بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
بثت (المقاومة) الفلسطينية مساء الخميس 5 سبتمبر الجارى مقطعا مصورا يظهر مقتطفات من خطاب سابق للناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس (أبو عبيدة) قائلا: (نحن غزة بسمائها وهوائها وبحرها ورملها، والذي سنذكركم فى كل مرة بأنها مقبرة للغزة، ووحل لا قاع له للمحتلين عبر العصور).
امتزجت كلمات المقطع المصور بمشاهد من عمليات (القسام) المعروفة بـ (المقاومة) فى غزة خلال تصديها للعدوان الإسرائيلي اليومى على غزة والمتواصل منذ نحو أحد عشر شهرا بلا انقطاع.
كما امتزجت بأنغام أغنية فريق (كايروكى) الرائعة التى أطلقها فى نوفمبر الماضى دعما للقضية الفلسطينية بعنوان (تلك قضية)، مع إضافة ترجمة بالإنجليزية لكلمات الاغنية.
المقطع المصور الذي بثه الإعلام العسكري التابع لكتائب القسام، جاء مخاطبا فئة جيل الشباب مستخدما خطابا هو الأقرب لهم من خلال استخدام أغنية لفريق غنائى مصري يتمتع بشهرة واسعة النطاق فى العالم العربي.
ولم يستخدم أي من الأغاني أو الاناشيد الحماسية المعروفة بهدف إيجاد حالة من الارتباط مع الشباب العربى سعيا فى جذب المزيد منهم نحو القضية الفلسطينية، وكسب تعاطفهم معها.
تعرية الواقع
في تركيبة موسيقية فريدة من نوعها، عبر فريق (كايروكي) عن شكل (المقاومة)، جاءت أغنية (تلك قضية)، من كلمات الشاعر المبدع (مصطفي ابراهيم).
وأقل ما أن توصف به إنها تعرى حالة الصمت والتخاذل الدولى فى وقف العدوان الإسرائيلي على غزة وحالة الانفصام فى الشخصية التى أصابت المجتمعات الغربية وضربت ثوابته ومبادئه فى مقتل، بل وفضحت معها زيف شعارته وفراغها من مضمونها.
وعلى أنغام موسيقى الروك، وبلحن الحزن والصمود بالوقت ذاته، أطلق فريق (كايوركي) أغنيته (تلك قضية) دعما للمقاومة، والتي تحدثت في كلماتها عما يجول في العقول من تساؤلات وتناقضات عن هذا العالم المثالي الذي ظهر زيفه مع استمرار الحرب على قطاع غزة لأكثر من 341 يوما دون أن يحرك ساكنا.
بدأت الأغنية بتساؤلات: (كيف تكون ملاكا أبيض؟.. يبقى ضميرك نص ضمير.. تنصف حركات الحرية.. وتنسف حركات التحرير.. وتوزع عطفك وحنانك.. ع المقتول حسب الجنسية.. وتلك قضية وتلك قضية).
بهذه الكلمات أكدت (كايوركي) ازدواجية المعايير التي يعيشها العالم بين ما كان يتغنى به من حقوق للإنسان والحقيقة التي تظهر عكس ذلك، لتكون بذلك مجرد أسطر رنانة تقال في خطابات مزيفة، والواقع أنها قسمت الشعوب الى فئات.
وبصوت يخاطب العقل والوجدان، تسأل (كيف أصدق هذا العالم.. لما بيحكي عن الإنسان؟.. شايف أم بتبكي ضناها.. علشان مات في الغارة جعان.. ويساوي المقتول بالقاتل.. بشرف ونزاهة وحيادية.. وتلك قضية وتلك قضية)، ليظهر به أن العالم انكشف على حقيقته البشعة، وأننا فقدنا ثقتنا بما كنا نظنها حقوق عالمية.
سؤال يتبع الآخر، يظهر أن الغشاء قد أزيل عن أعيننا وباتت الحقائق ظاهرة أمامنا كعين الشمس؛ ليتبعها بمقطع (كيف تكون إنساناً راقي؟.. ومطابق للاشتراطات.. كل كلامك لابس واقي.. وبتحضن كل الشجرات.. بتقول ع البواب الحارس.. وجنبك جيش بيهد مدارس.. واما بتقفش نفسك لابس دم.. تقول الكل ضحية.. وتلك قضية وتلك قضية).
ليوصف به تبديل الأوجه الذي يمارسه العدو الصهيوني ضد (المقاومة)، وهذا الذي أظهرته الصورة الترويجية للأغنية التي أظهرت وجه تمثال الحرية بوجة ظاهر متسامح ويعاكسه وجه شرير حاقد.
وببحة صوت حزين، حاكت (كايوركي) ألم الشعوب: (كيف أنامَ قريرَ العينِ؟.. وأضع سدادة أذنين.. والعيلة المدفونة ف بيتها.. ممنوع حد يخش يغيتها.. وكأن الأرض اللي فوقيهم.. مش تبع الكورة الأرضية.. وتلك قضية وتلك قضية)، ليتقابل الحزن والخذلان مع الصمود والقوة في طيات ألحانها.
وفي سؤال تعجبي خاطبت (كايوركي) الغزي متغنية بشجاعته وصموده: (كيف تعيش في سجنٍ واسع؟.. زنازينه من نار ورماد.. وتقوم من تحت الأنقاض.. تتشعلق ف رقاب القاتل.. تجمع أشلائك وتقاتل.. وتوري الدنيا الكدابة.. كيف يسير قانون الغابة.. من اين طريق الحرية.. ومن أين تؤتى الدبابة).
تعبير صادق بالكلمات
وفي مقطع آخر، غنت (كايروكي): (مش فارقة العالم يتكلم.. موت حر وما تعيش مسلّم.. تلهم جيل ورا جيل يتعلم.. كيف يعيش ويموت لقضية)، مؤكدة أن صوت القضية الفلسطينية يصدح في العالم بقوة، وأننا كسبنا الأجيال المقبلة في هذه المعركة.
وفي كلماتها الأخيرة، خاطبتنا كلنا بهذه الكلمات ليخفف عنا ويدب القوة فينا، ويجيب العالم أجمع أن القضية الفلسطينية قضية كفاح (بننادي على عالم مين.. علشان يستنكر ويدين.. دن كما شئت فأي إدانة.. لما يجري جوا السلخانة.. مش هتخف بارود الدانة.. ولا قادرة ترجع له صباح.. تلك قضية.. تلك قضية.. وهذا كفاح).
(المقاومة) الفلسطينية وجدت فى الأغنية صدق كلماتها وكيف تعبر وبصدق عن الحالة الراهنة فى غزة، وكيف ترسم لوحة متكاملة لحالة البؤس المتفاقمة داخل القطاع دونما ان يتحرك للعالم ساكنا.
ووجدت فيها كذلك باعثا ومحفزا وداعما للنضال الوطنى الفلسطيني من خلال التأكيد على أن الطريق الوحيد للتحرير هو (المقاومة) باعتباره الطريق الأمثل لصد العدوان والخلاص منه.
كذلك جاء بث (القسام) للمقطع المصور الذي يتضمن كلمات الأغنية، ليعيد انتشارها وبقوة رغم اطلاقها قبل نحو تسعة أشهر لتتصدر اعلى نسب المشاهدة والمتابعة فى كافة وسائل التواصل الاجتماعي.
ليعيد معه حقيقة وواقع دور الفن فى المقاومة من خلال تجسيد الواقع وتحفيز الجمهور على معرفة التفاصيل الدقيقة للقضية عبر ملامسة ومخاطبة وجدانه ومشاعره.
أحيت عملية طوفان الأقصى
ليست هذه الأغنية فحسب وحدها، فقد أحيت عملية طوفان الأقصى والعدوان الغاشم على غزة من جديد أغاني (المقاومة) منذ العام 1948 التي رافقت النكبة، لتعود من جديد لتشعل فتيل المقاومة وترفع الروح المعنوية والحماسية ويرددها الصغير قبل الكبير.
كما تسيدت أنشودة (سوف نبقى هنا.. رغم كيد العدا رغم كل النقم.. سوف نسعى إلى أن تعم النعم.. سوف نرنو إلى رفع كل الهمم.. بالمسير للعلا ومناجاة القمم.. فلنقم كلنا بالدواء والقلم).
حيث عادت من جديد وبالتزامن مع حرب غزة وإصرار الاحتلال على التهجير القسري لشعب غزة الصامد والمؤمن بأن هذه الحرب إما نصر أو شهادة لا ثالث لهما.
في حين رد أطباء مستشفيات قطاع غزة على منشورات الاحتلال التحذيرية بإخلاء المستشفيات تمهيدا لقصفها، بهذه الكلمات (سوف نبقى هنا.. كي يزول الألم سوف نحيا هنا.. سوف يحلو النغم موطني، موطني، موطني)، والتي أصبحت بعد ذلك الأكثر انتشارا ودافعا للروح المعنوية.
الكثير من أغاني (المقاومة) انتشرت بالتزامن مع حرب غزة والتي أصبحت الموسيقى الوحيدة التي يستمع إليها في كل مكان وفي المظاهرات والحشود الشعبية في الميادين وعبر مكبرات الصوت في الشوارع.
وكذلك المقاهي والمحال التجارية التي تصدح بأغاني المقاومة، لشد أزر المقاومين ورفع الروح المعنوية لكل من يتألم من أجل غزة.
وفي سؤال استنكاري حول ما يتعرض له قطاع غزة من جرائم حرب واستمرار آلة القتل والعدوان الغاشم على الشعب الأعزل، ترددت أغنية (هذا سلام)، لتصف من جديد الحال الذي وصل إليه قطاع غزة.
في الوقت الذي يتحدث به قادة العالم عن السلام (هذا سلام فلم السلام.. ونظرة تؤلم قلبي في المنام.. كلام بعد كلام وعين تنزف ماء.. في فضاء بين فضاء.. لا مكان له في الوجود).
التأثر بالفن المصرى
ومن جهة أخرى، ضج العالم الغربي قبل العربي بالأغنية السويدية التي أحيتها حرب غزة من جديد لتصبح بوصلة لجميع العالم، والنغمة التي وحدت قلوب جمعها حب الفلسطينيين ووحدتهم القضية.
وقد اجتاحت الأغنية السويدية، التي حملت عنوان (تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية) شبكات التواصل الاجتماعي في السويد والدول الاسكندنافية، مع استمرار القصف على غزة وتزايد الدعم الشعبي العالمي للقضية الفلسطينية.
وتحدثت الأغنية التي قدمها الشاعر الفلسطيني من مدينة الناصرة (جورج توتاري) قبل 45 عاما، بعدما غادر إلى السويد إبان نكسة العام 1967، من خلال كلماتها ولحنها الذي أصبح أشهر من النار على العلم (تحيا فلسطين.. تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية… نحن شعب زرعنا الأرض.. وحصدنا القمح.. وقطفنا الليمون.. وعصرنا الزيتون.. كل العالم يعرف أرضنا).
ظهرت أناشيد الثورة الفلسطينية في الأعوام التي تلت انطلاقة الثورة الفلسطينية، وعلى الأخص حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في العام 1965، وشكلت لونا جديدا من الفن الذي أصبح يعرف بالفن المقاوم.
وتأثرت الأناشيد الأولى بالأغاني والأناشيد القومية المصرية وركزت في البداية على الطابع العسكري، قبل أن تشمل مختلف أوجه الحياة الاجتماعية والثقافية لفلسطينيي الشتات.
بخلاف الأناشيد الحديثة، كان العنصر الطاغي على الأناشيد القديمة هو توثيق الواقع الفلسطيني في مخيمات اللجوء، إضافة إلى التحفيز على المشاركة في العمل العسكري الفدائي والتغني بالصمود و(المقاومة) بأشكالها كافة.
كما بدأ بث الأناشيد الأولى مع انطلاق إذاعة (صوت العاصفة)، ولاحقا تم تغيير اسم الإذاعة إلى صوت فلسطين، بعد دمج الوسائل الإعلامية التابعة لمختلف الفصائل الفلسطينية في إطار جامع أطلق عليه اسم الإعلام الموحد.
وأخيراً.. لا يقل تأثير الغناء والموسيقى عن المقاومة المسلحة، فالفن والمقاومة وجهان لعملة واحدة هي الحب والإيمان والتضحية إذا وُجدت القضية، وستظل المقاومة بكافة الوسائل قائمة طالما استمر العدوان، وللحديث بقية.