وفي مشهد آخر، بعد خصم مديره تسعة أيام من راتبه بسبب زملائه الذين قالوا لسكرتيرة المدير (صباح الفل)، جمع الموظفين وقال: (أنا آمين عبد العال الملطي، ابن عبد العال الملطي، عمدة كفر ملط، أكبر مورد كرنب، 30 سنة إدارة يتخصم لي تسعة أيام!.. ممنوع صباح الخير، ممنوع صباح الفل، أي صباح محظور).
هذه اللحظات تحولت إلى مهرجان كوميدي لا يُنسى.
الضحك خلف الكواليس
لم يكن (إبراهيم سعفان) نجمًا فقط أمام الكاميرا، بل خلفها أيضًا، كان يملأ الأجواء بالبهجة، حتى أن زملاءه الممثلين كانوا يجدون صعوبة في الحفاظ على جديتهم أثناء تصوير مشاهده.
كان حضوره يشعل الأجواء ويخرجهم عن النص، مما أدى في كثير من الأحيان إلى تأخير التصوير بسبب نوبات الضحك.
وراء الكاميرات، كانت تلك اللحظات تعكس سر نجاح (إبراهيم سعفان)، لم يكن كوميدياً يعتمد على التحضير الدقيق، بل كان يحول كل لحظة إلى كوميديا فورية تخرج الضحكات من أعماق القلوب.
فن الضحك الفطري
ما ميز إبراهيم سعفان عن غيره هو بساطته.. لم يعتمد على النكات الفجة أو الإضحاك المُفتعل، بل كان يضحكنا ببساطته وصدقه في كل مشهد، لم يسخر من الناس بل كان يشاركهم الفرح والضحك، بالنسبة له، الكوميديا كانت لغة قلبه، وليست وسيلة لجذب الأنظار.
كان يحمل في روحه نقاءً وصفاءً يجعلان الضحك يأتي بشكل طبيعي، كابتسامة طفل بريء.. وربما كان هذا سر نجاحه، لأنه لم يحاول الإضحاك بل كان الضحك يتجسد فيه.
لم يكن (إبراهيم سعفان) مجرد نجم على الشاشة أو المسرح، بل كان حالة فنية خاصة.
تعامله مع الكوميديا كان ينبع من أعماق الروح.. ومع رحيله ترك إرثًا من الضحك والفن لا يزال حيًا، أفلامه ومسرحياته تظل تضحكنا كلما شاهدناها، وتذكرنا أن الضحك الأصيل لا يموت.
لقد عاش ليضحكنا، ورحل عن عالمنا، لكنه لم يتركنا، لأن ضحكاته لا تزال تتردد في كل مشهد وفي قلوب من أحبوه.. إنه نجم يظل حاضرًا رغم الغياب.
أول من علم سعاد حسني
إضافة هامة في مسيرة (إبراهيم سعفان) أنه كان أول من علم سعاد حسني القراءة، الكتابة، والتمثيل في بداياتها بتوجيهات من عبد الرحمن الخميسى الذى كتب لها أول فيلم بطولتها (حسن ونعيمة) وشارك فيه إبراهيم سعفان .
كان داعمًا لزملائه، يحمل طاقة من الحنان والتوجيه، مما أكسبه مكانة خاصة في قلوب كل من تعاملوا معه.
(إبراهيم سعفان)، نجم بحجم الضحكات، قدم لنا الفن في أبسط صوره، ورحل تاركًا وراءه قلوبًا ممتلئة بحب فنّه وذكرياته.