بقلم المفكر الكبير الدكتور: ثروت الخرباوي
هذه هي المقالة الثالثة، بعد الصفر من ليالي (ثروت الخرباوي) مع (جودر) ألف ليلة وليلة، وأصدقكم القول إنني أصبحت رجلا ضعيفا هشا، وضاع جزءٌ كبير من ذاكرتي، فأصبحت رجلا نسيا، وذات يوم سأصبح نسيا منسيا.
وهكذا نحن، مجرد كلمة في مجلد الزمن، ولكن الإنسان يغتر، ويظن أنه خالدٌ أبد الدهر، وهكذا المسلسل الذي كتبت عنه، ما اسمه يا ترى؟ وما الذي كتبته فيه، وما الذي لم أكتبه بعد.
وعذري في ذلك أنني مريض الآن، درجة حرارتي تتسارع إلى الارتفاع، وكأنها ساعة زمنية، وأنا في وهدة المرض أبدأ الكتابة، يا الله، ما اسم المسلسل؟، الحمد لله، هو مسلسل (جودر)، ولكني أحب أن أخبركم أن هذا آخر مقال لي، فلن أكتب بعده شيئا إلا أن يشاء الله.
أولا: اعذروني إن اختلطت الكلمات والحروف، فليس على المريض حرج، أبدأ الآن بالكبير المبدع (ياسر جلال)، فهو عبارة عن نسق فني وتمثيلي مختلف عن جيله، فوجهه يحمل الجدية، ويحمل البراءة والطيبة في ذات الوقت، وكلماته التي يؤديها تحمل الإصرار والقوة.
وفي ذات الوقت تحمل الضعف وقلة الحيلة، رزقه الله بوجه له قبول، حاولت أن أجري مقارنة بينه والفنان (أمير كرارة) فلم أستطع، ولكن (أمير كرارة) هو النظير والمماثل لياسر جلال.
مخارج الحروف عند (ياسر جلال)
ولكن (كرارة) مع وجهه الذي فيه قبول إلا أنه وجه حاد، وما يعيب (أمير كرارة) هو أن مخارج الحروف عنده غير سليمة، ومدغمة وسريعة في بعض الأحيان، ولكن مخارج الحروف عند (ياسر جلال) أكثر إتقانا.
وللعلم مخارج الحروف التي ينطقها الممثل هى أهم شيئ، لذلك هناك ممثل (ما) يقولون إنه ممتاز ورائع، ولكنك من الصعب أن تفهم ما يقول، تتدحرج الكلمة من فمه كأنها عبء عليه يريد أن يتخلص منها.
ويقولون إنه مريض باللحمية، شفاه الله وعافاه، ولكنه يجب أن يبحث عن حل حقيقي لتلك (الدحرجة) التي يدحرج بها كلماته، أو أن يكتفي بالقيام بدور الأخرس.
ولكن ما الذي جعلني أدخل إلى (كرارة)، ثم إلى هذا الممثل البدين، الله أعلم!!، كل ما في الأمر أنني أتمنى من البارزين في التمثيل التدريب على أن تكون مخارج ألفاظهم صحيحة وواضحة حتى لا تزعج آذان المشاهدين.
ولكن (ياسر جلال) ما شاء الله يتقن نطق الحروف إلا قليلا، فهو لم يكن ممثل مسرح، كما أن المخرج يجب أن يكون له دور في هذا الأمر، ورحم الله الفنان الكبير الأسطوري عبد الوارث عسر.
اعذروني فأفكاري غير مرتبة، ولكنني أنهي كلامي عن (ياسر جلال) بالإشادة بأدائه فقد كان متمكنا في الدورين، دور (شهريار)، ودور (جودر)، ولا أقول هذا لأنني أحب هذا الفنان وأحترمه، ولكن لأنه يستحق هذه الإشادة، ولو كنت في حالتي لكتبت عنه الكثير والكثير.
عبد العزيز مخيون
أما الألفة، أول الفصل التمثيلي في (جودر)، (عبد العزيز مخيون) فهو الأول في كل عمل قام به، أعرف أنه قارىء، مثقف، متنوع المعارف، كما أنه إنسان وطني بشكل حقيقي، يفتخر به أصدقائي من أهل البحيرة.
وكل ما أستطيع قوله بخصوصه هو أنه الفنان كما ينبغي أن يكون، هو الذي ينبغي أن يحصل على (الآيزو) في التمثيل، فهو ماركة مسجلة، إذا ظهر في عمل فني كان ذلك دليلا على جودة العمل.
أما عن (محمود البزاوي) فقد وصل إلى الدرجات العلا في التمثيل، وهو يؤدي في (جودر) أداءً مميزا جدا، وإن كنت أعيب عليه في مسلسلات أخرى تون صوته الذي يجعله هادئا منخفضا في كل حالات أنفعاله.
فهو إما أن يكون قد تأثر بعمر الشريف في بعض أعماله، أو أن يكون قد تأثر بالفنان العالمي (مارلون براندو)، وأظن أن (محمود حميدة) ينحو نحو هذه الطريقة، وهى طريقة تصلح في بعض الأعمال وفقا لشخصية الدور الذي يؤديه.
ولكن عندما يكون ضابطا يواجه مخاطر كثيرة، ومع ذلك يظل على ذات النبرة المنخفضة الهادئة فهذا أمر أستغربه.
وكلامي هنا عن (البزاوي) الرائع وليس عن (حميدة)، فالبزاوي هو الفنان المثقف المتواضع، والآخر يعرف قشورا يتباهى بها ويعيش في قصر غروره وتعاليه وفتونته وهو يتكلم، وما هو بقصر، ولكنه تقصير.
أرأيتم، أنتقل من حالة إلى حالة بلا ترتيب منطقي، ولكنني أعود إلى (البزاوي) في مسلسل (جودر) وهو يؤدي دور التاجر الطيب الأمين، والأب الذي يعقد على أولاده الآمال، ولكن ولدين من الثلاثة يشط بهم الشيطان إلى مجاهل الخطيئة، والثالث هو (جودر) الطيب الشهم الأمين.
البزاوي وصل إلى القمة
وأظن أن أداء البزاوي وصل إلى القمة، فلا نريد منه أن يقدم لنا أداء أقل مما قام به في (جودر)، هذه مسئولية كبرى ونحن نواجه تزييفا وتفاهة وهبوطا وبذاءة في كثير من الأعمال الفنية، تلك التي تقدم لنا العنف والبذاءة والانحطاط بزعم أنها تقدم لنا الواقع، ارتقوا يرحمكم الله يا بني الفن.
أما عن الأخين (أشقاء (جودر) كل من (ياسر الطوبجي ووليد فواز) فقد اجتهدا، وكان أداؤهما موفقا، ولا أعرف ما هو السبب الذي يجعل (وفاء عامر) تغمض عينيها وهى تؤدي دور الأم التي كف بصرها.
فليس كل كفيف يضع نظارة شمسية، أو يغمض عينيه، ولكن تميزها كان سيظهر لو أدت دور الكفيفة وهة فاتحة العينين كما مثله (صالح سليم) من قبل.
(ياسمين رئيس) كانت مناسبة لدورها وأدت أداء جيدا، و(سامي مغاوري) فنان رائع، عرفته ونحن في كلية الحقوق حينها قام بإخراج مسرحية (الفتى مهران)، وقام ببطولتها توفيق عبد الحميد ونيرمين كمال، و(مغاوري) معجون بماء العفاريت فهو يبرع في كل الأدوار.
ويبقى (أحمد بدير)، ذلك الكبير الذي حفر لنفسه مكانة كبيرة، فقد أدى دوره على أعلى ما يكون، وليس حبي وتقديري له هو الذي يدفعني للإشادة به، ولكنه فنان كبير جدا سواء كتبت عنه أو لم أكتب.
كفاية.. كفاية كدة، فقد أرهقت فعلا وارتفعت حرارتي من جديد، فلا يظن أحد أن ما كتبته هو تخاريف رجل مريض، ولكنه خريف رجل اكتفى من الحياة، فلا يقول إلا ما يعتقده، ولكني أتمنى أن نشاهد الجزء الثاني من (جودر) في أسرع وقت، إلحقونا بالفن الجميل.
ملحوظة: في هذا المقال أشدت بالفنانين الذين قاموا بأدوار مسلسل (جودر)، ولكن الانتقاد وبيان الأخطاء هو أمر لا يمكن أن أتركه، لذلك وجهت نقدي لأشخاص لم يقدموا شيئا في هذا المسلسل.. أستودعكم الله.