بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
(حياة الماعز) الفيلم الذي أثار ضجيجاً متعمداً، ليس سوى حلقة جديدة ضمن حلقات استغلال فن السينما في نشر الكراهية بين سكان الكوكب وإثارة الفتنة بين الشعوب، إنه دس لسم يحمله صناعه في عسل سحر السينما وقدراتها التأثيرية على عقول ومشاعر الناس.
عجيب أمر الإنسان، لا يترك شيئاً على حاله، لم يكتف بانتهاكه للطبيعة وإثارته غضبها ودفعها لمعاقبته بما نتابعه يومياً من كوارث طبيعية في أنحاء الكوكب، وما يخلفه التغير المناخي الناجم عن تجاوزات البشر في حق البر والبحر والجبال والفضاء من تطرف في الحرارة وتطرف في البرودة.
وأفسد ما اخترعه السابقون لإسعاد البشر وتيسير الحياة على الناس، اختراعات كثيرة لا مجال لحصرها استخدمت في عكس المستهدف من اختراعها، منها السينما.
(الأخوان لوميير) عندما اخترعا السينما وقدما عرضهما الأول عام 1875، كان هدفهما أن تكون وسيلة للتسلية والإمتاع، ولكن بعض صناعها أردوا شيطنتها وتحويلها إلى وسيلة لنشر الكراهية والبغضاء بين الناس وخلق فتنة بين الشعوب.
وتلاقت إرادة هؤلاء مع إرادة صناع السياسة الذين يسعون لتحقيق أهدافهم الخبيثة بكل وسيلة وأداة ممكنة، ووجدوا ضالتهم في السينما، هذا الفن الساحر الأكثر تأثيرا على الوجدان والأكثر تلاعباً بالعقول.
أكثر ما يشغل السينما الأمريكية هو الترويج لأمريكا (القاهرة للأعداء المتفوقة على الأرض الحامية لحقوق الإنسان القادرة على أن تطال العدو حتى لو كان في باطن الأرض)، وفي سبيل تحقيق ذلك فإنها تبرر حروبها حول العالم وتشيطن كل خارج من عباءتها وتتوعد كل من يخرج عن إرادتها.
السينما استخدمتها العديد من دول العالم للترويج لأجنداتها السياسية والتأثير على الرأي العام بها، وهو أمر مقبول، ولكن ما ليس مقبولاً هو استخدامها كأداة لنشر الكراهية بين الشعوب وإثارة الفتن بين العرقيات والديانات.
ليتحول هذا الاختراع الساحر من وسيلة للسمو بالمشاعر الإنسانية ولتجميع الناس حول ما يرتقي بتفكيرهم ووجدانهم إلى وسيلة لزرع بذور الحقد والضغينة ولتفريق الناس وتأجيج مشاعر الغضب بينهم.
الفيلم خلق جدلاً كبيراً
الفيلم الهندي (حياة الماعز)، الذي حقق نجاحاً كبيراً خلال عرضه في قاعات السينما الهندية، وخلق جدلاً كبيراً بعد أن تقرر نشره عالمياً عبر منصة (نتفليكس)، المنصة العالمية التي ترحب عادة بكل ما يثير الفتن أفلام.
فهي من أكبر الأدوات التي يستغلونها في إعادة تشكيل الإنسان عقلياً ووجدانياً ودينياً وشهوانياً بما يتوافق وأهدافهم الخبيثة.
صاحَب عرض (حياة الماعز) على المنصة العالمية حالة من الضجيج والفوضى الكلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك من يرونه عملاً عظيماً يفضح استعباد الكفيل السعودي للعامل الهندي وسلبه أبسط حقوقه الإنسانية والتعامل معه بأقصى درجات القسوة والعنف.
ومنهم من يراه متجنياً على أهل المملكة وتشويه متعمد للشخصية الخليجية، ومنهم من يراه فيلماً خبيثاً يحمل رسائل غير مباشرة للنيل من الدين الإسلامي، ومنهم من استغله للشماتة في السعودية، ومن هرول لجمع فيديوهات لممارسات عنيفة ارتكبها سعوديون وخليجيون ضد العمالة الوافدة لتأكيد أن الفيلم يقدم الحقيقة.
إقرأ أيضا: (حياة الماعز).. (فيلم هندي) يستهدف تشوية صورة السعودية بطريقة فجة !
وأن ما جاء ضمن أحداثه قليل من كثير، ومنهم من كان صاحب تجربة ناصعة في السعودية وغيرها من دول الخليج، وتطوع بسردها لدحض مضمون الفيلم وإظهار ما به من تشويه متعمد.
كل شخص شاهد فيلم (حياة الماعز) قرأ الرسالة المستهدفة منه حسب رؤيته أو تجربته أو موقفه من المملكة ودول الخليج، وأياً كانت الرسالة التي وصلت إلى كل مشاهد، فإن رسالة صناع الفيلم خبيثة وخالية من أي براءة، وهدفهم واضح للأعمى والبصير وهو تشويه صورة دول الخليج العربي وليس السعودية وحدها.
الفيلم كما قالوا مأخوذ عن قصة حقيقية، تم طرحها سابقاً في رواية، وهى حكاية شخصين قدما من الهند للعمل في السعودية مثل الملايين الذين يسعون لتحسين دخلهم وتحسين مستواهم المعيشي.
وفي المطار تعرضا للنصب من قبل سمسار عمالة أوهمهما أنه كفيلهما وأخذ منهما جوازات سفرهما، ليأخذهما إلى “حياة الماعز” في مزرعة للماعز والغنم والإبل في قلب الصحراء، تبعد عن العمران والطرق مئات الكيلومترات لتكون بمثابة سجن مفتوح للبطل، ولرفيقه الذي يعمل في مزرعة أخرى لها نفس الظروف.
الفساد القيمي والأخلاقي
وداخل المزرعة يكشف الفيلم عن الفساد القيمي والأخلاقي في تعامل ما اعتبراه كفيل معهما بأسلوب لا إنساني.
بداية فإن هذين الشابين قبلا أن يعيشا (حياة الماعز) بمجرد خروجهما من المطار، شابان فاقدا الوعي، مسلوبا الارادة، انساقا خلف هذا النصاب من دون التأكد من هويته.
وقبلا معاملته السيئة لهما من اللحظة الأولى عندما نهرهما وألزمهما بالركوب في صندوق سيارته الخارجي بطريقة فظة وهو وحده في كابينة السيارة،وهو سلوك يفضحه ولو كانا لا يستحقان (حياة الماعز) لرفضا تعامله وكشفا أمره!
الفيلم أراده صناعه قاتماً سوداوياً قاسياً مثيراً للفتنة متجنياً على الشخصية السعودية، ولذا فقد تجاهل الحقائق الواردة في الرواية الحقيقية، حيث قام البطل العامل الهندي (نجيب) بقتل السعودي الذي عذبه.
إقرأ أيضا: بهاء الدين يوسف يكتب: (حياة الماعز).. قسوة الغربة وجريمة الوطن!
وبعد أن انتشرت قصته في منطقة (حفر الباطن)، حيث دارت الأحداث الحقيقية جمع له السعوديون الدية حتى ينال العفو عنه ويعود إلى بلاده، ونتيجة المعاملة الطيبة التي لاقاها من الناس، أشهر إسلامه وهو ما تجاهله الفيلم أيضاً.
وأضاء فقط بشكل عابر على الرجل السعودي الذي أنقذه من قلب الصحراء وأعاده في سيارته للمدينة.. إنكار الفيلم للوقائع الإيجابية وتركيزه على الوقائع المظلمة، يؤكد عدم براءة صناعه من نية تصدير الكراهية وخلق فتنة.
صحيح أن نظام (الكفيل) عليه ملاحظات، ولذا فقد تم تعديله أكثر من مرة، وصحيح أن ذوي النفوس المريضة يستغلونه بصورة سيئة، وصحيح أن البعض يتغرب ولا يحقق الهدف المنشود من وراء غربته ويخسر سنوات من عمره بلا جدوى.
ولكن صحيح أيضاً أن في دول الخليج ما يقرب من 9 مليون هندي يعملون، منهم 1.8 مليون في السعودية، وبعضهم حقق ثراءً كبيراً وأنشأ إمبراطوريات تجارية واقتصادية ملأت شهرتها الآفاق، وأصبحت لها فروع في عدة دول ولم تأت على ذكر قصص نجاح أي منهم السينما الهندية.
ولو تحدثنا على الفيلم كصناعة سينما فهو مصنوع بحرفية عالية إخراجاً وتمثيلاً وتصويراً واختياراً لمواقع التصوير، وما يؤخذ عليه فقط هو التطويل في رحلة الهروب من المزرعة ومعاناة البطل ورفيقيه في قلب الصحراء.