بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
من الغريب أن نجد احتفالية تمثيلية، يقوم بأدائها الشعب، ولكن هذا حدث في (مصر) القديمة ، فقد تحدث هيرودوت عن هذه الاحتفالية ، عندما قام بزيارة (مصر)، وهى خاصة بشخصية تدعى (آريس )، وهو شخصية عبدها المصريون في الماضي.
وملخص ما ذكر عنه أن أمه كانت تسكن معبدا – الذي تقام الاحتفالية فيه – وكان (آريس) تربى بعيدا عنها، فلما بلغ سن الرجولة جاء ليتحدث إليها، ولكن أتباعها لم يسمحوا له بالدخول وطردوه، لأنهم لم يكونوا رأوه من قبل.
فرجع (آريس)، وذهب إلى مدينة أخري، وأحضر حشدا كبيرا من الرجال، ونشبت معركة بين أتباع أمه والرجال الذي الذين أحضرهم، وفي النهاية أستطاع أن يدخل على أمه ويتحدث إليها وأصبحت عادة بأن يعاد تمثيل هذا الحدث في عيد (آريس).
ونقلا عن (هيرودوت)، الذي يعد كتابه (هيرودوت يتحدث عن مصر)، واحد من المصادر الهامة لدارسي علم التاريخ والآثار المصرية القديمة، يصف لنا كيف كانت تقام هذه المعركة.
ونحاول أن نصفها كما كانت تحدث أمام المعبد، لنتعرف على شكل من أشكال الاحتفالات التمثيلية، التي كان يقدمها الشعب المصري القديم في (بابريميس)، ويغلب الظن أنها جزء من تل (الفرما)، والمعركة بين الكهنة وزوار المعبد وكانت تتم كالآتي:
المكان أمام المعبد
في الصباح كان الناس يقدمون الأضاحي ويؤدون الشعائر (بشكل عادي).
عند ميل الشمس للغروب، يقوم بعض الكهنة بالاعتناء بتمثال الإله (قلة قليلة منهم)، بينما تقف الأكثرية من الكهنة ممسكين عصي من الخشب.
عند مدخل المعبد يحتشد جمع من الناس يزيد عدهم عن الألف يقدمون النذور وممسكين بأيدهم عصى خشبي أيضا.
وتمثال الإله موضوع في مقصورة خشبية، وينقل ليلة العيد إلى بناء آخر مقدس، وتقوم الكهنة التي كانت حول الإله للاعتناء به بجر التمثال على عربة من أربع عجلات.
وهنا يتغير الموقف تماما ويبدأ التمثيل، فعند دخول التمثال المعبد، يمنع الكهنة الممسكين بالعصي الناس الموفون بالنذور من الدخول إلى المعبد، وبالطبع هؤلاء الناس ممسكين بعصي أيضا.
وعند منعهم من الدخول، يستعدون لنجدة الإله من الكهنة، وتبدأ معركة شرسة بين الفريقين، فيقوم الناس بضرب الكهنة، والكهنة يدافعون عن أنفسهم، وتشج الرؤوس وتسيل الدماء.
واعتقد هيرودوت أن كثير من الناس قد ماتوا، ولكن المصريين أكدوا له عكس ذلك وأن ما يحدث لا يموت فيه ولا فرد من المشاركين في هذه المعركة، مما يعني أنها احتفالية تمثيلية.
ومن الاحتفالات التمثيلية التي كان يقوم بها شعب (مصر) احتفالات خاصة بأوزيريس، فقد وصل إلينا عن طريق هيرودوت بعض الاحتفالات التي كان يقوم المصريون القدماء بأدائها، في ذكرى (أوزيريس).
ونذكر احتفالية ذكرها (هيرودوت) وهى خاصة بآلام ومعاناة (أوزيريس)، وتوصف هذه الاحتفالية كالتالي: بأن الناس كانوا يتجمعون في مواكب (تقريبا في شكل صفوف)، وقد وضعوا على رؤوسهم تيجان نباتية مصنوعة من الشوك المجدول في هيئة قبة.
الآلام التي مر بها (أوزيريس)
ولم يصف لنا (هيرودوت) أحوال هؤلاء الناس الأدائية في الاحتفالية، ولكن تلك الاحتفالية بها نوع من التمثيل، فقد عبر المصريون عن تلك الآلام بتيجان الشوك، مما يدل على طبيعة الآلام التي مر بها (أوزيريس) أثناء موته.
ولم يصل إلينا لماذا احتفل المصريون بآلام أوزيريس بتلك الطريقة، فهل وضع (ست) على رأس (أوزيريس) تاج شوكي كي يعذبه؟، لا نعلم ، ولكن استخدام المصري القديم لتمثيل تلك المعاناة بتيجان الشوك.
وهذا يعد رمزا تمثيلي يعبر حالة الألم التي مر بها (أوزيريس)، وهذا نوع آخر من الاحتفالات التمثيلية دال على الشخصية التمثيلية المصرية في احتفالاتها، وأن الشعب المصري القديم استخدم فن التمثيل في احتفالاته، التي كان يمارسها في الماضي.
وهذا ما نستشفه من احتفالية الخصب الخاصة بأوزيريس، وهذه الاحتفالية تعبر من الاحتفالات التمثيلية الغريبة، لأن المحتفلين كانوا يستخدمون فن الدمى والعرائس في احتفالهم.
فقد كان المصريون يقيمون احتفالا لأوزيريس، ويخرجون في مواكب، وقد كانت النساء تحملن الأعضاء التناسلية الذكرية المنحوتة وتحركنها بواسطة خيط وقد نقل هذا الاحتفال لليونان، ويشير (هيرودوت) إلى ذلك بقوله: يكاد يكون احتفال المصريين بعيد ( ديونيسيس ) أن يشبه من جميع الوجوه احتفال اليونانيين به فيما عدا الرقص.
وقد ابتكروا تماثيل بدلا من المذاكير، طول التمثال منها ذراعا، يمكن تحريكها بواسطة خيط، تطوف به النساء في القرى، وعضو التذكير بها متحرك لا يقل كثيرا في طوله عن باقي الجسم، ويتقدم الزمار الموكب، تتبعه النساء اللائي تتغنى بديونيسيس.
أما عن السبب الذي من أجله كان عضو التذكير كبير الحجم، وكان يتحرك دون سائر أعضاء الجسم، فلذلك قصة يروونها، والقصة إشارة إلى السمكة التي أكلت ذكر (أوزيريس)
ولكن أهم ما في هذه الاحتفالية ظهور المذاكير التي تحرك بواسطة الخيط، فهي نوع مبسط من نحت الدمى والعرائس، ويبدو أنه اختراع من شعب (مصر)، ويبدو أن النساء فقط هم المشاركين في هذه المواكب، والعنصر الرجالي فقط هو الزمار الذي يتقدم صفوفهن.
وهكذا تكون (مصر) من أوائل الدول في العالم التي قام شعبها بممارسة بعض أنواع من فن التمثيل في احتفالاته.