بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
ذكرنا من قبل أن أساس العقيدة المصرية القديمة هى (التوحيد)، فقد كان المصريون القدماء يعبدون الله خالق السموات والأرض والإنسان من الطين ونفخ فيه الروح، وتلك العقيدة انحرفت، وأضاف المصريون آلهة مزعومة إلي عقيدة (التوحيد).
ولكن من هؤلاء الآلهة التي أضيفت إلي عقيدة (التوحيد)؟، أن المصريون القدماء يجبون بأن هذه الآلهة مخلوقة (أي بشر.. رفعوا إلي مصاف إلاهي، من قبل الكهنة.
ومن خلال ما وصل إلينا من برديات، وكتابات جدارية سوف نجد أن المصريين وضعوا تاسوع إلهى، على رأسه آتوم أو آدوم، وهو آدم أبو البشر جميعا، وألهوه واعتبره خالق لأن الجنس البشري كله من آدم عليه السلام.
وفي هذا التاسوع سوف نجد أوزيريس، هذا الشخص الذى عاد من الموت للحياة، فهل لهذه العقيدة أصل في الحياة الإنسانية؟
ولكى نجيب على هذا السؤال نعود إلي الأسطورة نفسها، فهي تتحدث عن مقتل الإله أوزوريس ملك مصر البدائ ، وعن الصراع بينه وبين شقيقه ست، وانتهى بمقتل أوزيريس ولكن زوجته إيزيس باستعادة جسد زوجها، وتحمل منه بحورس.
ولكن هذه الأسطورة وصلت إلينا بأكثر من شكل عند المصريين القدماء، ففي بعض نصوص البرديات نجد أن حورس عندما عثر على جسد أبيه الميت وضعه في تابوت وحمله في مركب.
وعندما جنحت المركب عند الساحل، فتح التابوت ، وعاد أوزيريس للحياة، وقبل هذا كان صوت يكلم أوزويريس في التابوت، إنني أنا الإله الذي يتجسد في النور، إنني أنا الإله المهيمن على الجميع إن قلبي لقائم على رعايته وحمايته.
فهذه الأسطورة بها إضافات واختلافات كثيرة، ويذكر علماء الآثار أن أسطورة أوزويريس وصلت إلى شكلها الأساسي في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد أو قبله، ونشأت العديد من عناصرها من أفكار دينية لكنها لا تنتمي لعقيدة (التوحيد).
ظهور أسطورة أوزويريس
أما بالنسبة إلى صراع حورس وست ربما كان مستوحى جزئيًا من صراع إقليمي في عصور ماقبل الأسرات وما بعدها، لقد حاول العلماء التعرف على الطبيعة الدقيقة للأحداث التي أدت إلى ظهور القصة، لكنهم لم يتوصلوا إلى استنتاجات نهائية.
ولكن ما هي الأفكار الدينية التي أدت إلي ظهور أسطورة أوزويريس؟ وتظهر الإجابة على هذا السؤال من خلال البرديات التي خلفها الكهنة، فقبل عصر الملكية الفرعونية، قامت الربة إيزيس بتلقينها لكهنة مصر الأوائل.
ولهذا قد خصصت كبداية للأسطورة الأوزويرية، حيث كانت تعمل هذه الأسطورة، على إحياء ذكرى تسلسل أحداثها الرئيسية.
إذا أوزويريس هو رجل عاش قبل عصر الملكية الفرعونية، فلم تكن تأسست الملكية في مصر القديمة بعد، وأن هذا الرجل قد قام من الموت وعاش فترة بعد ذلك ومات، والكهنة اخترعوا، حكاية وهمية بأن إيزيس أخبرتهم عن قصة هذا الرجل.
ولكن من أين أتي المصريون بتلك العقيدة التي تؤمن بـ (التوحيد)؟ فهل يوجد رجل في الجنس البشري مات وعاد إلى الحياة ثم مات بعد ذلك؟، فلقد حاول علماء الآثار التعرف على الطبيعة الدقيقة للأحداث التي أدت إلى ظهور القصة، لكنهم لم يتوصلوا إلى استنتاجات نهائية.
الموت والعودة للحياة
وكما توصلنا إلى معرفة آدم عند المصريين القدماء وعقيدة (التوحيد)، نحاول الآن التوصل إلي الشخصية الحقيقية لأوزويريس، ومن أين أتي المصريون القدماء بهذا الشخص ونسجوا حوله معتقد؟
ونجيب بأن هذا الشخص الذي مات وعاد إلي الحياة ثم مات هو حقيقة مؤكدة في التاريخ البشري، وهو آية من آيات الله في الأرض، وقد ذكره الله في سورة البقرة (أَوۡ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرۡيَةٖ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحۡيِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٖ ثُمَّ بَعَثَهُۥۖ قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَۖ قَالَ لَبِثۡتُ يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۖ قَالَ بَل لَّبِثۡتَ مِاْئَةَ عَامٖ فَٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ يَتَسَنَّهۡۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجۡعَلَكَ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِۖ وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَيۡفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡمٗاۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعۡلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ).. (259) سورة البقرة.
وسبحانه وتعالى جعل هذا الرجل آية للناس، فهذا الرجل قد وجد بالفعل في الجنس البشري، وفي التفسير يقال أن أسمه عُزير(بضم العين)، وإذا عدنا إلى أسم أوزويريس ، نجد أن أسمه أُوزير(بضم الألف)، وليس أوزيريس، فالياء والسين إضافة وفق اللسان اليوناني.
ففي اللسان المصري القديم نطق أوزير، وقد حرفت قصته ونتج عنها الديانة الأوزويرية في مصر القديمة، والتي تقول أن الإله مات وقام ثانية، وهذا ما نجده في الديانات المحرفة والوضعية.
ولكن أصل القصة هو هذا الرجل، والدليل تحريف قصته في التاريخ في مصر القديمة، وبهذا نكون قد تعرفنا على آدم، وعلى أوزير في التاسوع المصري القديم، وقد ظهرت هذه الشخصيات في المسرح المصري القديم، وتم عمل مسرحية خاصة بأوزير والتي سميت بـ (مسرحية الأسرار)، وقد عرضت لآلاف السنين وشاهدها هيرودوت.
وهذا بعد تحريفها، فقد استعاروا شخصية أوزير، ونسجوا حولها أسطورة دينية محرفة.