بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
توطئة: (مئير المصري)، هو واحد أفراد جيش الإعلام الإسرائيلي، يتحدث العامية المصرية ويجيد النطق بها يعد بمثابة النسخة المستحدثة من عناصر (جيش الإعلام الإسرائيلي)، ممن يحملون عبئ مخاطبة الرأى العام العربى.
مع بداية العدوان على قطاع غزة والمتواصل منذ نحو تسعة أشهر بلا توقف شرعت أجهزة الأمن الإسرائيلية في استقطاب واستخدام مجموعة واسعة من الأكاديميين والخبراء ممن لديهم القدرة على مخاطبة الرأي العام العربي بهدف تمرير وجهة نظرها بشأن العدوان مع تشويه صورة الفلسطينيين.
وسعيا منها كذلك لخلق مساحة من التعاطف وربما التأييد والتضامن لدى قطاعات واسعة من المشاهدين العرب.
على هذا الأساس كان القرار الإسرائيلي بوضع كل فرد من (جيش الإعلام) في مكانه الصحيح املا في تحقيق تلك الغاية. فهناك من لديهم القدرة على مخاطبة الرأي العام العربي الداخلي فى إسرائيل من عرب مناطق 1948، وكذلك قطاعات واسعة من المشاهدين الفلسطينيين.
وذلك عبر قناتي (مكان) و(i24) الإسرائيليتان الناطقتان بالعربية، اعتمادا على ترويج فكرة (حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها)، واستعادة الأمان لمواطنيها بعد (عدوان حماس والفصائل الفلسطينية) – بحسب التعبير الإسرائيلي.
وكذلك الحديث عن (الخرب) الذي جلبته حماس على (غزة) وأهلها وما لحق بهم من وبممتلكاتهم نتيجة قرار منفرد غير محسوب لم يضع فى حسبانه حق هؤلاء في الحياة.
آخرون من أفراد جيش الإعلام الإسرائيلي أوكلت إليهم مهمة مخاطبة وسائل الإعلام الأجنبية الناطقة بالعربية، من خلال قنوات عدة منها (فرانس 24) الفرنسية، و(بى بى سى) البريطانية، و(دويتش فيللة أربيك) الألمانية، و(روسيا اليوم) الروسية، و(الحرة) الأمريكية.
وجهة النظر الإسرائيلية
استغلالا لمساحة تمنحها هذه القنوات لضيوفها الإسرائيليين فى التعبير عن وجهة النظر الإسرائيلية بكل اريحية ودون مقاطعة أو رد أو توضيح، مما يسهل معه من مهمة بث الرسائل الإسرائيلية والترويج لها وإيصالها للمشاهدين العرب من متابعي تلك القنوات.
اما المجموعة الثالثة والأخيرة من عناصر هذا الجيش، فهم من ذوي المهام الصعبة، إذ يتحملون عبئ الظهور فى الفضائيات العربية التى تسمح باستضافة إسرائيليين بجانب ضيوف فلسطينيين وعرب.
ومنها قناة (سكاي نيوز عربية)، و(المشهد)، و(العربية)، و(الشرق بلومبيرج)، ومهمة هؤلاء قد تبدو صعبة فى بعض الأحيان نظرا لاستضافة خبراء وسياسيين عرب لديهم القدرة على تفنيد الرواية الإسرائيلية والرد عليها والدفاع عن وجهة النظر الفلسطينية والتعبير عنها.
(مائير) الناطق بالعامية المصرية
أحد أفراد (جيش الإعلام الإسرائيلي) هو المدعو (مئير المصرى) من مواليد 23 أبريل 1984، والبالغ من العمر 40 عاما، حصل على الدكتوراه في الجغرافيا السياسية من مركز التحليل والأبحاث الجيوسياسية في جامعة (تولوز) بباريس في مارس 2015.
ويعمل محاضرا في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، ورئيس ما يعرف بـ (تحالف الشرق الأوسط)، والباحث بمعهد العلاقات الدولية والعلوم السياسية بفرنسا،.
وهو يهودي شرقي تعود اصوله لعائلة (المصرى) التي يتوزع أفرادها بين فرنسا والارجنتين والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
(مائيرالمصري) الذي يتحدث العامية المصرية ويجيد النطق بها يعد بمثابة النسخة المستحدثة من عناصر (جيش الإعلام الإسرائيلي)، ممن يحملون عبئ مخاطبة الرأى العام العربى مثل اللواء احتياط بالجيش الإسرائيلي (مردخاي كيدار).
والإعلامي (إيلي نيسان) والسياسي الدرزى (أيوب القرا)، وغيرهم من ذاك الجيل الذي يفتقد القدرة على مخاطبة الرأى العام العربى خاصة من جيل الشباب عبر وسائل التواصل الحديثة بما يخدم معه الرسالة الإسرائيلية ويحقق أهدافها.
(مئير المصري) متعدد الثقافات إذ يجيد الفرنسية كذلك، ويعيش في القدس وباريس وله عدة كتب بالفرنسية عن منطقة الشرق الأوسط صدرت فى باريس.
ونظرا لأنه على اطلاع واسع بالملف السوري والمصري والمغربي والجزائري والعراقي وملف التطبيع مع العالم العربي، فضلا عن الشأن السياسي الداخلي الإسرائيلي نظرا كونه أحد اعضاء حزب العمل.
فقد كان (مئير المصري) كل ما سبق مؤهلا له لنيل رضا دوائر الأمن والإعلام فى إسرائيل وجعله كل ذلك عنصر هام لديها وبالفعل حظى منذ عام 2014 برضا تلك الدوائر التى وجدت فيه الشخص المناسب للعب دور فى مخاطبة الرأى العام العربى سواء داخل إسرائيل أو خارجها.
وذلك عبر ما يمتلكه من مهارات اتصال تفوق ما لدى غيره من الإسرائيليين الناطقين بالعربية.
ضيف كل القنوات
ظهر (مئير المصرى) فى فترة شهدت فيها منطقة الشرق الأوسط حالة مخاض سياسي وثورات وتجاذبات سياسية ومذهبية.
تمكن معها من فرض نفسه على وسائل الإعلام العربية التى كانت تسعى من جانبها لاستيضاح الموقف الإسرائيلي حيال ما يجرى فى بعض العواصم العربية وما تشهده من احداث، وهو ما مكنه من الظهور فى وسائل الإعلام الناطقة بالعربية بروافدها الثلاث.
ليس ذلك فحسب بل يعد (مئير المصري) ضيفا ثابتا فى وسائل الإعلام الناطقة بالفرنسية نظرا لما لديه من قدرات لا تقل عن قدراته التي يتمتع بها فى اللغة العربية.
فضلا عن ارتباطه بدوائر إعلامية يهودية فرنسية وفرت له بيئة حاضنه منحته القدرة على تمرير ما يملى عليه من رسائل إسرائيلية والتعبير عنها على الوجه الأكمل.
وبالفعل نجح (مئير المصري) فى أن يحل ضيفا منذ بدية العدوان الإسرائيلي على كامل الأراضي الفلسطينية وليس على غزة وحدها، حاملا معه رواية إسرائيلية كاذبة هى أضعف ما ان تكون قابلة للتصديق.
رواية يعلم الجميع انها تستند للكذب والادعاءات الباطلة وتفتقر لأدنى قدر من الصحة والمصداقية، في الصباح تجده ضيفا بالقنوات الإسرائيلية وفى الظهيرة ضيفا بالفضائيات الاجنبية الناطقة بالعربية.
وفى المساء يظهر بالفضائيات العربية، والهدف والرسالة واحدة المهم هو تضليل المشاهد العربي ونشر الرواية الإسرائيلية على أوسع نطاق.
منذ بداية العدوان، راح (مئير المصري) ليكرر مرارا وتكرارا أكاذيب من قبيل إنه بالنسبة لإسرائيل، لن تتوقف الحرب قبل هزيمة أو استسلام حماس، قولاً واحداً، لأنها في (حرب وجودية اليوم), وتراجعها أمام حماس، بغض النظر عن المبرر، سوف يفضي حتماً إلى انتصار أتباع إيران في المنطقة.
وأن ملف الرهائن الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية، شائك وموجع، ولكنه ثانوي إذا ما قورن بحجم الضحايا والخسائر التي تكبدتها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر وبأهمية الهدف الاستراتيجي من الحرب بالنسبة لإسرائيل. وهو القضاء نهائياً على سلطة حماس وإعادة بسط سيطرتها الأمنية على قطاع غزة، مع تأكيده المطلق فى كل مناسبة على إنه وفيما يتعلق بالمفاوضات الجارية بين إسرائيل وحماس، لا يعول كثيراً على جدواها.
لأن وقف القتال سوف يسمح لحماس بالتقاط أنفاسها مما سوف يعرض المزيد من جنود الجيش الإسرائيلي للخطر بعد عودة القتال.
مرحلة التطبيع
قبل العدوان على غزة بزغ نجم (مئير المصرى) فى وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، مع انطلاق مسيرة التطبيع الإسرائيلية مع بعض العواصم العربية فى عام 2021، مستغلا منصبه كرئيس لما يعرف (بحلف الشرق الأوسط) الذى أسسه عام 2008.
وهو حلف أو كيان هلامي غير موجود على أرض الواقع ولا تتخط حدوده سوى موقع إلكتروني، يخلو من أي مضمون حقيقي، يروج إلى أن الهدف من تأسيسه يتمثل فى تشجيع ظهور شرق أوسط موحد، مبني على أساس الديمقراطية والمساواة بين الجنسين واحترام حقوق الانسان والأقليات.
وحشد ممثلي الجمعيات الحقوقية والأحزاب السياسية الديمقراطية والجماعات الضاغطة الناشطة في الشرق الأوسط من أجل تفعيل دور الحركات الاصلاحية في المنطقة.
الحلف الذي يترأسه (مئير المصرى) مقره باريس، ويعمل كمركز للدراسات والإعلام من خلال تقاريره وتحليلاته، مع الزعم إنه يلعب دوراً سياسياً كجماعة ضغط من خلال تأثيره على صناع القرار في أوروبا.
كذلك يروج لفكرة مفادها إنه أداة تنسيق بين مختلف حركات الإصلاح في الشرق الأوسط بما فيها ممثلي الأقليات، وتعزيز دور الأقليات.
سواء كانت قومية (الأكراد، التركمان، الأرمن، الشركس)، أو طائفية (الأقباط، الموارنة، الآشوريين، العلويين، الدروز، اليزيديين، البهائيين، الزرادشتيين) بما يؤدي إلى اندماجهم – بحسب زعمه -.
نجح (مائير المصري) – لفترة مؤقته – مع انطلاق مسيرة ما عرف (بالاتفاقيات الإبراهيمية) فى فرض نفسه على القنوات العربية، لسرد الرواية الإسرائيلية بشأن رغبة تل أبيب في المضي قدما بقطار السلام صوب كافة العواصم العربية.
وأن المنطقة مقبلة على مرحلة تقودها إسرائيل ويتشابك فيها العلم الإسرائيلي مع المال العربي، بهدف خلق واقع جديد يغير معه وجه الشرق الأوسط ايذانا بصياغة وبلورة عالم جديد تنعم فيه المنطقة بمرحلة جديدة من السلام بين الشعوب.
وهى أكذوبة واهية سرعا ما أن تحطمت مع بدء العدوان على (غزة)، والذى راح ضحيته حتى الآن أكثر من 38 ألف شهيد.
عدوان عرى وفضح وكشف مدى تعطش إسرائيل للدماء، وكأنها لا تحيا أو تقدر على البقاء والوجود إلا بسفك دماء الأبرياء الفلسطينيين.
اللافت في هذا السياق هو أن (مئير المصرى) ومن خلال متابعة الكثير من مداخلاته، سرعا ما يظهر انه شخص وان اكتسب بعض المهارات اللغوية الممزوجة بمهارة التدليس والكذب.
إلا أنها تظهر معها في ذات الوقت افتقاده لمهارات الثبات الانفعالي أو على الأقل أدني قدر من اثبات رجاحة حجته ومصداقيتها.
والأكثر دهشة وسخرية هو أن (مئير المصري) الذي يدعى امتلاكه (حلف) للدفاع عن الحريات والديموقراطية فى منطقة الشرق الأوسط، ليس لديه أدني قدر من الايمان بمبدأ الحريات أصلا.
ففى أكثر من مناسبة تقدم باحتجاج لبعض الفضائيات التى تستضيفه لعدم استضافتها ضيوف فلسطينيين، بحجة معادتهم للسامية ولإسرائيل.
الاشتباك مع الواقع العربي
لم يكتف (مئير المصري) بالمساحة الممنوحة له فى وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، بل وجد أنه لازما عليه البحث عن مساحات أوسع أكثر رحابة واتساعا خاصة فى الفضاء الإلكتروني الذي يمكن من خلاله الولوج لمساحات أوسع من الرأي العام العربي.
خاصة بين جيل الشباب الذين لا يشغل بالهم أو يهم سوى متابعة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.
وعليه كان قراره بامتلاك مجموعة متنوعة من أدوات التواصل الاجتماعي بمختلف روافدها، لعل اهمها تدشينه قناة عبر موقع (اليوتيوب)، يعيد من خلالها بث كافة مقابلاته التلفزيونية والتى تنضح بالكذب.
وحساب عبر منصة (إكس) يغرد فيه مثل البومة أو كالغرب عبر مئات التغريدات التى يبثها بشكل يومي ويظهر جليا فيها حالة التكامل والتماهي مع استاذه فى حرفة صناعة الكذب (ايدى كوهين).
إذا نجحا فى خلق حالة جدل فى بعض القضايا العربية مثل قضايا الحريات والديمقراطية والخلافات المذهبية فى المنطقة، ومزاعم أملاك اليهود فى العالم العربية والخلافات العربية البينية.
ولعل أهمها الخلافات الجزائرية المغربية، إذا يمكن وصفهما فى هذه الحالة بأنهما اشبه بالشيطان الذى يلعب على وتر توسيع مساحة الخلاف بين الاشقاء.
(مئير المصري) في الجيش
وعن حق كانت (غزة) والعدوان عليها كاشفا عن الوجه الحقيقي للمدعو (مئير المصرى)، إذ خرج على الملاء عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، والذي دشنه ليخاطب به أبناء عمومته من الإسرائيليين سفاكي الدماء.
ليعلن لهم ويبشرهم باستدعائه للخدمة فى صفوف الجيش الإسرائيلي كونه أحد من يخدمون فى قوات الاحتياط، مع نشر صوره بزى الجيش وهو فى الخدمة بالقرب من الحدود بين قطاع غزة ومصر.
وتبع نشر منشوراته تعليقات من الأصدقاء والمعارف والأقرباء يشيدون فيها به بوصفه أحد أبطال إسرائيل.
وربما كان هذا كاشفا عن حقيقة (مئير المصري) الذي حاول دوما الترويج كذبا لفكرة الرغبة الإسرائيلية في السلام وإظهار وجه آخر لإسرائيل لا يمت للواقع بأي صلة.