مفاجأة علي الكسار قام ببطولة أوبريت (ليلة من ألف ليلة) تحت عنوان (بنت الشحات)!
كتب: أحمد السماحي
من الأوبريتات الخالدة في تاريخ المسرح المصري أوبريت (ليلة من ألف ليلة) الذي خلده نجمنا الأسطورة يحيي الفخراني، وقدمه ثلاث مرات على المسرح المصري برؤى مختلفة ونجوم جدد في كل مرة.
هذا الأوبريت الممتع هو التجربة الثانية لكاتبه الشاعر المصري الرائد محمود بيرم التونسي، بعد خطوته الأولى التى قطعها على طريق المسرح الغنائي مع زميله فنان الشعب (سيد درويش) حيث كتب له مسرحية (شهر زاد) عام 1919.
أوبريت (ليلة من ألف ليلة) قدم أكثر من خمس مرات على خشبة المسرح المصري، بنجوم مختلفين، لكن لأول مرة يكشف (شهريار النجوم) عن تقديم الفنان الكوميدي (علي الكسار) لهذا الأوبريت، حيث لم يذكر أحد من زملائنا مؤرخي المسرح هذه المعلومة من قبل!.
الكسار و(ليلة من ألف ليلة)
قدم الكسار أوبريت (ليلة من ألف ليلة) عام 1934، تحت عنوان (بنت الشحات)، وشاركه البطولة كلا من المطرب حامد مرسي، والفنانة عقيلة راتب، وتم تقديم الأوبريت على مسرح (الماجستيك).
وقد كتب ناقد مجلة (الصباح) عن هذا العمل عام 1934 فقال: أخرجت فرقة الأستاذ علي الكسار على مسرح الماجستيك رواية (بنت الشحات)، التى وضعها الأديب محمد أفندي شكري.
وليست الرواية جديدة بل هى مقتبسة من رواية (ليلة من ألف ليلة) التى وضعها الأستاذ محمود بيرم التونسي، ومثلتها فرقة السيدة (فاطمة رشدي) قبل الآن.
وقد أراد (شكري أفندي) واضع رواية (الكسار) أن يخرجها بطريقة أخرى غير أن تشبعه بروح الأستاذ بيرم لم يحقق له غرضه، وقد أحسن في جعل الوقائع (هى.. هى) إذ لم تتغير ولم تتبدل في أي موقف من المواقف.
وكان دور الأستاذ (الكسار) في هذه الرواية ليس كأدواره في سائر رواياته، وقف الأستاذ في دوره بهذه الرواية، وكأنه مكتوف اليدين، لم نر منه ما اعتدنا رؤيته في جميع رواياته، مع شهرته بإنه يخلق من الفسيخ شربات، ومن النكتة البايخة آلاف النكات المحبوبة.
أما حامد أفندي مرسي، مطرب الفرقة في دور (الخليفة) فقد كان آية من آيات الابداع، وقامت عقيلة راتب بدور (بدرية)، ولطفية نظمي (لولو)، وزكية إبراهيم (جليلة).
وزكي أفندي إبراهيم (رضوان)، ومحمد سعيد (زين الدين)، وحسن أفندي كامل (أبوالحسن)، وسيد أفندي مصطفى (الشيخ عمر)، وحسين حسن (بائع البقلاوة) وكلهم أجادوا في تأدية أدوارهم، وكان الإخراج في حاجة إلى مزيد من الجهد والعناية.
فاطمة رشدي و(ليلة من ألف ليلة)
قدم أوبريت (ليلة من ألف ليلة) أكثر من مرة على خشبات المسرح المصري، المرة الأولي في30 نوفمبر عام1931، حين قدمته فرقة (فاطمة رشدي) وأخرجه عزيز عيد.
والحقيقة أن الفنانة (فاطمة رشدي) كانت سببا في خروج هذه الدرة المسرحية للنور، حيث قالت في كتابها (كفاحي مع المسرح والسينما): في عام1930 سافرنا إلة باريس للاستجمام.
حيث فوجئنا في الفندق الذي نزلنا فيه بالشاعر الشعبي (بيرم التونسي) يفد علينا مرحبا، وعرفنا منه أنه يعيش في ظل حياة قاسية بعد نفيه من مصر، حيث يعمل مرغما في مصنع للبسكويت ليسدد تكاليف عيشه.
فطلب منه (عزيز عيد) أن يكتب لنا روايتين بالزجل، واختار له فكرتين، ونظرا لظروفه المادية الصعبة أعطيناه عربونا سخيا.
وبعد حوالي أسبوع فاجئنا (بيرم) أنه انتهي من الروايتين أولهما (ليلة من ألف ليلة)، التى مصرها عن المسرحية الإنجليزية (لو كنت ملكا) التى ترجمها صديقه الممثل المصري المهاجر (أدمون تويما).
والثانية (عقيلة) ودعوناه إلي قضاء السهرة معنا، وفي اليوم التالي ودعنا وداعا جميلا ومؤثرا، ونحن نغادر عاصمة النور إلي عروس الشرق القاهرة.
وبعد عودتنا لمصر بشهر تقريبا، بدأنا بروفات أوبريت (ليلة من ألف ليلة) واستعنا بالملحن والمطرب سيد مصطفي، نظرا لوفاة الشيخ سيد درويش.
وقمت بالبطولة حيث جسدت دور (نجف)، وقام عزيز عيد بدور (شحاته)، وفي هذه الرواية استحدث عزيز في إخراجها مالم يألفه عشاق المسرح من قبل.
فقد أحاط المسرح ببانوراما زرقاء، وضع أمامها مناظر المسرحية التي كانت تتميز كلها بالطابع الشرقي الأصيل، وهى تمثل الشرق بجماله ومآذنه.
وتمثل قصور بغداد (حيث كانت محور الأحداث) بما فيها من روعة وفتنة، واستغل الإضاءة استغلالا حسنا أضفت على المسرح ذلك العبير الساحر، عبير الشرق الأخاذ.
وحقق الأوبريت نجاحا كبيرا، جعل عزيز يرسل لبيرم وصديقه (أدموند تويما) مخبرا إياه بنجاح العرض، ويطلب منه التفرغ هو وصديقه لكتابة أعمال أخري للفرقة.
أحمد صدقي و(ليلة من ألف ليلة)
المرة الثانية التي قدم فيها أوبريت (ليلة من ألف ليلة) كانت من خلال الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقي في موسم 1949 – 1950 على خشبة دار الأوبرا.
وقام بتلحين الأوبريت الموسيقار أحمد صدقي، والإخراج تعهد به زكي طليمات، وتولي البطولة المطرب كارم محمود، والمطربة شهر زاد.
وتوزعت أدوار البطولة علي (أحمد علام، فردوس حسن، فؤاد شفيق، محمد السبع، كمال حسين، شفيق نور الدين، ثريا فخري، حسن البارودي، عبدالعزيز خليل)، وقام بالتوزيع الموسيقي للأوبريت ورئاسة الأوركسترا محمد حسن الشجاعي.
فاروق حسني و(ليلة من ألف ليلة)
في موسم (1970 / 1969) قامت فرقة الإسكندرية التي كان يرأسها الفنان (علي الغندور) بتقديم أوبريت (ليلة من ألف ليلة) في قصر ثقافة الأنفوشي، وتولي تصميم الديكور الفنان (فاروق حسني) الذي أصبح فيما بعد وزيرا للثقافة.
وكانت المرة الرابعة من نصيب الفرقة الغنائية الإستعراضية، حيث قدم الأوبريت علي مسرح محمد فريد بالقاهرة في موسم (1976-1977) .
وتوزعت أدوار البطولة كالتالي: قام بدور (شحاته) الفنان محمود التوني، ولعبت المطربة ليلي جمال دور ابنته (نجف)، وجسد كارم محمود دور (الخليفة) ولعبت تغريد البيشبيشي دور (قوت القلوب)، فضلا عن (صلاح يحيي، حسن فرحات، عبدالحميد حسن، ورضا الجمال).
يحيي الفخراني و(ليلة من ألف ليلة)
المرة الخامسة كانت في موسم (1994-1995)، ولعب بطولتها علي خشبة دار الأوبرا النجم (يحيي الفخراني، والمطربة أنغام، والمطرب علي الحجار)، وحقق العرض نجاحا كبيرا آنذاك.
ثم أعاد يحيي الفخراني (ليلة من ألف ليلة) مجددا على المسرح القومي، من إخراج محسن حلمي، وشاركه التمثيل والغناء (محمد محسن، هبه مجدي) والفنان المخضرم لطفي لبيب، بالإضافة إلي سلمي غريب، ضياء عبدالخالق، هشام الشريبني، خالد جمال وغيرهم من الفنانيين.
وكانت المرة الأخيرة التى قدم فيها (ليلة من ألف ليلة) منذ حوالي عامين، على مسرح القطاع الخاص، عندما تولى إخراج الأوبريت المخرج المتميز مجدي الهواري، وشارك الفخراني بطولة الأوبريت الذي كلا من (محمد الشرنوبي وكارمن سليمان).
والحقيقة أن العرض الأخير يعد هو الأفضل من حيث الإخراج والملابس والديكورات، حيث حلقنا معه على مدى 90 دقيقة في عالم من المتعة والرقي، والجمال إلى عنان السماء ونحن نشاهد هذا العرض الخالد.