رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: (ذات والرداء الأحمر).. وفن التمثيل الجمالي والمخرجة (نادية الشويخ)

بقلم الباحث والناقد المسرحي الدكتور: كمال زغلول

تحية وتقدير إلي فرقة مسرح القاهرة للعرائس، على تقديمها هذا العرض الرائع (ذات والرداء الأحمر)، في عيد الأضحى المبارك، فهو من العروض الجمالية المميزة، لامس وجدان الأسرة المصرية، وأعطى المثل وضرب الأمثال.

فمن الأسس الرئيسية لفن التمثيل ضرب الأمثال، وقد اعتمد المؤلف المسرحي (وليد كمال) في مسرحيته (ذات والرداء الأحمر) عليه، واتخذ من شخصية (ذات الرداء الأحمر) في  (الحكاية الشعبية)، شكل الشخصية المميز لطفلة الحكاية.

لتستعيره الطفلة (ذات) في عالمنا المعاصر، ليكون شكلا مميزا لها على برامج السوشيال ميديا، وهذا من خلال فستان أحمر حكاته لها جدتها، وبدأت تظهر على البرامج ، بصورة صاحبة الفستان الأحمر.

وكانت أمها وصديقتها يحذرونها بطريقة الأمثال (النصح والإرشاد) من مخاطر الخداع على هذه البرامج إلى أن تقع في براثن الخداع، ويتحقق ما كانت تحذره منها أسرتها، ولكن يتم إنقاذها في النهاية.

ومن النص ننتقل إلي الصورة الإخراجية للنص، والتي قدمتها المخرجة (نادية الشويخ) في شكل عرائسي، مضافا إليه ممثلة منفردة (ريم طارق) للتعبير عن الشعور الداخلي لشخصية (ذات)، والذي لا يتحقق من خلال العروسة (ذات) بطلة القصة.

وقد تمايزت هذه المخرجة ، في إخراج العرض فهي صاحبة خيال وتصور خصب، وتعاملت مع المدركات الحسية والذهنية للجمهور بطريقة ملفتة للنظر، مستغلة المعني الحقيقي لفن التمثيل وهو التأثير السمعي البصري، لإيصال المعني من العرض.

فأول ما نلمسه من خطوات الإخراج، هو كيفية إعدادها لمكان التمثيل (الخشبة المسرحية)، وجعلتها مساحة مسطحة تعطي حرية حركة للعروسة على المسرح، وتحريك عناصر الديكور.

وهذه المساحة المسطحة كانت من الأساليب الإخراجية (للمخرج العالمي جوردن كريج)، خاصة أنه كان يستعيض بالعروسة، لكونها تستطيع أن تؤدي حركات، لا يستطيع الممثل أدائها.

المخرجة المبدعة (نادية الشويخ)

تمايز المخرجة (نادية الشويخ)

كما أن هذه المساحة المسطحة تصنع علاقة حسية بين المشاهد والخشبة، وكأن المشاهد يعيش الحدث، ولكن تمايزت (نادية الشويخ) بأنها أضافت تمايز جمالي عالي التأثير.

فلم تكتفي بتقسيم المساحة المسطحة كمناطق إخراجية فقط ، بل استغلت فضاء المساحة المسطحة، وقسمت منطقة المسرح إلي مستويين (علوي، وسفلي)، فقد وضعت في منتصف فضاء المسرح برواز يشابه لوحة الجوال، تطل منه الطفلة (ذات) وهى تتحدث مع معجبيها في برامج الميديا.

واستطاعت ببراعة أن تجعل زوايا الرؤيا للمشاهد مريحة جدا للناظرين على المستويين، وهذا يحسب لها كمخرجة تعي تماما حاسة الجمهور البصرية، وكيفية التأثير عليه.

وأهم ما في تقسيم هذه المساحة هو جعل العالم العلوي خاص بحلم الطفلة (ذات)، ويتمثل في ظهورها في برامج التليفون الجوال، أما السفلي هى مساحة الواقع الذي تعيشه (ذات)، داخل حياتها الواقعية مع أسرتها وصديقتها، وفيه يتم عملية النصح والإرشاد (ضرب الأمثال لذات).

وهكذا استطاعت المخرجة (تصميم مساحة التمثيل) بطريقة تثير المدركات الحسية لدي المشاهد، ويتعايش مع العرض، وكأنه في عالم السوشيال ميديا ومخاطرة.

كما أنها قامت بعمل ميزان للمسرح جمالي في وضع الديكور المسرح وحركة العرائس على المسرح، فجميع الكتل من أثاث ومنظر مسرحي للغرف إلخ، كان متوازنة جدا في شكل جمالي بديع.

وعن الإضاءة، فقد استخدمت تنويعات مختلفة من الألوان أهمها اللون الأحمر المسلط على (ذات)، حيث عبر هذا اللون على تأكيد شخصية (ذات) وارتدائها للفستان الأحمر.

واعتمدت في بعض المناظر على الإضاءة غير الملونة لتعكس ألوان ملابس الشخصيات، وهذا الأسلوب جعل من ملابس العروسة وصورتها ينعكس من خلال الإضاءة ويبرزها أكثر.

الفنانة الموهوبة (ريم طارق)

أداء الممثلة (ريم طارق)

وعن الأداء الحي للعرض المسرحي، فقد بدأت المخرجة بعمل افتتاحية مزدوجة للعرض المسرحي ، وظهور الممثلة (ريم طارق) في صورة الطفلة (ذات)، مرتدية الفستان الأحمر، في حالة من البهجة الغنائية الراقصة، للتعبير عن المشاعر الحقيقية للطفلة، والتي لا تستطيع العروسة تأديتها.

وهى بذلك مجددة في العرض المسرحي العرائسي، فإذا كان (جريج) اعتمد على العروسة في تأدية حركات لا يستطيع القيام بها الممثل، فأيضا العروسة لا تستطيع إظهار المشاعر الإنسانية على وجهها وجسدها.

لذلك عملت المخرجة على المزج بين أداءين (مخالفة كريج) فأظهرت التعبيرات البشرية عن طريق (ريم طارق)، ثم دخلت في عالم العرائس، وظهرت شخصية الطفلة (ذات) كعروسة في وسط عائلتها.

وبدأت العرض العرائسي، وهذا المزج الأدائي كان تمهيدا جماليا مثير للدخول إلي عالم الحكاية الممثلة بالعرائس، والذي بدأ باللوحة الأولى، وتظهر العروسة (ذات) وعائلتها  وأمها  تنصحها (تضرب لها الأمثال) وتحذرها من مخاطر البرامج على الجوال.

إلا أن (ذات) تسمع ولا ترد ولا تأبه لهذا وتتجه إلي تليفونها الجوال لتقدم برنامج تيك توك (وتتعرف على شخصية غريب)، وفي هذا المشهد تتألق المخرجة.

ونشاهد الاستخدام الجمالي لفضاء المساحة المسرحية (حيث تظهر ذات ببشريتها في البرواز الذي يمثل لوحة الجوال، وبين المساحة المسطحة السفلية والتي يظهر فيها شخصية غريب عروسة).

وهذا المشهد من أروع مشاهد العرض، فقد تفوقت المخرجة بشكل مذهل في تقديم عالم علوي وسلفي للشخصيات كما ذكرنا من قبل، وتنتهي اللوحة الاولي بميعاد سري بين (غريب) و(ذات).

حالة الأداء المزدوج التي حافظت عليها المخرجة بتوازن وإيقاع رائع

توازن وإيقاع رائع

لتظهر (ذات) العروسة وهى ذاهبة لتقابل (غريب)، وتتفاجأ بمكان مهجور وتكتشف حقيقة هذا المخادع، وهى تحاول الهروب منه، يظهر لها حرامي آخر يريد سرقتها، وعندما تحاول الفرار تلتقي برجل حرامي في سرقة الأعضاء ، وتهرب منهم.

وهنا تظهر الممثلة البشرية (ريم طارق)، لتعبر بمشاعرها أمام الجمهور عن حالة الإجهاد من الجري والخوف والرعب والقلق في هروبها منهم، وهى حالة الأداء المزدوج التي حافظت عليها المخرجة بتوازن وإيقاع رائع.

وكان لظهور (ذات) البشرية (ريم طارق) قبول وصدى لدي الأطفال لأنها عبرت عن الحالة الخاصة بطفلة مثلهم، واستطاعوا لقائها بعد العرض كشخصية حقيقة لذات العروسة، وهذا يحسب للمخرجة.

ثم تظهر العروسة (ذات) هاربة الي بيت جدتها، وتجد اللصوص هناك، حيث عرف عنها (غريب) من الميديا معلومات عنها واستغلها في الوصول لبيت جدتها هو والاثنين الاخرين.

إلا أن أهل (ذات) يصلون إليها ونقذوها ويتصلوا بالشرطة، وتعرف (ذات) أنها مخطئة، وتحذر جميع الأطفال من الميديا، وينتهي العرض.

(د. أسامة علي)، مدير فرقة مسرح القاهرة للعرائس

مدير مسرح القاهرة للعرائس

ولقد استعانت المخرجة بمجموعة من الممثلين العمالقة لأداء الصوت البشري للعروسة، وكان مستوي التمثيل الصوتي متناغم جدا مع شخصيات العروسة، وقام فناني مسرح العرائس بتحركك العرائس بطريقة احترافية، وكانوا على المستوي الفني العالي والحس الفني.

لقد نجحت (نادية الشويخ) في التنويع بين الأداء البشري بشخصية (ذات) التي قدمتها الموهوبة (ريم طارق) بشكل مذهل، فهذه الممثلة الصاعدة تمثيلها ينبع من مشاعرها الداخلية للشخصية في حالات القل والرعب والمرح.. إلخ، تنطبع على وجهها وكأنها حقيقة.

كما أنها فنانة شاملة (تمثيل – غناء – استعراض)، حالة تذكرنا بنيللي وشريهان، ولها مستقبل باهر، كما نجحت المخرجة في الوصول إلي وجدان الجمهور من خلال (الحس، الذهن، الشعور).

إن هذا العرض من العروض المتميزة الجديدة داخل المسرح المصري، ولا يغيب عنا العقل الفني للمسرح (د. أسامة علي)، وهو مدير فرقة مسرح القاهرة للعرائس، فهو تمايز باختيار النص، وتمايز باختيار المخرجة.

وهذا دال على حسه الفني العالي، وفهمه الدقيق لفن التمثيل العرائسي، فهو ليس مدير إداري، بل هو العقل الفني للمسرح، الذي يعرف كيف يختار العمل الفني وكيف ينتجه ليظهره إلي الجمهور.

وهو يعد من الكفاءات النادرة جدا داخل المسرح المصري، فهو أستاذ جامعي تخصصه أساسا في فنون التمثيل العرائسي، ونقدم له التحية والتقدير لوقوفه خلف هذا العمل الرائع.

وفي النهاية نرى تجربة في المسرح المصري، تعتمد على أساس من أسس فن التمثيل، وتقدمه لنا الرائعة (نادية الشويخ).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.