* المسرح بالنسبة لي قضية، فالفن قضية للتعبير، أريد أن أصل بالتعبير هذا إلى أكبر وأعرض جمهور ممكن
* القراءة الآن لم تصبح هواية بل أصبحت ضرورة، فالثقافة ضرورة، أنا أقرأ كل ما تقع عليه عيني من روايات (تان تان) و(ميكي) للأطفال، إلى أخر أخبار الذرة والاكتشافات العلمية
* أمام كاميرا السينما يشعر الفنان بأنه بعيد عن رقابة الجمهور وحسه فاحتمال يهادن قليلا في فنه، ولكن في المسرح لا يستطيع الفنان أن يهادن، الجمهور جالس يراقبه
* الحقيقة أن أسرتي وعائلتي لم يقمعوني لعملي في الفن، ولكن لم يشجعوني في نفس الوقت!
بقلم الإعلامية الكبيرة: أمينة صبري
مازلنا مع حديث النجم السوري المبدع الكبير (دريد لحام)، مع الإعلامية الكبيرة (أمينة صبري) رئيس إذاعة (صوت العرب) سابقا، في الحلقة الأولى تحدث وتحدث نجمنا السوري عن أحياء وحارات سوريا الشعبية في طفولته.
والتى كانت غاية في الجمال والتكوين المعماري الأصيل، كما تحدث عن نشأته في عائلة تعدادها اثنا عشر فردا.
كما تحدث عن ظروف الحياة الصعبة عليه، وعلى كل من حوله، ووصف نفسه بأنه كان يتميز بالهدوء والخوف والخجل.
وأكد (دريد لحام) أن ظروفه الصعبة لم تشله، ولم تمنعه من البحث عن حياة أفضل، فجو الفقر لم يولد في نفسه النقمة، وإنما ولد في نفسه الصبر والجلد والطموح.
وصرح (دريد لحام) أنه اشتغل في أعمالا متعددة، عمل كحداد، وترزي، وفي كي الملابس، وبائع أقمشة، وبائع جوال وشيال وغيرها.
وأوضح أن ظروفه الصعبة جعلته يعتبر الفن في هذه الفترة ترفيه، حيث كان يؤمن بالمثل الصيني الذي يقول: (لومعك قرشين اشتر بأحدهما رغيفا، والآخر وردة) طبعا يقصد بالوردة ماهو جميل، وهو لم يكن لديه إلا قرش واحد للرغيف.
وفي الحلقة الثانية تحدث عن أول دور لعبه في حياته التمثيلية في الجامعة، وكان دور فتاة، وسر رفض الجمهور لشخصية (كارلوس ميراندا) التى قدمها في بداية مشواره الفني.
وكشف عن كيفية تقديمه لشخصية (غوار) التى كاد اسمه يطغى على اسم دريد لحام.
وتحدث عن كيف دخل الفن عن طريق الموسيقى، ودور الدكتور (صباح قباني) شقيق شاعرنا الكبير (نزار قباني) في دخوله للتليفزيون السوري.
وتحدث (دريد لحام) عن مرارة هزيمة يونيو عام 1967حيث استيقظوا على شيئ أذهلهم، وغيرهم، ودمرهم، وزرع في داخلهم الهزيمة والإحباط، وأصبح الفن يعبر عن هذه الحالة وقدم مسرحية (غربة) مع الماغوط.
وصرح أن الفن ليس مجرد مهنة، فالفن يعنيني كقضية تعبير، يعبر من خلاله عما يجيش في خاطره، وعما يرى، وعما يتفاعل.
وأكد أنه عندما لا يرى شيئا يعبر عنه سيتوقف حتما عن ممارسة الفن، ويتحول إلى بائع شاورمة أوتزي أو بائع متجول، فالفن قضية، وليس مهنة.
والآن إليكم تفاصيل الحلقة الثالثة من هذا الحوار الممتع:
* أنت كتبت معظم مسرحياتك مع الكاتب الكبير محمد الماغوط، وأيضا أخرجت مسرحياتك ونجحت نجاحا باهرا في المسرح، وكممثل تليفزيوني، وقدمت أفلاما نستطيع أن نقول أنها أيضا نجحت، ولكن نجاحك في السينما كان أقل منه بكثير من نجاحك في المسرح، أو لم يكن متساويا معه، فما تفسيرك في ذلك؟
** (دريد لحام): صحيح أنا لم أنجح في السينما كنجاحي في المسرح!، فأنا دائما مهزوم سينمائيا ومنتصر مسرحيا، ولهذا كثيرا ما فكرت في أن أتوقف سينمائيا، مع أنني مثلت أكثر من العشرين فيلما مع فنانين ومخرجين كبار.
وكثير من هذه الأفلام نجح جماهيريا، ولكن هذا النجاح الجماهيري بالنسبة لي ليس هو النجاح الذي أطمح إليه، وليس ما يرضيني كفنان.
* ألا تلاحظ معي أن معظم فناني المسرح الكوميدي في عالمنا العربي لا يلقوا في السينما النجاح الذي يلقوه على المسرح؟
** (دريد لحام): أمام كاميرا السينما يشعر الفنان بأنه بعيد عن رقابة الجمهور وحسه فاحتمال يهادن قليلا في فنه، ولكن في المسرح لا يستطيع الفنان أن يهادن، الجمهور جالس يراقبه.
وعادة أنا يهمني من العمل الفني القدر الذي أتفاعل معه به، فالعمل الفني قد يكون للفرجة، وقد يكون للتفاعل، وعندما ينقلب المشاهد إلى متفاعل ينجح العمل الفني، أما إذا كان المشاهد مجرد متفرج فهو حيادي.
والعمل بالنسبة له شيئ من السياحة، فالمسرح باعتبار أن المحلفين والقضاه موجودين، وأقصد بهم (الجمهور)، يحاول الفنان أن يكون أقرب إليهم بما يطرحه عليهم.
أما في السينما فهذه المعادلة غير موجودة، لذلك يوجد في بعض الأحيان غربة بين الأعمال السينمائية والمشاهدين، وأنا أعتقد أن النص هو السبب.
* أنت لم تكتف بنجاح مسرحك داخل سوريا، ولكنك تجولت بمسرحك في كثير من البلدان العربية، فهل كان هناك سببا وراء ذلك؟
** (دريد لحام): المسرح بالنسبة لي قضية، فالفن قضية للتعبير، أريد أن أصل بالتعبير هذا إلى أكبر وأعرض جمهور ممكن.
* دخلت الفن عن طريق الموسيقى، وانطلقت بعد ذلك لأفاق أخرى في الفن، تمثيل، تأليف، إخراج، فهل نسيت الموسيقى في زحمة نجاحاتك الأخرى؟
** (دريد لحام): لم أعد عازفا الآن، فأنا كنت أعزف سماعي فقط، وليس قراءة نوتة موسيقية، ولذلك لم أتقدم موسيقيا بالشكل المطلوب، ولكني أحب الموسيقى، وأقدم في أعمالي بعض المواقف الغنائية إذا تطلب الدور مني ذلك.
* متى تركت الوظيفة كمدرس، وتوقفت تماما عن كونك مدرسا للكيمياء؟
** (دريد لحام): في عام 1960، عندما عملت في التليفزيون لم يكن في ذهني على الإطلاق أن أتوقف عن التدريس، ولكن بعد أن قدمت بعض الأعمال الكوميدية أصبح من الصعب أن أجمع بين التمثيل والتدريس.
لم أستطع أن أواجه الطلبة، أصبح التلاميذ يتساءلون: هل الذي أمامنا ويكتب لنا معادلات كيميائية بالأحماض والتفاعلات النووية، هل هو مدرس الكيمياء أم هو (غوار الطوشي)؟!
وشكلت هذه المسألة أشكالية كبيرة بالنسبة لي، وكان علي أن أختار، إما أن أترك التمثيل نهائيا وأتفرغ للتدريس أو العكس، واخترت احتراف الفن مع أنني لا زلت أعتبر نفسي هاويا، ولذلك تركت التدريس منذ أواخر عام 1960.
* رغم احترافك وانغماسك في الفن هل مازلت مهتما بالعلم والتطور العلمي المذهل من حولنا؟ هل مازلت مهتما بالقضايا العلمية، ومازال الكتاب العلمي والخبر العلمي يجذبك أم بعدت تماما عن العلم، وأصبح ما يجذبك الآن هو الفن وقراءات فنية فقط؟
** (دريد لحام): لم أبتعد إطلاقا عن القضايا العلمية، فالقراءة الآن لم تصبح هواية بل أصبحت ضرورة، فالثقافة ضرورة، أنا أقرأ كل ما تقع عليه عيني من روايات (تان تان) و(ميكي) للأطفال، إلى أخر أخبار الذرة والاكتشافات العلمية، مرورا بالأدب بفروعه المختلفة، والمقالات الأدبية، والمواد الاقتصادية.
*أريد أن أسالك سؤال يحيرني، فأنت من أسرة دمشقية بسيطة عانيت أنت وأسرتك الآمرين لكي تحصل على وظيفة محترمة في المجتمع، وهى مدرس لمادة الكيمياء بالجامعة، وحصلت على هذه الوظيفة بشق الأنفس.
وفجأة تتحول إلى ممثل كوميدي في وقت وزمن كان التمثيل فيه ليس بالشيئ الذي يسعد الأسر، ولا يعطي الأمان المادي للفنان ذاته.
فهل لم تجد صعوبة بينك وبين نفسك لترك الوظيفة التى تمثل الأمان؟، أم أنت مغامر بطبعك، وكيف وافقتك أسرتك على ذلك بعد أن تنفست معك الصعداء بالوظيفة الآمنة؟
** (دريد لحام): الحقيقة أسرتي وعائلتي لم يقمعوني ولكن لم يشجعوني في نفس الوقت!، أنا معك فالقرار كان خطيرا، فإنسان يدرس لمدة سبعة عشر عاما دراسة ما ثم يترك كل ذلك لكي يظهر على شاشة التليفزيون في وقت لا تسمح التقاليد ولا تشجع ذلك.
ويترك الوظيفة المأمونة لكي يدخل للمجهول لم يكن قرارا صعبا، بل كان قرارا نابعا من الحب، حب الفن وعشقه، وأهلي لم يكونوا فرحين بذلك، وافقوا على مضض بدون حماس فلقد أحسوا بأن القرار ليس بيدهم.
الأسبوع القادم نستكمل رحلة الحياة والفن مع النجم السوري الكبير دريد لحام.