رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(الأخلاق) فى زمن الحرب.. وهل لدى إسرائيل فى الأصل أخلاق؟

أحمد الغريب

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب

على متن طائرته وهو عائد من بلجيكا إلى روما، انتقد البابا (فرنسيس)، بابا الفاتيكان، الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان، قائلا إنها تتجاوز (الأخلاق).

وردا على سؤال خلال تصريحات لصحفيين على متن الطائرة بشأن تلك الغارات، قال البابا: (يجب أن يكون الدفاع دائما مكافئا لحجم الهجوم)، وأضاف: في غياب هذا التكافؤ، يكون هناك ميل للاستئساد، وهو ما يتجاوز (الأخلاق).

مؤكدا على أن الدول لا يمكنها أن (تتمادى) في استخدام قوتها العسكرية، وقال (حتى في الحرب هناك أخلاق يجب حمايتها)، وأردف: (الحرب غير أخلاقية، لكن قواعد الحرب تمنحها بعض الأخلاقيات).

وحثّ البابا، المجتمع الدولي على بذل كل ما هو ممكن لوقف هذا القتال في لبنان، كما ندّد بمقتل أطفال فلسطينيين في الضربات الإسرائيلية على غزة.

وقال: إنه يتحدث عبر الهاتف مع أتباع (الأبرشية الكاثوليكية) في غزة (يوميا)، وإنهم ينقلون إليه تطورات الأوضاع و(الفظائع التي تحدث هناك).

كرر البابا (فرنسيس)، دعوته إلى إنهاء الصراعات العنيفة

البابا (فرنسيس) زعيم الكاثوليك

بصفته زعيما للكاثوليكيين في العالم البالغ عددهم 1.4 مليار، كرر البابا (فرنسيس)، دعوته إلى إنهاء الصراعات العنيفة، لكنه عادة ما يكون حذرا من الإشارة الصريحة إلى المعتدين.

لكنه تحدث بشكل أكثر صراحة في الأسابيع القليلة الماضية عن التحركات العسكرية الإسرائيلية في حربها المستمرة على غزة منذ ما يقارب العام.

هل أصلا إسرائيل دولة تلتزم بالأخلاق؟

يستحضر حديث البابا (فرنسيس)، معه مسألة (الأخلاق) فى زمن الحرب، كما يطرح معه سؤال: (هل أصلا إسرائيل دولة تلتزم بالأخلاق أو حتى لديها فى العموم أخلاق ومعايير وضوابط تتعامل بها فى زمن الحرب؟). والإجابة بكل بساطة إسرائيل دولة بلا أي أخلاق أو أخلاقيات تحكمها على مدار عقودها المتتالية منذ نشأتها وحتى يومنا هذا.

بل على النقيض من هذا ترتكب جرائمها تباعا وتتباهى وتتفاخر بها دون أن تضع فى حسبانها فى الأساس فكرة (الأخلاق) فى زمن الحرب، اعتمادا على ذريعة ارتكاب ما تشاء وفقا لمبدأ واحد تسير وفقا له وهو مبدأ (الحاجة للحفاظ على وجودها وبقاءها).

بغض النظر عن الالتزام بأي ضوابط أو معايير حددها القانون الدولى أو اي شرائع دينية دعت للحفاظ على كرمة وحقوق البشر فى زمن الحرب.

على مدار عام كامل راحت ترتكب يوما بعد يوم جرائمها الواحدة تلو الأخرى

شرعنة الإجرام الإسرائيلي

منذ اللحظات الأولى لشروعها فى الحرب على غزة ومن بعدها قرار بدء العدوان على لبنان، أحاطت إسرائيل ذاتها بكتيبة من الصحفيين والإعلاميين الغربيين، ذلك بهدف تحصينها من أي إدانة قد توجه لها بشأن ما ترتكبه من فظائع وجرائم تحت مسمى (خوض حرب وجود).

وعلى مدار عام كامل راحت ترتكب يوما بعد يوم جرائمها الواحدة تلو الأخرى فى وضح النهار تحت سمع وبصر الجميع دون أن يحرك أحد ساكنا أو يتفوه بكلمة واحدة عن الأخلاق و(أخلاق) الحرب، بخلاف فئة قليلة لم تجد ما يمنعها عن تلك الجرائم احتراما لذاتها وتقديرا للنفس البشرية التي كرمها الله.

أحد هؤلاء الذين أحاطت إسرائيل ذاتها بهم للدفاع عنها، هو  الكاتب الصحفي (دانييل بن عامي)،  الذى بادر من جانبه لدفاع عن جرائم إسرائيل في لبنان مع اللحظات الأولى لها، من خلال مقاله بموقع مجلة (سبايكت) البريطانية.

بتأكيده على أن (حزب الله) هو جزء من جماعات متشددة أوسع نطاقاً، متجذرة في أيديولوجيات تعود إلى عشرينيات القرن الماضي، وتشترك هذه الجماعات، بما في ذلك (حماس) والميليشيات المدعومة من إيران، في هدف مشترك مفاده (تدمير إسرائيل).

ويتردد صدى هذا الشعور لدى زعماء (حزب الله)، مثل (حسن نصر الله)، الذي أشار مرارا قبل اغتياله إلى إسرائيل بوصفها (ورماً سرطانياً) يجب استئصاله.

حاول (بن عامي) جمع كافة خصوم تل أبيب فى إطار واحد باعتبارهم ذاك (التهديد الوجودى)

(دانييل بن عامي)

من ثم يعتبر (بن عامي) أن أهداف (حزب الله) تتجاوز حدود لبنان، وأن الحزب تحول إلى قوة عسكرية قادرة على شن هجمات صاروخية على تل أبيب، كما شاهد الجميع مؤخرا.

زاعما إنه رغم إضعاف الجيش الإسرائيلي لقدرات (حزب الله) في الأسابيع الأخيرة، فإن الحزب ما يزال يشكل تهديداً كبيراً بـ 45000 مقاتل، تم تدريب العديد منهم من قبل إيران، معتبرا أن مقتل (نصر الله) يسلط معه الضوء على ما اسماه (حاجة إسرائيل للرد بقوة على مثل هذا الخصم الهائل).

مشيرا فى ذات السياق، إلى العلاقات العسكرية والأيديولوجية الوثيقة بين (حزب الله) وإيران، وموضحاً أن الهدف من قيام إيران بتسليح (حزب الله) يأتي ضمن استراتيجيتها الأوسع نطاقاً المناهضة لإسرائيل.

حيث تبنت القيادة الإيرانية، خاصة المرشد الأعلى (آية الله خامنئي)، تاريخياً نفس الآراء المعادية للسامية التي تحدد مهمة حزب الله المتمثلة في (محو إسرائيل).

حاول (بن عامي) جمع كافة خصوم تل أبيب فى إطار واحد باعتبارهم ذاك (التهديد الوجودى) الذي يلاحق شرعية و(حق إسرائيل فى البقاء والوجود)، بهدف إقناع الجمهور الغربى بحق إسرائيل فيما ترتكبه من جرائم وشرعنة خطاها العدوانية لأبعد مدى ومنحها الغطاء الكافى للمضي قدما نحو تحقيق ما تصبوا اليه من اهداف.

ومن ثم واصل دفاعه عن الرد العسكري الإسرائيلي على (حزب الله) ليصل بجمهوره إلى نتيجة مفادها أن الصراع الحالي يأتي كجزء من (معركة إسرائيل من أجل البقاء).

فترسانة (حزب الله) الضخمة من الصواريخ وقوته القتالية الهائلة تجعله يشكل خطراً حقيقياً على الأمن الإسرائيلي المحاط بجهات فاعلة معادية تتضمن (حزب الله) و(حماس) وغيرهما من الجماعات المدعومة من إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

(بن عامي) الذي نصب نفسه محاميا عن إسرائيل، ذهب لأبعد من هذا بتأكيده على إنه في حين تصور بعض وسائل الإعلام الإجراءات العسكرية الإسرائيلية على أنها غير متناسبة أو غير إنسانية.

فإن هذه الانتقادات تفشل في النظر في (التهديد الوجودي) الذي يشكله أعداؤها، مؤكدا على أن إسرائيل لا تستطيع أن تتهاون في دفاعها عن نفسها، فهي، حسب تقرير نشرته مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية، تقاتل حالياً على تحييد تهديدات المتشددين سبع جبهات، مما يسلط الضوء على الطبيعة المتعددة الجوانب للصراع.

(تصفية نصر الله) ـ بحسب تعبيره ـ تشكل لحظة محورية في صراع إسرائيل ضد (حزب الله)

تحييد تهديدات المتشددين

خالصا إلى إن (تصفية نصر الله) ـ بحسب تعبيره ـ تشكل لحظة محورية في صراع إسرائيل ضد (حزب الله)، منتقداً وسائل الإعلام لتقليصها من (أهمية المخاطر الوجودية لهذه الحرب).

ومؤكداً ضرورة أن تظل إسرائيل يقظة ضد الجماعات التي تسعى إلى (تدميرها)، ومعتبرا فى ذات الوقت إن مقتل (نصر الله) يذكر معه بضرورة الجهود العسكرية التي تبذلها إسرائيل لما اسماه ( تحييد تهديدات المتشددين)  الذين يعرضون (وجودها للخطر).

ومنوهاً إلى أن الحرب ضد (حزب الله) ليست مجرد صراع عسكري، بل هي (ضرورة أخلاقية لبقاء إسرائيل)، وفقا لتعبيره وما خطته يده.

داعيا فى نهاية حديثه المقيت، المراقبين الدوليين إلى الاعتراف بالطبيعة الحقيقية لأهداف (حزب الله) والاعتراف بشرعية تصرفات إسرائيل في (الدفاع عن نفسها ضد الفناء)، وزاعماً بأن هذا الصراع لا يتعلق بالأرض أو القوة السياسية بل (بالبقاء).

حيث لا يُظهِر (حزب الله) وحلفاؤه أي استعداد لقبول حق إسرائيل في الوجود، معتبرا أن التقليل من أهمية أهداف (حزب الله) قد يؤدي إلى سوء فهم القضايا الأساسية التي تحرك هذه الحرب المستمرة.

اجمالا هذا التعارض والتضاد فى رؤية الغرب للحرب الحالية فى غزة ولبنان، يمثل ويجسد حقيقة مفادها وجود مدرستين في السياسة بزمن الحرب.

الأولى المدرسة (المثالية – Idealism) التي يرفض أتباعها مفاهيم توازن القوى وسباق التسلح واستخدام القوة، وأكدوا مرارا على التزامهم بـ (الأخلاق) العامة والمتعارف عليها في المواثيق الدولية المختلفة.

الفيلسوف الإيطالي (نيكولو مكيافيللي).. الغاية تبرر الوسيلة

الغاية تبرر الوسيلة

المدرسة الثانية هى المدرسة (الواقعية) في السياسة أو (السياسة الواقعية) (Realpolitik)، ويبدو أنها اليوم تطغى بأفكارها على المدرسة الأولى، إذ يتمسك أتباعها وأنصارها بأن اعتبارات (الأخلاق) لاعلاقة لها بأي اعتبارات في الحرب، معتبرة عالم السياسة والعلاقات الدولية حقلًا للقوة وأن الأخلاقيات تمثل رفاهية لا يمكن لرجال السياسة الانغماس فيها.

وهو الفكر الذي أسسه المؤرخ الإغريقي (ثوسيديديس) في كتابه (تاريخ الحرب البلوبونيزية) ودعمه الفيلسوف الإيطالي (نيكولو مكيافيلي) في كتابه (الأمير) في بدايات القرن السادس عشر.

ثم طور هذا الفكر (هانز مورغتناو – Hans Morgenthau) – أحد رواد القرن العشرين في مجال دراسة السياسة الدولية – والذي أكد أن رجال الدولة يفكرون ويعملون وفقًا لغاية تعرف بأنها القوة.

وهو الفكر الذي هذبه قليلًا البروفيسور (كينث والتز – Kenneth Neal Waltz) بتأسيسه للمدرسة (الواقعية الجديدة – Neorealism)، والتي نادى فيها بألا يُنظر إلى القوة كغاية في حد ذاتها، ولكن (كوسيلة لبقاء الدولة).

الفيلسوف الإيطالي (نيكولو مكيافيلي).. الغاية تبرر الوسيلة.. لمن الْغَلَبَة؟ُ

بالنظر إلى الواقع الذي نعيشه اليوم يتعين علينا أن نسأل أنفسنا: أي من المدرستين انتصر؟ المدرسة (الأخلاقية/ المثالية) أم مدرسة (السياسة الواقعية)؟ ولماذا؟

إن الإجابة عن هذين السؤالين يمكن أن نجدها في شريان المستجدات الكائنة على مسرح العمليات القتالية الإسرائيلية فى غزة ولبنان.

تلك المستجدات التى تستمد فيها إسرائيل شريعة بقائها وعدوانها وجرائمها اعتمادا على أفكار ومبادئ أنصار، مدرسة (السياسة الواقعية) التى باتت المرجع الأول الذي يلجأ إليه صانعو القرار في عالمنا اليوم – مهما اختلفت أيديولوجياتهم – وعلى رأسهم العصابة الإجرامية التي تحكم إسرائيل الآن.. وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.