كتب: محمد حبوشة
يندرج فيلم (زمن حاتم زهران)، بحسب دراسة للدكتور (نادر محمد على رفاعي)، مدرس النقد السينمائى بالمعهد العالى للنقد الفني، ضمن موجة الأفلام الكثيرة التي تناولت مرحلة الانفتاح الاقتصادي في المجتمع المصري.
إلا أن الجديد يكمن في المعالجة الدرامية الجيدة، وفي رسم الشخصية المحورية، ألا وهى شخصية الرأسمالي الانفتاحي (حاتم زهران/ نور الشريف)، الواعي تماما لأصول اللعبة والكسب المادي السريع في هذا الزمن، فنحن نراه يواجه كل ما يعترض طريقه بقوة وحكمة وأعصاب باردة تنم عن ثقة زائدة بالنفس.
وأرى من وجهة نظري الشخصية، أن هذا الفيلم اعتمد في أحداث السريعة للغاية على مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة)، هذا المبدأ الذي تبناه (مياكافيلي) المفكر والفيلسوف والسياسي الإيطالي في القرن السادس عشر.
حيث اعتقد (حاتم زهران) أن صاحب الهدف باستطاعته أن يستخدم الوسيلة التي يريدها أيا كانت وكيفما كانت دون قيود أو شروط، فكان هو أول من أسس لقاعدة (الغاية تبرر الوسيلة) في تحريكه لأحداث اتسمت بالبرجماتية الشديدة في تعامله مع كل من حوله حتى والده (الكتور زهران/ محمد السبع) الذي ابنا يراه فاشلا.
واعتبر فيلم (زمن حاتم زهران) هذه القاعدة هى الانطلاقة الأولى التي ينطلق منها المهندس (حاتم) بشكل ديكتاتوري، حيث يضعها نصب عينه ويتبناها لتبرر له الاستبداد وممارسة الطغيان والفساد الأخلاقي.
ويرى (حاتم) ضرورة استخدام العنف والقوة من قبل رجل الرأسمالية في الزمن الجديد الذي أعقب انتصار أكتوبر، مبررا ذلك بأنه يولد الخوف، والخوف أساسي من أجل السيطرة على أهله وأصدقائه – حسب اعتقاده – ومن لم يفعل ذلك لا يعتبره قائدا ناجحا.
قصة الفيلم
تدور أحداث فيلم (زمن حاتم زهران) – بحسب حسن زين – (موقع فيلمك) – حول (حاتم زهران)، العائد من الخارج، بعد اكتمال دراسته في الاقتصاد والحصول على درجة الدكتوراه، يقود حاتم زهران فكره التحرري والعملي إلى تحقيق مكاسب مالية هائلة، إلا أنه يواجه في المقابل خسائر فادحة.
من الواضح جدا أن الفيلم أراد إدانة عصر الانفتاح ورموزه المتمثلة في طبقة الرأسمالية المتطفلة، ولكن السيناريو قد أخفق في ذلك، ووقع في خطأ أثر تأثيرا سلبياً على المضمون، فالمفترض ـ لإدانة عصر الانفتاح ورموزه ـ تقديم نموذج لرجل الانفتاح الاستهلاكي ، الذي يضع في اعتباره الربح والمكسب المادي السريع فقط .
حتى ولو أدى ذلك إلى نهب خيرات الوطن، والمساهمة في تخلف المجتمع وإبراز قيم جديدة متخلفة ولا إنسانية مترتبة على ذلك، بدلا من كل ذلك، فقد شاهدنا نموذجا للرأسمالي المصري القادم من أمريكا والحاصل على الدكتوراة في الإدارة، والذي يسعى جاهدا لتنفيذ مشروع إنشاء مصنع لانتاج مستحضرات التجميل.
يظهر (حاتم زهران) في الفيلم كشخصية تمثل التناقض بين النجاح الذي يحققه في حياته المهنية والخسائر الكبيرة التي يعاني منها في حياته الشخصية، وبينما يظهر الفيلم رحلة حاتم نحو الثراء والنجاح، يكشف أيضا عن العواقب السلبية التي قد تنجم عن الطموح الزائد وتبعات القرارات الخاطئة.
(حاتم زهران) بتجسيده لهذه الشخصية المعقدة، يجذب الانتباه لصراعه الداخلي وتعقيدات الحياة التي يواجهها، تعكس القصة رحلة البحث عن النجاح والثروة، ولكنها تُظهر أيضا قيمة الحكمة والتوازن في اتخاذ القرارات.
ظني أنه في ضوء ذلك، يعتبر فيلم (زمن حاتم زهران) إحدى الأعمال السينمائية التي تستعرض الصراعات الداخلية للشخصيات وتأثيرات الاختيارات على مسارات حياتهم، مما يجعله يترك أثرا عميقا على المشاهدين ويثري النقاش حول قضايا النجاح والفشل والتضحية.
بهذا المنظور، يعد فيلم (زمن حاتم زهران) واحدا من الأعمال السينمائية التي تلقي الضوء على جوانب مختلفة من الحياة وتوفر للجمهور فرصة للتأمل والتفكير في توازن المال والسعادة وبحث الذات في مجتمع معقد ومتناقض.
(حاتم زهران)، هو شخصية أدبية خيالية تم تقديمها في فيلم الدراما المصري (زمن حاتم زهران) الذي صدر في عام 1988، يتبع الفيلم رحلة (حاتم زهران) العائد من الولايات المتحدة بعد حصوله على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.
يقوده فكره التحرري وإيمانه بالأفكار العملية إلى تحقيق مكاسب كبيرة، لكنه يواجه أيضًا خسائر فادحة في مسار حياته.
يعكس حصول (حاتم زهران) على درجة الدكتوراه في الاقتصاد تطورا كبيرا في شخصيته، تعبر هذه الدرجة العلمية عن مستوى تعليمه ونضوجه المعرفي، مما يجعله قادرًا على تحقيق نجاحات مهنية كبيرة.
لكن الدرجة العالية التي حصل عليها تعرضه لتحديات جديدة ويجد نفسه في مواجهة قرارات صعبة يجب عليه اتخاذها بحكمة.
أداء نور والسعدني وبوسي
(نور الشريف)، هو أحد أبرز نجوم السينما المصرية الذي شارك في فيلم (زمن حاتم زهران) بدور البطولة، يتميز الشريف بأداءه المتميز والقوي الذي جعله يحظى بشعبية كبيرة لدى الجمهور العربي، يستطيع نور الشريف تقديم الشخصيات بطريقة تلقائية وطبيعية تجعل الجمهور يتفاعل معها بشكل كبير.
(بوسي وصلاح السعدني) هما من النجوم المميزين الذين شاركا في فيلم (زمن حاتم زهران) بأدوار مهمة، بوسي تتميز بقدرتها على تجسيد شخصيات متنوعة بشكل ممتاز، بينما يعتبر صلاح السعدني من أبرز الممثلين الذين يحققون نجاحًا كبيرا في أدوار الشرف والمساندة.إقرأ أيضاًقصة فيلم أصحاب ولا أعز
تمت عملية إخراج فيلم (زمن حاتم زهران) على يد المخرج (محمد النجار)، حيث نجح في أول تجاربه الإخراجية، في تقديم قصة (حاتم زهران) بشكل ممتاز على الشاشة الكبيرة.
تمثلت مهاراته الإخراجية في توجيه الممثلين ببراعة وجعل كل مشهد يندمج بسلاسة مع الآخر ليروي قصة مشوقة تجذب الجمهور وتثير الفضول.
صاغ السيناريو لفيلم (زمن حاتم زهران) عبد الرحمن محسن، الذي نجح في إيصال رسالة الفيلم بشكل مؤثر وعميق. تميزت كتابته بالقوة والتشويق، حيث استطاع تصوير تحولات شخصية (حاتم زهران) بشكل واقعي ومؤثر، مما جعل الفيلم يلتقط انتباه المشاهدين ويثري تجربتهم السينمائية.
ماذا كتب النقاد؟
الناقد السينمائي (وليد رشاد) يؤكد في كتابه (السينما والثورة) أن السينما المصرية وجّهت نقدا لاذعا للسلبيات السياسية والمجتمعية تارة بالتلميح وتارة بالتصريح والتجريح أحيانا، ومما لا شك فيه أن الرسالة التنويرية التي حملها فنانو السينما الجادون، قد أسهمت في تربية الوعي داخل عقل المشاهد المصري والعربي.
ويرى أنه كثيرا ما رصدت عدسات الكاميرات العربية مظاهر الفساد والتواطؤ والعفن الذي سيطر على دوائر الحكم في بلادنا، وراحت تفضح تآمر حكام ظنوا أنفسهم مخلدين على شعوبهم المقهورة.
واستحقت السينما المصرية عندما صنعت أفلاما توقظ الوعي لدى الجماهير وتفتح أعينهم على حقيقة ما يجري أن تكون النواة أو اللبنة الأولى لثورات الربيع العربي ويمكن أن نعتبرها وقود الثورة.
ويشير (رشاد) إلى أنه في مرحلة لاحقة وفي التسعينات وعندما استفحل طغيان النظام وبات أكثر فسادا لم تقف السينما موقف المتفرج، ولكن قامت بتطوير أسلوبها في المواجهة من جديد، وراحت توضح ما حدث في الفترة التي مضت وفي حاضرها أيضا.
مثلا في فيلم (زمن حاتم زهران) أصرت الكاميرا على رصد التغيير الذي طرأ عبر سنوات تلت حرب أكتوبر، وكيف أن الوريث رجل غير متسق مع ذاته مع أنه يبدو ساحرا في أسلوبه، ولكن إذا اقتربت منه على الفور تلحظ هذا الخلل وعدم القناعة بالذات والتي تدفعه إلى السيطرة على كل من حوله.
والدليل، الذي قدمته الدراما على اهتزاز هذا الرجل الأسطوري شقيق (حاتم زهران) هو أنه عقيم لايستطيع الإنجاب في إشارة واضحة إلى عقم النظام الحاكم.
هذا الخلل الذي يدفعه نحو الهاوية بسبب النقص الذي يعانيه في شخصيته والقصور الذي يعانيه في فكره الذي يدفعه نحو انتهاج الرأسمالية الشرسة بغير قلب ويدوس على كل البشر في جموحه الجنوني.
نور الشريف.. خطوة جريئة
الناقد البحريني قال: تعتبر تجربة الفنان المنتج لدى (نور الشريف) خطوة جريئة لتقديم سينما نظيفة وجادة، فهو في تجربة فيلم (زمن حاتم زهران) يقدم مخرجا جديدا هو (محمد النجار)، إيمانا منه بضرورة إعطاء الفرصة للجيل الجديد، حيث قدم من قبل المخرجين (سمير سيف و محمد خان).
موضوع فيلمنا (زمن حاتم زهران) ليس جديدا، فهو يندرج ضمن موجة الأفلام الكثيرة التي تناولت مرحلة الانفتاح الاقتصادي في المجتمع المصري، إلا أن الجديد يكمن في المعالجة الدرامية الجيدة، وفي رسم الشخصية المحورية.
ألا وهى شخصية الرأسمالي الانفتاحي (حاتم زهران/ نور الشريف)، الواعي تماما لأصول اللعبة والكسب المادي السريع في هذا الزمن، فنحن نراه يواجه كل ما يعترض طريقه بقوة وحكمة وأعصاب باردة تنم عن ثقة زائدة بالنفس.
كما يساعد في نجاح هذه الشخصية ذلك الحوار العميق والمتدفق، هذا إضافة الى الأداء الجيد لنور الشريف.
من الواضح جدا أن فيلم (زمن حاتم زهران) أراد إدانة عصر الانفتاح ورموزه المتمثلة في طبقة الرأسمالية المتطفلة، ولكن السيناريو قد أخفق في ذلك، ووقع في خطأ أثر تأثيراً سلبياً على المضمون.
فالمفترض ـ لإدانة عصر الانفتاح ورموزه ـ تقديم نموذج لرجل الانفتاح الاستهلاكي، الذي يضع في اعتباره الربح والمكسب المادي السريع فقط، حتى ولو أدى ذلك الى نهب خيرات الوطن، والمساهمة في تخلف المجتمع وإبراز قيم جديدة متخلفة ولا إنسانية مترتبة على ذلك.
الفيلم لم يدين (حاتم زهران)
بدلا من كل ذلك، فقد شاهدنا نموذجاً للرأسمالي المصري القادم من أمريكا والحاصل على الدكتوراة في الادارة، والذي يسعى جاهدا لتنفيذ مشروع إنشاء مصنع لانتاج مستحضرات التجميل.
صحيح أنه مشروع خاص، إلا إنه في نفس الوقت يساهم في مشاريع التنمية المحلية، بل ويؤكد على مبدأ تكريس الانتاج المحلي وقيمته، وهذا في حد ذاته لا يدين صاحبه بل يساند موقفه.
وبالتالي فان الفيلم لم يستطع أن يدين (حاتم زهران) الرأسمالي وإنما أدان ممارساته الشخصية تجاه اخيه والآخرين، وبذلك لم يستطع ان يقنع المتفرج أو يطلب منه أن يكره (حاتم زهران) الانفتاحي.
فالمتفرج بعكس ذلك قد أعجب بهذه الشخصية المتطلعة والناجحة والذكية، بغض النظر عن تصرفاتها الاجتماعية الشخصية.
وبعيدا عن كون فيلم (زمن حاتم زهران) يدين أو لا يدين عصر الانفتاح، نجد أنه قدم شخصية قوية مدروسة ومرسومة بعناية فائقة، الأمر الذي أدى لملاحظة ذلك القصور الواضح في رسم بقية الشخصيات، كشخصية الصديق المحارب (صلاح السعدني) الذي يظهره الفيلم كبطل إيجابي في مقابل شخصية (حاتم زهران).
وذلك لاكتساب تعاطف المتفرج معها، إلا أننا نراه يتحول الى شخصية ضعيفة وسلبية، تتحدث بلغة إنشائية مباشرة في الدفاع عما تؤمن به من مباديء وقيم، كذلك الشخصيات الأخرى، نراها مثالية تردد كلاما مباشرا عن القيم والأخلاق والوطنية.
أما المخرج الشاب (محمد النجار)، فقد استطاع أن يسيطر على أدواته الفنية والتقنية، وإعطاء الفيلم إيقاعا تصاعديا سريعا قد أضفى على الفيلم نوعا من الاثارة والتشويق. كما وفق في الانتقال من مشهد إلى آخر دون افتعال، ساعده في ذلك المونتاج الجيد، إضافة إلى التصرير الموفق في استخدامه للإضاءة واختياره لكادرات وزوايا تصوير قوية ومعبرة.
أما الموسيقى التصويرية فلم في المستوى المتوقع من فنان مثل (كمال بكير)، وأخيراً، فان فيلم (زمن حاتم زهران) كان مشروعا ناجحا لمخرج جديد.
وفي النهاية نقول رحم الله (نور الشريف) الذي جازف بإنتاج فيلم يرصد فساد المجتمع من ناحية، ومن ناحية أخرى قدم مخرجا جديدا (محمد النجار) لخوض تجربة الإخراج لأول مرة ونجح نجاحا كبيرا في تحقيق طموحه.