بقلم الناقد: عمر علي
منذ عرضه العالمي الأول العام الماضي حصد الفيلم المصري (جحر الفئران) للمخرج محمد السمان إشادات واسعة من النقاد والجمهور الذين شاهدوه خلال عرضه في عدة مهرجانات دولية داخل مصر وخارجها.
ويعتبر هذا هو فيلمه الروائي الطويل الأول بعد أن قدم العديد من الأفلام القصيرة خلال السنوات الماضية مثل (ظل النور) و(ساعة زمن) و(موعد حياة).
(جحر الفئران) فيلم يحكي حول خلود الفتاة العشرينية هادئة الملامح التى تعمل في كول سنتر بإحدى الجمعيات الخيرية التى تجمع تبرعات وهمية، وتحتاج لمبلغ سبعة آلاف لتكمل مقدم شقة تود شرائها لتقيم فيها مع أسرتها.
تحاول بشتى الطرق اقتراض المبلغ من أكثر من شخص وعندما تفشل كل محاولاتها تلجأ لمديرها في العمل وتطلب سلفة فيطلب منها أن تحقق (تارجت) معين كما يزعم وهو أن تجمع تبرعات بعشرين ألف جنيه.
فتضطر (خلود) لقضاء اليوم بأكمله في مقر الشركة حتى بعد انصراف زملاءها وتتحول الليلة إلى ليلة كابوسية يحدث لها فيها ما لم تتوقعه تماماً.
يعتبر هذا الفيلم (جحر الفئران) أيضاً هو البطولة المطلقة الأولى للنجمة الشابة (رنا خطاب) بعد عدة أدوار متفاوتة الأحجام في العديد من المسلسلات التليفزيونية مثل (لمس أكتاف، تحت الوصاية، جت سليمة) وآخرها كان (العتاولة) في رمضان الماضي.
وقدمت أيضا عدة عروض مسرحية ناجحة مثل (الحفيد، أحفاد ريا وسكينة)، وأيضاً عرض (دراما الشحاذين) مع المخرج (محمد الرخ)، والذي مثل مصر في العديد من المهرجانات الدولية ونال أكثر من جائزة.
كل هذه التجارب أعطتها الخبرة التي تجعلها تتصدر بطولة فيلماً سينمائياً بمفردها وتكون هي الممثلة الوحيدة فيه، صحيح أنه ليس فيلماً تجارياً بالمعنى التقليدي وينتمى أكثر إلى ما يسمى بالسينما المستقلة، ولكنه في النهاية فيلماً من بطولتها سواء كان مستقلاً أم تجارياً.
أداء (رنا خطاب)
والحقيقة أن أداء (رنا خطاب) في هذا الفيلم ربما يكون هو الأداء الأصدق والأجمل والأعذب من ما قدم في السينما المستقلة في مصر منذ سنوات، أداء بسيط وتلقائي يتفق مع الشخصية ومع منطقها.
على مدار مدة عرض فيلم (جحر الفئران) التي تقدر من 90 دقيقة تقريباً استطاعت (رنا) أن تجعل المشاهد يتعاطف مع خلود ويمقتها ويتقبل منطقها في لحظة ويرفضه في لحظة أخرى.
ويتمنى ألا تقع في الخطيئة وفي نفس الوقت يتقبل ضعفها إذا حدث ذلك، حتى وصلت بها مشهد النهاية الجميل الذي انتزع تصفيق الحضور ودموعه في نفس اللحظة.
ليس غريباً بعد ذلك أن تحصل (رنا) على أكثر من خمسة جوائز دولية عن أدائها في الفيلم، أولها كان أفضل ممثلة من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورة 2023، ونفس الجائزة من مهرجان (عمان السينمائي الدولي) بالأردن، وأيضاً من مهرجان (بريكس) في روسيا.
على مستوى الكتابة والإخراج كانت الأمور في أفضل حالاتها أيضاً، إذ لا يمكن أن يقدم الممثل أفضل أداء لديه بدون سيناريو جيد وإدارة منضبطة من المخرج.
لهذا فإن (محمد السمان) يقدم أيضاً في تجربته الأولى واحداً من أكثر الأفلام المستقلة تكاملاً وجودة في السنوات الأخيرة، إذ اختار قالب سينمائي صعب وهو المكان الواحد واليوم الواحد واختار أن يقدم ذلك من خلال شخصية درامية واحدة أيضاً هي خلود.
بالتالي كان من السهل أن يقع في فخ الملل والرتابة بسبب هذا الاختيار الفني، لكن يحسب له وبشدة أن ذلك لم يحدث على الأقل على مستوى السيناريو الذي استطاع الإمساك بتلابيت وعقل المشاهد منذ بداية الفيلم وحتى نهايته.
على مستوى الإخراج كان هناك تكرار بسيط لبعض زوايا التصوير نظراً لضيق المكان ولكنه تكرار يمكن قبوله في إطار هفوات التجربة الأولى ، ولكن ما طغى على ذلك هو قوة السيناريو والأداء التمثيلي المتفرد لبطلته التي يحسب له إختيارها في المقام الأول، ويحسب له أن اختار ممثلة!
اختيار شخصيات حقيقية
تبدو الجملة عجيبة بعض الشئ، ولكنها ليست كذلك عندما ترون بعض الافلام المستقلة التي قدمت في مصر في السنوات الأخيرة التي لجأ كثير من مخرجيها إلى اختيار شخصيات حقيقية لتمثيل أدوارهم في الفيلم وذلك محاولة لإضفاء الواقعية على الأحداث.
في حين أنهم لا يدركون أنهم بذلك يضعفون من اندماج المشاهد مع الأحداث، فما هي العبقرية في أن تجسد الفلاحة دور فلاحة أو شخص مريض بالجذام يجسد دور شخص مريض بالجذام؟
كما يحسب له إعتماده على عناصر فنية شابة شديدة الموهبة شاركوا معه في صنع هذا الفيلم المتميز، فمونتاج (وائل أرباب)، وموسيقى (صفا بركات)، وتصوير (محمود النمر)، وديكور (كريستينا أمير) كان متناغمين مع الحدث الدرامي وشاركوا في تدعيمه.
في النهاية فإننا أمام تجربة سينمائية واعدة وطموحة للغاية تستحق التشجيع والاحتفاء رغم حداثة عهد صانعيها الذين يقدمون جميعهم تقريباً فيلمهم الأول، وأتمنى أن يكون هذا الفيلم هو رسالة ولو بسيطة لصناع السينما المستقلة في مصر لكي تخرج من (جحر الفئران).