بقلم المفكر الكبير الدكتور: ثروت الخرباوي
سؤال سبق وأن طرحته من قبل ولكنني مضطر لطرحه مرة ثانية، هذا السؤال هو: من هو (نمبر ون) من الفنانين؟ للأسف لن تجد إجابة واحدة، ولكنك ستجد إجابات مختلفة ومتنوعة.
فهكذا هي طبيعة الناس، خلقنا الله مختلفين في الأفكار والأذواق والآراء، كما أنه من المستحيل أن يكون فنانٌ ما هو (نمبر ون) وحده دون غيره، فـ (نمبر ون) هى قمة تتسع لعدد لا حصر له من الفنانين.
ونفس الأمر ينطبق على المهن الأخرى، أطباء ومحامين وأدباء وشعراء ونحاتين ورسامين ووووو، الساحة يا سادة تتسع للجميع، كل واحد من الممكن أن يكون له نظراء في التفوق، الله وحده يا سادة هو الواحد الأحد، الذي ليس له نظير ليس كمثله شيء، هو الواحد لأنه واحد.
وهو الأحد ليقطع النظراء عنه فلا نقول هناك ثان أو ثالث أو رابع له، إذ ينقطع العد عند الواحد ليصبح لا عدد بعده ولا عدد قبله، فهو الذي لا نظير له.
لذلك نقع جميعا في خطأ حينما نقول إن الفنان فلان هو (نمبر ون)، والصحيح هو أن القمة ليست قمة هرم مساحتها متر في متر يقف عليها شخصٌ واحد لا مثيل له، ولكن القمة أيها السادة الكرام ممتدة بحيث تتسع لكل من يصلون إليها ولو كانوا بالآلاف.
ولنا في فريق من الفنانين أكبر مثل لذلك، نجد أن القمة اتسعت لهم جميعا، فعندك مثلا من القدماء ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ (زكي رستم ومحمود المليجي وزكي طليمات ويوسف وهبي وصلاح منصور وشكري سرحان ورشدي أباظة ويوسف شعبان) وووووو.
ومعهم طبعا من الفنانات (فردوس محمد وفاتن حمامة وشادية ومريم فخر الدين وسعاد حسني ونعيمة عاكف ونادية لطفي) ووووو، وبالطبع لن أستطيع عدهم ولا حصرهم.
أما الآن فعندنا (خالد زكي وكريم عبد العزيز، وياسر جلال، وعمرو سعد، وأمير كرارة، وطارق لطفي، ومجدي فكري، وعبد العزيز مخيون، ومحمود البزاوي، ومحمد أبو داوود، وماجد الكدواني، ومحمد ممدوح)، وطبعا الكبير (يحيى الفخراني) ووووووو.
أمير كرارة
ومن الفنانات (ليلى علوي ويسرا وعبلة كامل وشيرين رضا وماجدة زكي ومنة شلبي ومنى زكي وحنان مطاوع ودنيا سمير غانم وريهام عبد الغفور) وهم كثرة بحيث لا أستطيع عدهم ولا حصرهم، ولكنني أريد اليوم أن أتوقف عند ثلاثة فقط، هم (أمير كرارة، وياسر جلال، ومحمد ممدوح).
نبدأ بكلام معاد ومكرر هو أن الممثل ليس كأي شخص، فهو يجب أن يندمج إلى حد ما في الشخصية التي يؤديها، ويجب عليه أن يدرس تطور هذه الشخصية الدرامي والفكري والنفسي، ويضع تصور لكيفية أداءه لهذه الشخصية بحيث يبدو كأنه هو.
هذا الأمر يحتاج من الممثل الخبرة والثقافة، لذلك فإن بعض الممثلين بدأ صغيرا ثم أكسبته الخبرة والثقافة دراية كبيرة بكيفية الأداء، بحيث لا يكون هو نفسه عندما يؤدي كل الشخصيات، نفس الانفعال ونفس الإلقاء ونفس طريقة التعبير مهما تغيرت طبيعة الشخصيات.
في هذه الحالة أنا لا أرى الشخصية ولكنني أرى الممثل، وقد يعجبني الممثل فعلا ولكنني أفقد القدرة على الإندماج مع الشخصية التي يؤديها، لدرجة أنني أكاد أرى في بعض الأحيان الكاميرات وهى تصوِّر هذا النوع من الممثلين في مشاهدهم.
ولا أريد أن أضرب المثل ببعضهم أو بعضهن حتى لا أسبب حرجا لأحد، ولكن لهؤلاء أقول إنهم يجب أن يشاهدوا أفلام كبار الممثلين العالميين، شاهدوا (مارلون براندو، وآل باتشينو وما يكل دوجلاس وجاك ليمون وجاك نيكلسون وروبرتو دي نيرو وروبن ويليامز) وغيرهم من الكبار.
شاهدوهم في كل أدوارهم ستجدون أنه عندما يؤدي دوره تختفي شخصيته هو، وتظهر أمامنا فقط شخصية الدور الذي يؤديه.
ندخل الآن إلى (أمير كرارة)، بدأ صغيرا، ولكن بداياته أظهرت موهبته، ولاشك عندي أن الله أعطى (أمير كرارة) موهبة وقبول، ثم من بعد ذلك أحبته الكاميرا، والممثل الذي تحبه الكاميرا تظهره دائما ولو كان في زاوية بعيدة، فهو من النوع الذي يقال عنه إنه يسرق الكاميرا.
لذلك أستطيع القول بكل ثقة وبالفم المليان إن (أمير كرارة) هو زعيم عصابة سرقة الكاميرات، ورغم أن كرارة لم يدرس في أحد المعاهد الفنية، ولكنه درس السياحة والفنادق، وأظن أنه التحق بورش للتدريب على التمثيل.
كما أن دراسة السياحة والفنادق أعطته قدرا من الثقافة والمعرفة خصوصا في تاريخ مصري القديم الذي يتم تدريسه في هذه الكلية، كما أن الفندقة نفسها هى نوع من أنواع الفنون.
والرائع في كرارة هو أنه حينما بدأ صغيرا وأظن أن ذلك كان في نهاية القرن العشرين، إلا أنه ارتقى سريعا، وبعد الأدوار الصغيرة أثبت وجوده في البطولات.
ولكن هناك بُعدا أضاف لكرارة الكثير، هو أنه في بداية شبابه كان رياضيا، حيث كان لاعب كرة طائرة دولي، ولاعب كرة اليد يتميز بسرعة رد الفعل، هي رياضة تتضمن تدريب البديهة، والمبادرة والفاعلية والجماعية، كما أنه ما يزال يمارس الرياضة بشكل فردي.
وهي صفات ساعدته كثيرا وأكسبت موهبته زخما، وأعطته لونا افتقدناه كثيرا، هو لون البطل، لا البلطجي، فلا يمكن أبدا أن يصبح البلطجي بطلا لفيلم أو مسلسل، فعبر تاريخ الدراما المصرية كانت شخصية البلطجي تأتي دائما في المرتبة الثانية أو الثالثة، أو أن يكون دوره في العمل جانبيا.
ولكن (كرارة) هو البطل المصري، فلا يمكن أن ننسى دوره في فيلم (حرب كرموز) وهو يؤدي دور الضابط المصري الوطني الشجاع، ولا يمكن أن ننسى دوره في ثلاثية (كلبش( الذي أدى )يها دور الضابط الذي تم اتهامه ظلما بالقتل.
وحينما غابت العدالة عنه أخذ يبحث بنفسه عن العدالة مهما كلفه الأمر، ونراه في الجزء الأخير وهو يواجه الإرهاب، ناهيك عن دوره في (الاختيار)، وهو يؤدي دور (أحمد منسي) فقد نجح في تقمص الشخصية حتى أننا نسينا (أمير كرارة)، ولم نر أمامنا إلا أحمد منسي).
هذه أدوار رفعته إلى القمة، ملاحظتي الوحيدة عنه هو أنه يجب أن يهتم بطريقة الإلقاء وهو يمثل، إذ أنه يتكلم بشكل سريع فتضيع من فمه في بعض الأحيان بعض الحروف لسرعة خروجها من فمه، أنصحه بالتأني وهو ينطق الكلمات، والتأني غير البطء.
ولكن التأني يعني إعطاء كل حرف حقه في النطق، إن اهتم بهذا سيكون قد أوتي ثلاثية النبوغ، القبول والموهبة وبراعة الإلقاء.
ياسر جلال
ولندخل الآن إلى (ياسر جلال)، هو أيضا رياضي، وهو أيضا موهوب جدا، وتحبه الكاميرا، وفوق هذا فإنه درس التمثيل والإخراج دراسة أكاديمية في المعهد العالي للفنون المسرحية، وفيها أدى أدوارا كثيرة في مسرحيات عالمية لشكسبير وغيره.
ودرس فيها فن الإلقاء، وأدى في بداياته قبل التخرج دورا في مسرحية ألفريد فرج (رحمة والغابة المسحورة)، ثم أدى أعمالا في الإذاعة، والتمثيل فيها يعتمد على الإلقاء، وعلى الصوت ونبرته، ويجب أن تكون مخارج الألفاظ عنده واضحة.
لذلك تميز (ياسر جلال) في هذا الجانب، والأمر الآخر هو أن (ياسر) أحب التمثيل مذ كان طفلا وقد قام بدور في مسلسل (لا إله إلا الله)، حينما كان في الرابعة عشر من عمره حيث أدى دور (النبي عاموس) وهو طفل.
وأظن أن (ياسر) تأثر بوالده المخرج الراحل (جلال توفيق) – عليه رحمة الله، وقد يكون هذا المخرج الكبير قد أعطى ابنه البكري خبرات ظهرت في أداءه فيما بعد.
وقد وصل (ياسر جلال) لقمة نضوجه وهو يؤدي دور الفتوة حسن في مسلسل (الفتوة)، لم يكن بلطجيا ولكنه كان فتوة من فتوات القرن الماضي، هو صاحب المروءة والشجاعة والكرامة، هو الذي ينتصر للحق ويسعى لإقامة العدل مهما أصيب من جرَّاء ذلك.
في هذا المسلسل كنت أرى الفتوة الحقيقي ولم أكن أرى (ياسر جلال)، وهذا في حد ذاته نجاح، وفي مسلسل (ضل راجل) كان هو الرجل المصري الطيب الذي يسعى للحصول على حق ابنته التي وقعت ضحية لشباب عابث.
لم يكسر هذا الأب ابنته، ولكنه كان الأب الحقيقي صاحب الشهامة الذي حمل على كتفيه أحزان السنين، مع قلة المال، ولكن هذا لم يمنعه من الوقوف أمام الكبار ليحصل لابنته على حقها.
وفي (لمس أكتاف) كان هو المصارع السابق الذي اعتزل، وظل في نفسه يصارع اللحظات التي تسبب فيها بإصابة زميل له إصابة أقعدته، ورغم أن زميله قاطعه إلا أنه عندما عرف أن هذا الإبن وقع في براثن عصابة مخدرات انتفض ليقف برجولة مع صاحبه ليعيد له ابنه.
هذا غير قمة التقمص وهو يؤدي دور الرئيس (عبد الفتاح السيسي) في مسلسل (الاختيار)، والكلام قد لا ينتهي ولكن المقال يجب أن ينتهي.
محمد ممدوح
ولكننا لم نتكلم بعد عن (محمد ممدوح)، وهو شخصية عاطفية، وعنده القدرة على تقمص الشخصية التي يؤديها، أعطاه الله وجها مريحا، وطبقة صوته مريحة.
لفت (محمد ممدوح) نظري في مسلسل جراند أوتيل، فقد كان عملاقا وهو يؤدي دور أمين، ووصل إلى القمة وهو يثأر من زوجته ورد لخيانتها له، جمع في هذا المشهد بين الحب والضعف والقوة والإصرار، تخيلوا هو يثأر من المرأة التي أحبها، فكأن النيران كانت تحيط به من كل جانب.
وأظن أنه كان أصدق من أدى هذا المشهد في الدراما المصرية، ليس هذا من باب المبالغة ولكنها الحقيقة، ولكم أن تشاهدوا هذا المشهد لتعلموا كيف عاش (محمد ممدوح) في تلك اللحظة وكيف سيطر الحدث عليه.
وفي فيلم (الخلية) أجاد وهو يؤدي دور (محمد صابر)، وكذلك أجاد في فيلم (أهل الكهف)، وهو يؤدي دور قائد الجيش الذي يخفي إيمانه، إلا أن الغريب أن هذا الفنان استطاع القيام بأدوار كوميدية رغم جدية ملامحه.
هذا الوجه الجاد أعطاه الله خفة الظل، بلا افتعال يؤدي الكوميدي كما يقول الكتاب، وقد ظهر هذا في دوره في فيلم (بنك الحظ)، وفي فيلمه الأخير (X مراتي)، وكذلك في فيلم (وش في وش) الذي يعتبر من أفضل الأفلام الكوميدية الأخيرة.
نجح (محمد ممدوح) واكتسب حب الجمهور، واكتسب حبي أيضا، ولكن فليسمع مني هذه النصيحة: أنت أيها الفنان الكبير تحتاج إلى مران كبير على فن الإلقاء والخطابة، وتحتاج إلى التدريب على كيفية نطق الحروف، وتحتاج أكثر إلى التدريب على التنفس بشكل صحيح.
فالتنفس الصحيح هو أول ما نتعلمه في الإلقاء، لذلك أنصحك بالالتحاق بمدرسة (يوجا) فهي تؤهلك لهذا، الفرصة أمامك يا (محمد) لتكون واحدا من أعظم الفنانين في هذا العصر، فهل تُجهد نفسك وتقتنصها.