بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
النص المسرحي المصري القديم، لم يكن نص حواري فقط، بل استخدم المؤلف المصري القديم المناجاة الذاتية (المونولوج)، وهذا يعني أن الكتابة المسرحية في مصر القديمة، كانت متقدمة جدا ، توازي الكتابة المسرحية الحديثة، وهذا ما نلاحظه من نص (إيزيس وعقاربها السبعة)
وهذا النص من النصوص المسرحية التي تتحدث عن السحر في مصر القديمة، فقد كان للسحر دور مهم في الحياة المصرية القديمة، وشخصية (إيزيس) في حقيقتها ساحرة، وتظهر بأعمالها السحرية في الأسطورة المصرية، وفي النصوص المسرحية.
فعملية إحياء (أوزيريس)، والتي قامت بها (إيزيس) كانت بألاعيبها السحرية، وفي هذا النص تظهر شخصية (إيزيس) بسحرها، ولكن ما يهمنا هو ظهور (المونولوج) في هذا النص، مما يؤكد على فكرة معرفة المسرحي القديم بأساليب التأليف المسرحية، ونقل جزء من المسرحية مشتملا على (المونولوج ).
أقبلي أيتها الإلهة (إيزيس)
(إيزيس): أنا (إيزيس)، بينما كنت خارجة من المشغل (مكان يعمل فيه العبيد) الذي نفاني إليه أخي (سيث) سمعت تحوتي الإله الكبير سيد العدالة في السماء والأرض.
وهو يقول لي: أقبلي أيتها الإلهة (إيزيس)، ما أحسن أن ينصت الإنسان، يحيا الإنسان بهدي غيره، اختبئ مع ابنك، ذلك الطفل الذي يقبل إلينا عندما يكبر جسده وتكتمل قوته فسوف تجعلينه يستولي على عرشه، وتحفظين له بذلك وظيفته ملك الأرضين.
وحينما خرجت ساعة المساء خرجت العقارب السبعة في أثري تحوطني وتحرسني، (تفن وبفن) وراء ظهري دائما، و(مستت ومستتف) اللذان يكونان تحت فراشي و(يتت وثنت ومتت) التي تفسح ليا الطريق.
لقد أمرتها في عنف ونفذت كلماتي في آذانها: لا تتعرفن على الأسود ولا تحين الأحمر ولا تميزن بين ابن الغني وابن الفقير، ولتبقى وجوهكن منكفئة على الطريق، واحذرن إثارة الشكوك من أى كائن يستطيع أن يبحث عنى حتى نصل إلى (برسوي) مدينة السيدتين المنتعلتين عند بداية المستنقع.
ونلاحظ مدى دقة هذا (المونولوج) في وصف (إيزيس) لحالتها النفسية والألم، وحينها تتذكر كلمات (تحوتي) وبعدها تصف حراسها من العقارب السبعة والأسماء الخاصة بكل عقرب، وتعطيهم النصائح، حتى تصل إلي المدينة، وتكمل المونولوج:
(إيزيس): ولكن حين اقتربت من دور النساء المتزوجات لمحتني سيدة من بعيد وأغلقت أبوابها في وجهي، وقال رفاقي (تقصد العقارب السبعة)، إنها امرأه قاسية وتداولوا في أمرها، ووضعوا سمهم جميعا على ذنب (تفن).
وفتحت لي فلاحة (إحدى ساكنات المستنقعات) بابها فدخلت بيتها متعبة، بينما دخل (تفن) ونفذ من تحت الباب ولدغ ابن السيدة (التي قابلتها بجفاء)، واشتعل في دار السيدة حريق وما كان هناك مادة لإطفائه.
وكان لابد من أن تمطر السماء في دار السيدة، لكن لم يكن الموسم موسم مطر، تلك التي لم تفتح لي قلبها، قلق جدا لأنها لا تعرف ما إذا كان سيعيش (تقصد الطفل الذي لدغه العقرب) لقد طافت بأرجاء المدينة منتحبة لكن إنسانا ما جاء على صوتها، ذلك هو السر في أن قلبي مشفق على الطفل كي أنقذ حياة برئ.
وهنا ينتهى (المونولوج) ليدخل المؤلف إلي أحداث المسرحية، وتنادي (إيزيس) على المرأة:
ها هو ذا فمي فيه الحياة
تعالى إليّ.. تعالي إليّ، ها هو ذا فمي فيه الحياة، أنني فتاة تعرفها بلدتها أوقف الثعبان بأمري، لقد علمني أبى العلم إذ كنت ابنته المحببة.
(تضع إيزيس يدها على الطفل لترد الحياة إلى من توقف أنفاسه).
وبالدخول إلي الأحداث تظهر شخصية (إيزيس) في كونها ساحرة، وتظهر تلك الصورة من خلال التعويذات التي تقولها لإخراج السم.
(إيزيس): يا سم (تفنت) هيا أخرج إلى الأرض لاتسر ولاتنفذ.
يا سم (تفنت) هيا أخرج إلى الأرض..
أنا الإلهة (إيزيس)، سيده السحر، التي تقوم بالتعاويذ وتحذق تلاوة الرقى، كل ثعبان لادغ يطعني..
أهبط إلى أسفل يا سم (مستت)..
لا تجري باسم (مستتف)..
لا تصعد باسم بنت وثتت..
لا تتقدم باسم (منت)..
اهبط إلى أسفل أيها الجرح الذي أحدثته اللدغة، بأمر الإلهة (إيزيس)، الساحرة الكبرى بين الآلهة، والتي أعطى لها (جب) قدرته، أرد السم إلى مصدره إلى الوراء تراجع واهرب، عد إلي حيث كنت أيها السم، لا تفش بأمر الآلهة المحبوبة من (رع)، بيضة الأوزة التي خرجت من شجرة الجميز.
الجمهور(الكورس): لك الحمد عاش الطفل ومات السم، حقا إن في حياة (رع) موتا للسم.
ولما كان (حور) قد عاد معافى لأمه (إيزيس)، فإن هذا الطفل الذي يتألم سيشفى
وبعد ذلك تكافئ (إيزيس) الفلاحة وتعاقب السيدة القاسية كالتالي:
(إيزيس): الآن وقد خمدت النار، واستجابت السماء لأمر الإلهة (إيزيس)، فلتأت السيدة، ولتحمل إلى ثروتها، ولتملأ هذه الثروة دار الفلاحة، بما أنها فتحت لي كوخها على حين تركت السيدة السائلين يتألمون خلال الليلة نفسها.
(السيدة تقوم بالتنفيذ على مشهد من الجميع).
(إيزيس): لقد طعمت ريقها ولدغ ابنها ودفعت ثروتها لأنها لم تفتح لي.
وهكذا نرى أن المؤلف المسرحي المصري القديم كان من أوائل المؤلفين في العالم القديم الذي يقوم بتأليف (المونولوج)، ونلحظ أن مستوى التأليف كان متقدما جدا فقد عرفنا (المونولوج) الخاص بإيزيس، على صراعها مع ست، وكيف كانت تحرسها عقارب سبعة إلى أن وصلت منطقة الأحراش.
وتعرفنا على شخصيتها في كونها ساحرة، وقد استخدمت هذا السحر مع السيدة، فقد كان السحر من عقائد المصريين قديما، وكان يستخدم في حياة المصريين، وبهذا نكون تعرفنا على شكل المونولوج في النص المسرحي المصري القديم، وكيفية توظيفه للتعريف بشخصية (إيزيس)، وبعد ذلك يدخل المؤلف في الأحداث المسرحية.