بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
بالصدفه وجدت أمامي فيلم للمخرج التونسي الرائع (شوقي الماجري)، الذي أعرف قدره وأتابع معظم أعماله من المسلسلات الدرامية منها (عمر الخيام، شهر زاد، أبو جعفر المنصور، أبناء الرشيد، والاجتياح).
وعرفه الجمهور المصري من خلال مسلسل (أسمهان) لسولاف فواخرجي وأحمد شاكرعبد اللطيف ثم قدم (سقوط حر) نيللي كريم وأحمد وفيق، (نابليون والمحروسة) للنجمه ليلي علوي).
لكن للأسف كنت لم أشاهد الفيلم الوحيد الذي أخرجه (شوقي الماجري) للسينما بعنوان (مملكة النمل) سنة 2012، هذا العمل الذي يتعرض لمعاناة الشعب الفلسطيني من توحش وجبروت الاحتلال وشباب يقاوم بكل بسالة.
تحية إجلال وتقدير للمبدع الحقيقي (شوقي الماجري)، الذي اهتم بما يحدث حوله ويستحق أن نتذكره، فقد تركنا المخرج العبقري ليقابل ربه 2019.
في الفيلم الوحيد للمخرج المتميز الواعي (شوقي الماجري) قدم الرجل عمل من تأليف خالد الطريفي وشاركه الكتابة، وكأنه يقدم بصمة سينمائية امتزج فيها روعة الاداء مستخدماً دلالات الصورة وأحجام اللقطات وحركة الكاميرا في توصيل الفكرة.
فكانت الكادرات الكلوز تقترب من العيون لتأكيد حاله الإصرار والصدق للأبطال المبدعة (صبا مبارك) بعيونها المعبرة، والمدركة لمكنون الشخصية، ومعها (منذر ريحانة) في أداء شديد الصدق والتقمص.
فكانت مباراة تنس في الأداء الواعي الذي يجعلك تشعر بمصداقية الأحداث ومعهم الكبار إبداعاً (عابد فهد، العابد، جوليت عواد وجميل عواد).
مملكة العمل الدقيق
يتميز النمل في مملكته بأنه يعمل تحت الأرض وبين تلال الأتربة بمنظومة شديدة الدقة والتنظيم والتعاون بشكل يقدره البشر أو يقلده ويتعلم منه ،وهنا عبقرية عمل المقاومة التي تلتحف بالحق.
فتعمل أيضاً تحت الأرض بمنظومة دقيقة لها هدف ويقين بالحق، ويضيف إليه المقاوم التحرر والنصر أو الاستشهاد.. انها عبقرية المخرج (شوقي الماجري)، والمؤلف في اختيار الاسم.
(مملكة النمل).. نعم مملكة العمل الدقيق بالإيمان بالحق وتحقيق المراد وهو الحياة للنمل والانتصار والحق لأصحاب الأرض في التحرر، وتلك هى القيمة المضافة بذكاء واعي لصناع الفيلم.
استنبط منها المخرج الواعي (شوقي الماجري) الاسم للفيلم والربط بين عظمة المقاومة ومهارة وقدرات النمل ومملكته بالخطط المحكمة والتعاون المذهل، وتوزيع الأدوار وفوائد النمل في النظم البيئية، وكلاهما يعملان تحت الأرض ويحققا المراد.
وقد ظهرت عبقرية المخرج (شوقي الماجري) في اختيار أماكن التصوير وجعلها لايشعر منها المشاهد بالوحشة والاختناق.
فتعاون مع مدير التصوير بجعلها تبدو ليست بالضيقه الخنيقة، ولكنها تتساوى مع مع فوقها من براح، وهو ما يشعر به المقاوم وصاحب الأرض والحق، وجعلها تشهد عقد قران البطلة والبطل لتأكيد فكرة تكاثر المقاومة.
وتلك قيمة مضافة أخرى يوكدها الجد العجوز والحكيم للطفل (سالم) ابن البطل (طارق) الذي يطارده الاحتلال قائلاً له: إنه ومن تحت الأرض يستطيع أن يصل لكل بقاع فلسطين حتى القدس وتلك ماتفعله المقاومة الآن.
هكذا يجب ان تكون بعض الأفلام دعوة لغرس قيم الصبر والأمل والنصر، لقد شاهدت فيلم من بطن الواقع الفلسطيني بحرفية ومهنية (شوقي الماجري)، مبدع مهموم بالقضية الفلسطينية وتوحش المحتل الصهيوني قيئ الغرب.
هنا دور الفن والإبداع حين يستشرف المستقبل في تأكيد معاناة شعب منذ خمسة وسبعين عاما يحاول استرجاع أرضه المحتلة أمام عيون العالم، وها هى المقاومة قد نجحت في أن تجعل كل أحرار العالم يشعرون بما يحدث في الأرض المحتله في فلسطين.
أعمالاً واعية للشباب
إنهم رجال تحت الأرض، رجال منظومة المقاومة المحتلة بمملكة أصحاب الأرض وشباب تحت الأرض لم ولن يتنازل عن أرضه وسينتصر.
وأكد (شوقي الماجري) ذلك بوعي الفيلم والمخرج فكانت دلالات الصورة، فنجد الجياد البيضاء تجري في جموح يعبر عن روح وعنفوان وإصرار شباب المقاومه التي أكدت الآن وفضحت الاحتلال.
وشعر شباب العالم وانتفض ولن يبقى الاحتلال وسيخرج أصحاب الأرض قريباً يرفعون رايات النصر وممالك المقاومة، والتي أكدت أنها كممالك النمل شعاره التنظيم والتعاون من أجل حياة أفضل في سلام، إنه حق الشعوب في الحياة لتنعم بالحرية علي أرضها.
هل لنا بمزيد من أعمال نحتاج إليها لتقدم للشباب أعمالاً واعية هم في اشد الحاجه اليها الآن، لتفعيل قيم الولاء والانتماء، لقد استمتعت بالفيلم والتهبت مشاعري بالوطنيه وأتمني أن أشاهد اعمالاً فنية بتلك المعاني.
فقد قدمنا كثيراً منها مثل في (بيتنا رجل والرصاصة لاتزال في جيبي، الممر، السرب، وأتمني المزيد فمصر تنطلق وتستحق.