بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
(نينا) هو اسم بطلة الدراما الفنلندية الحديثة (ِArctic Circle) ،أو الدائرة القطبية، الاسم ذكرني على الفور بواحدة من أشهر الجمل السينمائية في خمسينات وستينات القرن الماضي على لسان النجم الراحل عماد حمدي (مساء الخير يا نينا)، لكن أداء الممثلة التي تجسد الشخصية وصل بي إلى العيش في زمن النجمة (نادية الجندي) أطال الله في عمرها.
عنصر الجذب الأساسي الذي دفعني لمتابعة المسلسل أنه إنتاج فنلندي، وبالتالي سيوفر لي فرصة التعرف على مجتمع لا نعرف عنه سوى أنها كانت مقر شركة (نوكيا) أول وأشهر شركة في العالم لصناعة الهواتف المحمولة.
بطلة المسلسل المكون من 3 أجزاء هي (لينا كوستنين) وتحمل في الحلقات اسم (نينا)، شرطية في مدينة نائية في فنلندا تسمى (لابلاند)، تقع بالقرب من القطب الشمالي وهو سبب تسمية المسلسل، وتواجه (نينا) في كل جزء جريمة تسعى إلى حلها.
في مسعاها لتحقيق العدالة تطبق (نينا) قوانينها الخاصة التي لا تتوافق مع القوانين التي تحكم عمل الشرطة خصوصا في البلاد المتقدمة، ناسخة بذلك أدوار (نادية الجندي) في أفلام فترة الثمانينات التي لا أزال اتذكر عبارة تكررها في عدة مشاهد من أحد أفلامها (أنا برّاوية ومحدش يقدر عليا).
(نينا) تحل في الجزء الأول لغز مقتل عدد من فتيات الليل الروسيات في بلدتها الصغيرة بعدما فشلت الشرطة والمخابرات الفنلندية والروسية معا في حل اللغز.
وهى لم تكتف بذلك فقط وإنما ساهمت في إنقاذ إحدى الفتيات التي وجدتها على قيد الحياة، وساعدت في منحها هوية جديدة وإقامة في (فنلندا) التي لا تمنح هذه الميزة للاجئين من الأصل، لكن مع (نينا) كل شيء مباح.
في الجزء الثاني يكبر الموضوع في رأس (نينا) فتقوم بحل معضلتين في مشوار واحد، تصل إلى القاتل الحقيقي للاعبة جودو أوليمبية، ونكتشف أنه والدها الذي انفصل عن والدتها وعنها منذ طفولتها.
وفي نفس الوقت تقضي على عصابة روسية تخصصت في اصطياد المجرمين واستعمالهم كفرائس حية لعدد من المليارديرات المهووسين بالصيد والقتل.
مواهبها مع علوم المستقبل
أما في الجزء الثالث تستعرض مواهبها الخارقة مع علوم المستقبل، حيث تكنولوجيا صناعة السيارات الكهربائية التي يحاول أحد أكبر صناعها في أمريكا إقامة مصنع في مدينة (لابلاند) على غير رغبة المواطنين وتقع جرائم قتل وسرقة لا ينجح في حلها سوى (نينا).
رغم أنني أكملت مشاهدة كل حلقات المسلسل بأجزائه الثلاثة (21 حلقة) لإشباع فضولي في التعرف على المجتمع الفنلندي الغامض بالنسبة لي.
إلا أنني خرجت منه بانطباع بالغ السوء عن الدراما الفنلندية التي حاول صناعها نسخ (الخيابة) التي تتميز بها أفلام الأكشن في هوليوود من عينة (تيرميناتور، ورامبو)، حين يجعلون البطل خارقا بالعافية، يتلقى مئات الرصاصات دون أن يجرح حتى بينما رصاصة واحدة منه كفيلة بقتل عصابة بأكملها.
سيناريو المسلسل ضعيف وغير احترافي، بداية من المبالغة في تصوير قدرات (نينا) الخارقة دون مبرر، مرورا بالإصرار على جعلها فتاة أحلام كل الرجال في المسلسل، رغم أنها عادية الجمال، فضلا عن أنها أم عزباء لطفلة مريضة بمتلازمة داون، حتى أنها في كل جزء لها أكثر من حبيب أحدهم معلوم والباقون مجهولون.
كذلك يفرض علينا المسلسل أن نتعاطف (بالعافية) مع البطلة رغم انها رعناء متهورة متمردة فضلا عن كونها (خرّابة بيوت)، حين خطفت بطل الجزء الأول وهو طبيب من زوجته وابنته ثم تركته في نهاية الجزء مطلقا مدمرا.
لم يهتم السيناريست بالمنطق
لكن الأهم أن التغيرات التي تطرأ على سلوكيات الأشخاص في العمل ليست منطقية ولم يهتم السيناريست ولا المخرج (بمنطقتها)، كأنهما يطبقان الشعار القديم على المشاهدين (حبها أو اتركها ولا تصدع رأسنا).
فمثلا لم يتعب الاثنان نفسهما لتوضيح سبب تحول حبيب (نينا) وأبو طفلتها من وغد حقيقي ومدن كحول و(صايع كما نقول بالبلدي) إلى أب نبيل يتبرع بكبده لطفلته التي لم يكن يريد رؤيتها حتى دقائق قليلة قبل قراره بالتبرع بكبده.
باختصار مشاهدة المسلسل وفرت لي متعة الاقتراب من مجتمع وسكان جدد لم أرهم من قبل، كما غمرتني بشعور شتوي لذيذ أبعدني افتراضيا عن حر ورطوبة القاهرة، عبر متابعة الأحداث التي يجري معظمها في مناطق جليدية.
لكن العمل أقنعني بتخفيف نقدي للدراما المصرية عملا بالحكمة المصرية التي تقول: (لن تعرف قيمة أمك حتى تعيش مع زوجة أبوك).