رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: (الدنيا.. هيّ المشنقه).. (2).. شكرا لرجال البريد

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

كانت القصائد المتفرقة التي نشرتها من ديوان (الدنيا.. هيّ المشنقة).. قد أتت بردود أفعال هائلة.. وكان الوقوف ضد نشرها مجمعة في ديوان.. قد أثار وطنية بعض الشعراء والكتاب.

تحرك (محمد حافظ رجب) الذي كان يسميني (شاعر الضل الحزين).. وطالب كل أدباء مصر أن يقفوا بجانبي حتي يصدر ديواني (الدنيا.. هيّ المشنقه).. وقد اقترح لذلك على كل المهتمين  إرسال ثمن النسخة مقدما قبل الطباعة.. علي أن أرسل لهم الديوان بعد طبعه.. بالفعل.

ساهم شاب من الإسكندرية اسمه (عبد الفتاح الصحن بمبلغ كبير).. زائد المبالغ التي حصلت عليها من كل أنحاء مصر.. مئات الخطابات.. كل خطاب به 10 قروش وعنوان الراسل مع طابع بريد ثمنه 4 مليم.

بشرط أن نزيل زوايا الظرف ونكتب عليه (مطبوعات صحفيه).. و(شكرا لرجال البريد) كى نحصل على هذا الدعم البريدى للمطبوعات.. بالفعل وصل المبلغ.. بل زاد عن التكلفة.. لم يتبق الآن سوى طباعته.

كنت قد تعرفت خلال هذه الفترة بكاتب القصة (فؤاد حجازي).. الذي عرفني علي صاحب مطبعه اسمه الخواجه في (ميت حدر).. ويمثل (فؤاد حجازي)، الكاتب والإنسان، حالة خاصة جدا من الإبداع والوجود.

فبينما جرت العادة أن ينزح الأدباء من قراهم إلى القاهرة العاصمة، قام هو برحلة عكسية فترك القاهرة عام 1962.. وهو صحفي في مجلة (آخر ساعة)، وعاد إلى بلده المنصورة، ولم يفارقها.. تماما مثل رحلتى في وقت لاحق.

وبينما اتجه كتاب كثيرون من الأدب إلى المقاومة، قام هو برحلة عكسية.. فكانت المقاومة نقطة انطلاقه إلى الأدب.. خلال العدوان الثلاثي عام 1956.. تطوع (فؤاد حجازي) في كتائب المقاومة الشعبية، ثم شارك في حرب 1967جنديا مقاتلا، ثم عرف تجربة الأسر في معسكر عتليت الإسرائيلي قرابة تسعة أشهر.

فقد تحمس فؤاد حجازي لنشر ديواني (الدنيا.. هيّ المشنقه)

تحمس فؤاد حجازي لنشر الديوان

ثم عانى الاعتقال السياسي نحو خمس سنوات، وخرج من كل ذلك (كاتبًا مصريًا  لم ترغمه الهزائم على البكاء)، كما وصفه الناقد (عبدالفتاح الجمل).. وكانت روايته الشهيرة (الأسرى يقيمون المتاريس)، والتي ترجمت  إلي العديد من لغات العالم قد ظلت شاهدًا على جرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وقد كتبها (فؤاد حجازي) أثناء الأسر على ورق شكائر الأسمنت.. التي كان يستخدمها الإسرائيليون في البناء.. وهربها بين طيات طبقات علبة كرتون.. بعد أن فككها.. ودس الأوراق بين جنباتها.. ثم أعاد لصقها بعجين صنعه من فتات الخبز.

ورغم انه كان ممنوعا حينها الولوج بالكتابة الى منطقة النكسة العسكرية.. فقد تحمس فؤاد حجازي لنشر ديواني (الدنيا.. هيّ المشنقه).. كان الخواجة في مطبعته يجمع الحروف بيده.. طلب مني الخواجة أن أحضر له موافقة أمن الدولة..

قام صديقي شقيق الناقد (حمدي السلاموني) بكتابة ديواني (الدنيا.. هيّ المشنقه)..  علي الٱله الكاتبة لاتجه بالنسخة إلى أمن الدولة.. سلمت الديوان و تسلمته بعد شهر وقد  حذفوا منه حوالي 100 صفحه أو أكثر، وكنت قد سلمتهم 180 صفحه.

بل ونصحوني بعدم طبع الباقي.. لأن القصائد التي وافقوا عليها شوهوها بالشطب والحذف و هددوني بالحبس إذا قمت بنشر أي كلمة شطبوها لي!

التقيت بالفنان المعروف (أحمد عبد العزيز).. واتفقت معه علي لوحات معبرة عن القصائد يرسمها فتزيد من عدد الصفحات .

 فمثلا قصيدة قصيرة أقول فيها: 

شايف يا ابني القمر؟

 فارد علينا ضياه

فيه ياما ناس عاشقاه

وكتير كتير م الناس

ماشيين علي خيوطه

مد الإيدين هاته

ويرد طفل ضعيف

خنق الهزال صوته

العيد

ياامه.. نفسي رغيف.

وقد عبر عنها  الفنان أحمد عبد العزيز بلوحة تقطر حزنا و ألما.

كذلك لوحة أخرى  يكمل بها قصيدة قصيرة أقول فيها :
ألعيد

ياصاحبي راح بلاش

العيد..

العيد في بحر الدم باش

العيد..

بقاله سنين ما جاش

العيد..

 بلاش نغلط بلاش .

ولوحة أخرى  قصيدة قصيرة بعنوان (الرحلة) أقول فيها :

شدوا الوليد..

من بطن أمه شد

رفض الوليد يخرج

وشد وشد

شدوا الوليد تاني

و قدروا عليه

وإيه هاتعمل

في المقاومه إيديه

خرج الوليد

بصوابعه خبي عنيه

فؤاد حجازي لعب دورا كبير لنشر ديواني (الدنيا.. هيّ المشنقه)

فؤاد حجازي و(الدنيا.. هيّ المشنقه)

كما أبدع لى أيضا تصميم  غلاف ديوان (الدنيا.. هيّ المشنقه)، وصدر الديوان.. وكانت المفاجأة المذهلة  أنني وزعت عن طريق البريد، وعن طريق أصدقائي 18 ألف نسخة.

أذاع الأستاذ (عاطف عبد العزيز) حلقة كاملة عنه بإذاعة الشرق الأوسط.. كذلك أذاع  الأستاذ (حمدي الكنيسي) حلقة كامله في إذاعة صوت العرب.. و نشرت كل الصحف و المجلات مقالات ودراسات.

كان استقبال ديوان (الدنيا.. هيّ المشنقه) استقبالا هائلا  ينم عن تعبيره عن ما يحتقن داخل الصدور من شعور بالمرارة.. باستثناء صحفي اسمه (لينين الرملي) الذي هاجم الديوان هجوما شديدا بادعاء أن الدنيا ليست مشنقة.

هذا على مستوى المعانى.. أما على المستوى الفني فقد هاجمنى بعض من كهنة معبد الشعر وحراس مومياواته، فاتهموني أنني أكتب أشعارا تشبه الأشعار الغربية المترجمة.. فلا يصح لى مثلا  أن استخدم  في العامية  كلمات مثل (شرنقة.. المشنقة.. الزلزلة.. السندباد.. إلخ).

استشعرت غضبتهم لأنى خرجت من ربقة عبوديتهم فزاد ذلك من إصرارى على إعلانى  حريتى بعيدا عن صولجانهم.. والمضي قدما بخطواتى على طريق حرية الإبداع مهما صبوا على من لعنات .. ووعيد بإلقائي في الجحيم.

بعد الضجة التي أثارها ديوان (الدنيا.. هيّ المشنقه).. صدر قرار جمهوري بمصادرته.. بل وتم توزيع منشور علي كل مكاتب البريد في مصر يأمرهم بالإبلاغ عن أي شخص يحاول أن يرسل الديوان لأي جهة.. من هنا ابتدي مشوار طويل.

و..

عاش عمره زي السندباد

فارش نجوم النور على كل البلاد

بادر تقاوي الحب

في قلوب الولاد

مستني أخوه اللي انقتل

يوفي وييجي في الميعاد

قلبه بيدمي م البعاد

 عاش عمره زي السندباد

جيبه كما قلبه نضيف

دمعه بيصرخ

كل ما يقابل رصيف

 ينده صديقه بٱهه

لو صادف رغيف

عاش عمره زي السندباد

طاهر عفيف

وشريف

ما ناصر يوم خطأ

كاره لقا المعاويج

وقاطعين الطرق

عاش عمره زي السندباد

 كاسر بضرباته البيبان

داهس بخطواته الديدان

سهران على راحه رفاقه ديدبان

 وان يوم غيوم قابله شيطان

ماشي في حواري الحزن

ضربه وفتشه / صفي عيونه

حط إيده في قلبه الابيض

خربشه

مزع ودانه طرشة

وادي نهايه السندباد

صايع في نظر الناس أثيم

دايس على جرحه الأليم

يشرب في دمه

وخوفه ثاني يعطشه

شبح الشيطان بيطفشه

ماشي على دماغه وصوت الصمت نفسه

بيرعشه.

من كتاب (مدد.. مدد)

سيرة ذاتية لبلد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.