بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
(أحمد حلمي)، فنان شيّد قصراً عالياً من ثقة الناس فيه، قصر أساسه من الحب وأعمدته من حسن اختياره لأعماله، وحوائطه من التجويد والإبداع، وأرضيته من حبه لمصر وتعبيره عن هموم أهلها ورسائله التي تؤكد دائماً أنه شعبها يستحق الأفضل ويستطيع الوصول إليه.
أما السقف فلا وجود له، لأن طموحاته كانت بلا سقف، وكذلك آمال الناس فيه.. كان (أحمد حلمي) يحلق عالياً في فضاء قصر الثقة والمجد.
ويتجاوز مساحته ليحلق في مساحة الجغرافيا المصرية والعربية بأجنحة الوعي الذي يختار به أعماله والحكمة التي يتحلى بها في التعبير والتصريح الإعلامي والموهبة التي تفيض إبداعاً من عمل لآخر.
حقاً، ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، وفي غمضة عين تغير حال (أحمد حلمي)، بعد الزلزال الذي أحدثه بظهوره مع المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه في المملكة العربية السعودية ومعهما الفنان كريم عبدالعزيز؟
زلزال خلخل الأرض الثابتة الصلبة التي كان يقف عليها (حلمي، وكريم)، زلزال هدم القصر الذي تم تشييده في ما يقرب من ثلاثين عاماً منذ انطلاقته في البرنامج التليفزيوني (لعب عيال) الموجه للأطفال والممتع للكبار.
ثم مسلسل (ناس ولاد ناس) عام 1993، ثم فيلم (عبود على الحدود) مع علاء ولي الدين وإخراج شريف عرفة، لتتوالى أعماله، من دور صغير إلى بطولة ونجومية واسم من أسماء قليلة تحظى باحترام الناس.
كل دور أضاف جديداً لقصر المجد، حتى علا وارتفع ولم نتخيل أن يأتي يوم يتم هدمه فيه، ولكن ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع، و(أحمد حلمي) وقع من ارتفاع شاهق وهدم قصره بيديه عندما وافق على بطولة فيلم (النونو).
شخصية مصري نصاب
وعندما قبل أن يجسد شخصية مصري نصاب، المشكلة ليست هنا بل لأنه نصاب ليس كأي نصاب، فهو يمارس النصب خارج الحدود وتحديداً في السعودية، ولا ينصب على نصابين مثله ولا على أناس عاديين.
بل يختار حجاج بيت الله الحرام، ينصب على من يذهبون لتلبية نداء الله للحج وبعد أن ينتهي موسم الحج يذهب للرياض لاستكمال نصبه في موسم الرياض.
طبعاً هناك من يقول إنه علينا الانتظار حتى نشاهد الفيلم ومن ثم نحكم عليه، هذا يصح في حال لم تكن الفكرة أصلاً بهذه الفجاجة، إذ لم يكن يتخيل أحد أن يقبل (أحمد حلمي) بما عرفناه عنه وما ترجمته اختياراته السابقة من حكمة ووعي أن يوافق على أداء مثل هذه الشخصية.
وكونه فيلم كوميدي فلن يخفف من العار الذي سيلصقه عنوة بالشخصية المصرية، وحتى الآن لا يستوعب كثير من الناس أن (أحمد حلمي) من الفنانين الذين يُشترون بالمال، يغيرون مبادئهم وقيمهم استجابة لمن يدفع أكثر، يوظفون موهبتهم لمن يملأ بطونهم وجيوبهم وخزائنهم.
صفعة على وجه المصريين
نعم، لم نتخيل، ولكن الأمر أصبح حقيقة، وخلال أشهر سيظهر هذ الفيلم على شاشات السينما وسيكون صفعة على وجه كل مصري يعمل في السعودية أو غيرها من دول الخليج، بل سيكون صفعة على وجه كل مصري يعرف تاريخ بلاده ويعي قيمة حضارتها ويعتز بشعبها.
وستكون أيضاً صفعة على وجه كل عربي علمه أستاذ مصري أو عالجه طبيب مصري أو صمم منزله ونفذه له في أحسن صورة مهندس مصري أو زرع مزرعته وساهم في زراعة صحراء بلاده فلاح وعامل ومهندس مصري.
على قدر حب الجمهور للنجم يأتي العتب، ولذا فإن موجة الغضب على قرار (أحمد حلمي) عالية جدا، و(أحمد حلمي) ليس أول فنان مصري يهرول لتقديم شخصية تسيء إلى مصر، فالكل هرول بعد أن (زغللوا) عيونه بالأجور المبالغ فيها.
والبعض انتقد هذه الهرولة وبعد أو ضمّوه للقائمة داس على كرامته وغيّر موقفه وهرول بدوره؛ وكنا نتوهم أن (أحمد حلمي) ومعه قلة من الفنانين ليسوا للبيع، ثم فوجئنا بأن كبار نجوم ونجمات اليوم للبيع.
قبلوا تقديم أدوار تسيء إلينا، وقبلوا تقديم أعمال تهدم قيمنا، وقبلوا أن يكونوا أداة لنشر قيم العنف والبلطجة بين شبابنا وشبابهم، وقبلوا أن يكونوا أحياناً مجرد ديكور في رحلات مكوكية ذهاباً وإياباً حتى تكتمل بهم الصورة ويتجمل المشهد!
للمملكة العربية السعودية كامل الحق في أن تستخدم كل الاجراءات اللازمة لإقناع العالم أنها تغيرت، ولها كامل الحق في أن ترصد ما تشاء من ميزانيات حتى يتحقق لها هذا الهدف، ولها كامل الحق أن تنفق ببذخ حتى تروّج لنفسها ولمواسمهما الفنية بالوسائل التي تراها مناسبة.
ومن حقها أن تفرض المضامين التي تريد الترويج لها والأفكار التي تسعى لتسويقها في الأعمال التي تنتجها، ومن حق المستشار تركي آل الشيخ أن ينجز المهمة الموكلة إليه بأفضل صورة، ولذلك لا لوم عليهم أبداً.
ولكن اللوم كل اللوم على فنانينا الذين أثبتوا أن الفن بالنسبة لهم ليس رسالة وليس قيمة وليس سوى وسيلة للارتزاق والشهرة.