كتب: محمد حبوشة
لاشك أن مسلسلات دراما (الفورمات) التركية، أو دراما مايسى (النسخ – لصق) في السنوات الأخيرة حظيت على متابعة جماهيرية واسعة، ومشاهدات بنسب عالية جدا، ولكن: هل المشاهد العربي ينجذب فعلا إلى هذا النوع من (الدراما المعربة) يا ترى؟
الأمر المؤكد أنه باتت الإجابة الأكثر وضوحا من غيرها بأن انجذاب المشاهد لهذا الصنف الدرامي جاء بسبب أنه وجد فيها حياة لا تشبه حياته في الواقع العربي، قصص خيالية دعت المشاهد للهروب من واقعه ونسيانه!
ولقد لوحظ تصدرت جميع مواقع التواصل الاجتماعي صور وبوسترات لفنانين سوريين جاؤوا بها بدائل الفنانين الأتراك عن مسلسلات تركية، سيتم تصويرها من جديد أو تم تصويرها، وكأنها ستعرض لأول مرة!.
فنرى موجة (الدراما المعربة) قد بدأت بمسلسل (عروس بيروت)، ولم تنته عنده، فهناك (ستيليتو، ع الحلوة والمرة، الثمن، كريستال، الخائن،) وصولاً إلى مسلسل (لعبة حب) الذي انتهت حلقاته الاثنين الماضي، بعد أن غرق في سخافة الكوميديا والتطويل الذي لامبرر له.
وبسببه واجه النجم السوري (معتصم النهار) موجة من الانتقادات اللاذعة بعد مشاركته في مسلسل (لعبة حب) النسخة المعربة من المسلسل التركي الشهير (حب للإيجار)، بدور (مالك) مصمم الأحذية ورجل الأعمال.
وتناولت الانتقادات التي طالت (معتصم النهار) بشكل أساسي أداءه، حيث اعتبر العديد من المتابعين أنه قام بتقليد بطل النسخة التركية، بشكل أعمى ومبالغ فيه، خاصة فيما يتعلق بنص الحوار.
انتقاد (معتصم النهار)
انتقد عدد من المتابعين التقليد الأعمى والمبالغ فيه الذي لاحظوه بأداء الممثلين عن النسخة التركية، خاصة بجزئية الحوار، مشيرين إلى أنهم لم يتوقعوا ذلك أبدا بل كانوا ينتظرون أن يحدث الممثلون المشاركون في العمل أي تغيير فيه.
وبحسب الكاتب الصحفي (وسام كنعان): تعرضت صناعة الدراما التلفزيونية السورية قبل سنوات لعطب بالغ بسبب (موضة) دوبلاج المسلسلات التركية، التي أُطلقت بالاعتماد على منتجين سوريين.
فمنذ بداية الألفية، ازدحم السوق الفضائي بأعمال تركية مدبلجة، معتمدة على ورقة رابحة وهى اللهجة السورية التي غزت العالم العربي، بالاستفادة من المسلسلات المحلية الشامية منها على وجه الخصوص، والتي ظلت رائجة حتى في سنوات الحرب.
وأرست صنعة الدوبلاج تلك دعائمها بمعية الشركات السورية، وأؤلها (سامة) التي دبلجت المسلسلين الشهيرين (سنوات الضياع، ونور)، فيما تناولت الأقلام النقدية تلك الظاهرة معتبرة أنها مجرد (موضة) ربما تكون عابرة، لكنها ساعدت بشكل أو بآخر على تفريغ الدراما الوطنية من مضامينها، وغرّبتها عن الواقع الذي نعيشه.
فضلا عن أنها تستوحي جوهرها من صراعات خاوية، وتناحرات بين رجالات مال وقصص حب بسيطة، لا تشبه بشكل من الأشكال البيئة التي نعيش فيها.
عموما تخلص التجربة النقدية لكون الدراما السورية تمكنت من حصد اهتمام وانتشار لافت بذريعة تماسها المباشر مع القضايا الصغرى للمواطن، إضافة إلى تصديها لقضاياها الكبرى في أعمال حفرت مكانها في وجدان المشاهد، كما حصل مثلا مع (التغريبة الفلسطينية) كتابة (وليد سيف)، وإخراج الراحل (حاتم علي).
ومع ذلك، ظلت هذه الآراء غير مجدية، لا تنفع ولا تضر في مواجهة الموجة التي استمرت بوفرة، إلى درجة أن الأعمال المدبلجة حجزت مكانها على كامل الفضاء العربي.
الأمر لم يتوقف هنا، بل تعداه بأشواط عندما تطورت هذه الموضة وراحت نحو (الدراما المعربة) عن الأعمال الأجنبية، وإعادة كتابتها وتصويرها في الوطن العربي، ومن ثم اقتطاع حصة وافرة من الدعاية والإعلان لمثل هذه الأعمال، كونها تحقق أعلى نسب مشاهدة.
التركيز على الطبيعة الساحرة
ولعل آخر ما حرر من هذه الأعمال – تم عرضه خلال الشهور الماضية – وهو بعنوان (لعبة حب)، إعداد السيناريو (رغدة الشعراني)، إخراج (فيدات أويار)، بطولة: معتصم النهار، نور علي، أيمن عبد السلام، شكران مرتجى، أيمن رضا، ساشا دحدوح) وآخرون.
تبدو في (لعبة حب) العروض الفارهة ومواقع التصوير التي تركز على الطبيعة الساحرة، واللهو المستمر والبناء الدارمي المهلهل، الخالي من أية عناصر جذب، رغم الإبهار البصري الذي تعتاده العين بعد حلقات عدة، ويصبح بلا أي معنى في غياب التصعيد اللازم في جوهر الدراما ومنطق الصراع.
وعند الحديث عن خفة الظل التلقائية والبعيدة عن محاولات الاصطناع، يمكن الاتجاه إلى بعض الجوانب الكوميدية التي تفرضها مثلا خشبة المسرح، أو الكوميديا التلفزيونية التي أسست لهذا الفن على مر السنوات.
وهى فرصة لنقل وجهة نظر المؤدي عن الواقع المحيط بالمتلقي بخفة ومضمون جاد يتخذ إطار الكوميديا و(الإفيهات)، كما كان يحصل في مسلسلات الفنان الراحل (سمير غانم)، أو مسرح (عادل إمام).
ولأن الدراما أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة الناس فى أى مجتمع؛ فقد غدت تؤثر بشكل كبير فى إعادة تشكيل بعض سلوكيات الناس سلبا أو إيجابا؛ فالدراما بالأساس تعكس ثقافة المجتمع، وخاصة الدراما المعربة عن التركية، هنا أضرب مثالا بمسلسل (لعبة الحب) نموذجا.
أزمة فى الشكل والمضمون
ولا يخفى على الكثير من النقاد والمهتمين بالفن والأدب والثقافة عموما ما تمر به الدراما العربية الحالية من أزمة كبيرة فى الشكل والمضمون، خاصة فى الآونة الأخيرة، في ظل سيطرة الدراما المعربة التي ينطبق عليها (قنطار خشب ودرهم حلاوة).
لقد أصبح من يقفون خلف (الدراما المعربة) يستوردون أفكارا غربية يتم تغليفها أو تركية بغلاف عربى ويفرضونها على ثقافتنا العربية؛ مما يؤدى إلى انحرافات ثقافية، وكأنهم يدعمون مشروع الإمبريالية الثقافية الذى تقوده الرأسمالية الأمريكية.
ظني أنه تبدو أعمال (الدراما المعربة) في ظاهرها نشاذا على المجتمع العربي، والغريب أن هناك نوعياتها منها تشبه مسلسلات الصابون الأمريكية من حيث سذاجة الأفكار، وهو ما لاحظته في مسلسل (لعبة حب) الذي يتمتع بقدر هائل من المط والتطويل السخيف، بالإضافة إلى سخافة القضايا والصراع.
وقد تباينت ردود فعل رواد مواقع التواصل بعد مشاهدة الحلقات الأولى لمسلسل (لعبة حب)، حيث أشاد القليل به وبقصته التي تقدم بشكل كوميدي، في حين هاجم القسم الأكبر صناع العمل والقائمين عليه مؤكدين أنهم لم يقدموا أي جديد ولم يبذلوا أي مجهود لتقديم شي مختلف نوعا ما عن النسخة الأصلية للمسلسل (التركية).
كذلك انتقد عدد من المتابعين التقليد الأعمى والمبالغ فيه الذي لاحظوه بأداء الممثلين عن النسخة التركية، خاصة جزئية الحوار، مشيرين إلى أنهم لم يتوقعوا ذلك أبدا بل كانوا ينتظرون أن يحدث الممثلون المشاركون في العمل أي تغيير فيه.
وهنالك سؤال يطرح بكثرة مع زيادة الإنتاج حول ما يعرف بـ (الدراما المعربة)، خاصة أن تلك الأعمال المستنسخة، تمت مشاهدتها سابقا بنسختها المدبلجة إلى اللغة العربية.
وقلة قليلة من هذه المسلسلات، حاول المشرفين عليها من كتاب عرب، الاجتهاد فيها والتذاكي باللعب في بعض الخطوط الدرامية، أو التدخل في شكل النهايات، ولكن غالبا لا يحدث ذلك فرقًا كبيرا، بل تخرج النسخة المعربة أقل وهجًا من التركية!
وبعد كل مامضى: هناك من اعتبرها موضة – غيمة سودة وبتعدي – خصوصا من لديه شيء من التعصب تجاه الدراما العربية، والمحلية، أقصد هنا السوريون، كون الدبلجة كانت باللهجة السورية، والأعمال التركية أثرت على تواجد الدراما السورية في المحطات العربية.
وبالتالي نوعية الأعمال المنتجة، حيث صار جل الاهتمام منصبا باتجاه نوع معين من الإنتاجات، دون أن نغفل عن ذكر تأثير الحروب الدائرة في منطقتنا على ذلك.
ومن ثم نرى واضحا تراجع حضور (الدراما المعربة) قليلا، حيث مل المشاهد العربي رؤية كل ذلك الذهب الذي يلمع، أدرك زيف هذا اللمعان – حتى أنصارها – واشتاق بتوق للمسلسلات التي تحاكي همومه، وأوجاعه، وأحلامه، عبر نصوصٍ أصلية مبتكرة، بعيدا عن الأفكار الساذجة، والقصص التي لا تقترب من عاداتنا وتقاليدنا.
إحياء العصر الذهبي (للريتينج)
والآن ينبغي على المحطات العربية ونذكر هنا مجموعة قنوات mbc، ألا تسعى لإعادة إحياء العصر الذهبي (للريتينج) الذي حققته لها المسلسلات المدبلجة، وألا ترى إعادة إنتاج المسلسلات التركية بممثلين سوريين ولبنانيين، فقد مل الجمهور العربي هذه الموجة من (الدراما المعربة).
ومن ثم يبقى على قنواتmbc أن تعيد النظر في الشروط الفنية للمسلسلات التركية، وشروط البهرجة والامتاع، لناحية البناء الدرامي الفني، مستفيدة من وجود منصة رقمية (شاهد)، تدعم تواجدها الإعلامي، وبهذه الحالة تجمع حولها كافة شرائح الجمهور، وتلبي رغباتهم وتغرقهم بالمواد الترفيهية.
العديد من الأسئلة والمخاوف تثار مؤخرا حول خطر الاستحواذ الثقافي وتأثير (الدراما المعربة) على الهوية العربية، وهل هذا التوجه نحو إنتاج وترويج (الدراما المعربة) يشكل تهديدا حقيقيا للثقافة والهوية العربية.. نرجوا الإجابة الحاسمة رأفة بالمشاهد العربي!