حوار أجراه الكاتب الصحفي: مجدي صادق:
في الحلقة الأولى من حوار الكاتب الصحفي (مجدي صادق) قدم لنا نبذة مختصرة عن المخرج العالمي (أنور القوادري)، وسلط أضواءا كاشفة على حياته في لندن، وتجاربه في السينما والدراما التلفزيزيونية، واليوم يستكمل حواره الكاشف.
* هل شجعك فيلم (جمال عبد الناصر) أن تكرر التجربة فى فيلم عن (محمد فوزي)؟ ولماذ لاتستمر على منوال فيلم (غاندي) حول الزعماء؟، وهل أفلام السيرة الذاتية لها رصيد فى المهرجانات الدولية؟، وأعنى فشل الفيلم عن (دونالد ترامب) في الحصول على اى اهتمام داخل مهرجان كان؟!
** (أنور القوادري): أنا السيرة الذاتية أحبها بشكلا عام، دائما عندي هاجس من زمان خاصة فى التأكيد أن العظماء الذين أثروا فى تاريخنا الحديث أو القديم، فكثيرا كنت حابب ومازلت أفكر في أن أعمل عن الفنان (محمد فوزي) مسلسلا أو فيلما سينمائيا.
وكان هناك تواصل مع السناريست الراحل (مصطفى محرم)، لأن كان كاتب مسلسل، وللأسف لم يتم حتى الآن، فيما يبدو أن القابلية لصنع السيرة الذاتية بعد الإخفاقات التى حدثت فى الدراما التليفزيونية عن أعمال السيرة الذاتية بعد (العندليب، والسندريلا وليلى مراد باستثناء مسلسل (أسمهان).
أنا ظننت أن المشاهد عرض عن مشاهدة مثل هذه النوعية من الدراما، لكن من المهم جدا انها تتعمل، لكن أنا مع السيرة الذاتية فقط أن تكون موظفة، ومثلما قلت لك أنا عملت (عبد الناصر) برؤية الواقع الخيالي، وتنعكس على هذا الواقع فأنا معجب جدا بالسيرة الذاتية.
وقد كتبت حلقتين عن (محمد عبد الوهاب) لأنى معجب جدا به وغيره فى جعبتى الكثير، كما أننى متحمس كثيرا لفريد الأطرش، فلديه سيرة كفاح كبيرة بين العمالقة فى ظل مناخ سياسي.
قواعد السوق غير مشجعة
لكن طبقا لقواعد السوق فى النهاية أسير، وهو سوق غير مشجع كثيرا لدراما السيرة الذاتية، خاصة بعد تجربتى بكتابة بعض حلقات عن (محمد عبد الوهاب) أسميته عبر العصور ليس هناك أى تشجيع علاوة على مايسمى بحقوق الملكية بالنسبة للأغانى والموسيقى بعد الدخول إلى ساحة المحاكم بين ورثة عبد الوهاب ومحسن جابر.
فمعرف أن (جابر) يمتلك حقوق الأغانى، فمثل هذه الأمور تعطل العمل الفنى الدرامى، وتلك تصعب من المهمة، رغم أننى متحمس كثيرا للفنان (محمد عبد الوهاب) بعد تحسن الأمور.
خاصة وأن له علاقة بالواقع الذى نعيشه، وكذلك الفنان فريد الأطرش ومحمد فوزي، فالعملاقة الثلاثة رغم أن لكل منهم قصة مختلفة عن الآخر إلا أنها ثرية دراميا!
* مؤكد أن ذكريات الطفولة بسوريا تعيش فى وجدانك كإنسان اختبر سنوات كبيرة من الغربة والاغتراب، ألم تفكر يوما في إخراج وكتابة فيلما عن ماهو حادث اليوم بسوريا؟
** (أنور القوادري): بالتأكيد وطني الحبيب سوريا، وكذلك مصرفي خاطرى ودمى وقلبى، وبالتالى أنا كتبت من فترة مسسل اسميته (سينما الشرق) عن رواد السينما بين سوريا ومصر، وابتديته من استقلال سوريا عام 1046 حتى عام 1990 عند دخول صدام حسين الكويت.
ومن خلال الفيلم أستعرض في هذه الفترة الأحداث والفن والرواد وفيها (حدوتة) فيما يتعلق بالوحدة والانفصال والنكسات التى عشناها فى 1967، وكذلك مرحلة الانفتاح الذى حدث حول شاب متعلق بحب السينما يدخل فى غمار الإنتاج السينمائى.
وكان هو الكاتب والمخرج والمنتج وبالتالى يبحث عن مجموعة العمل، ومن خلال هؤلاء الأشخاص أنا أعرفهم لكني جمعتهم فى شخصية واحدة، ومن خلاله نكتشف علاقاته الإنسانية والسرد الدرامي للأحداث يبدأ من سوريا ثم يهرب إلى مصر حينما حدث الانفصال.
وكان مؤمن بالقومية العربية وفى مصر تحدث نكسة 1967، ثم يكمل حياته بمصر حتى عصر الانفتاح فى عهد الرئيس السادات، ثم يكمل عندما حدث الانشقاق بعد غزو العراق إلى الكويت.
أزمات عصفت بالعالم العربى
ومن خلال تلك الرحلة وتلك الازمات التى عصفت بالعالم العربى تنعكس بكل تقدير على حياته الشخصية، فهو عمل درامى ملحمي كبير فيها شخصيات كبيرة مهمة، فمن سوريا شخصية (نزيه الشهبندر) مؤسس وأول من قام بعملية الإنتاج السينمائي وهو (ظلام ناطق).
وعندما يذهب إلى مصر يعمل مع المخرج الكبير (صلاح أبوسيف، وحلمي ، وفطين عبد الوهاب والفنان حسن فايق)، وكذلك (عبد اللطيف فتحي) أحد أهم رواد المسرح السوري فى الأربعينات والخمسينات.
شخصيات فنية عديدة داخل المسلسل يتم توظيفها داخل العمل وهى على سبيل المثال، وهى أحداث أعتقد أنها تعيد نفسها فى عالمنا الحالي، ولها علاقة بها كتبت هذا المسلسل فى فترة (كوفيد 19)، وكنت قد كتبت عدة أعمال فقد وجدتها فرصة!
* كيف تقرأ ماحدث فى مهرجان كان وفوز فيلم (أنورا) بالسعفة الذهبية، وهو فيلم مغلف بلغة الجنس وفشل فيلما آخر للعظيم فرانسيس كوبلا (ميجالوبوليس) دون حصوله على أى شيئ يذكر لرجل مثل كوبلا؟
** (أنور القوادري): للأسف أنا لم أحضر الدورة الأخيرة 77 لمهرجان (كان)، أنا كنت مشغول ببعض الأعمال الفنية، لكني تابعت أحداثه وسعدت بحصول فيلم (أنورا) على السعفة الذهبية للمهرجان، وحزنت لما حدث لفيلم (فرانسيس كوبلا) وفيلمه (ميجالوبوليس).
وللاسف أنا لم أرى فيلمه، وبالطبع هناك من أحبه ومن لم يحبه، لكن على المستوى الشخصي فأنا من عشاق (فرانسيس كوبلا) من قبل (العراب)، حينما كان يكتب سيناريو فهو كاتب سيناريو فى الأساس، وبالتالي أعرف أن كوبلا يتمتع برؤية سينمائية كبيرة، لكن على الأقل كانوا قد اكتفوا بتكريمه!
فى حين تم تكريم (جورج لوكاس) صديقه وزميله وهو الذى قدم (حرب النجوم) فيما يتم تكريمه العام المقبل، وفيلمه إنتاج ضخم لمخرج تجاوز الـ 85 عاما، وتمويله من أمواله الخاصة 120 مليون دولار دفعها وراهن عليها.
وهى لأول مرة فى تاريخ السينما، وهو مايؤكد مدى عشقه للسينما وإيمانه بفنه، وعمله لايهم معه شباك التذاكر أو غيره، هذا لم يحدث فى عالم السينما من قبل، ولكن هذا هو (كوبلا)، الذى قدم من قبل (القيامة الآن) بأمواله أيضا، وقد أسس ستديو له.
كوبلا يغرد خارج السرب
وهو مخرج يغرد دائما خارج السرب، أعرف صولاته وجولاته مع شركة (بارامونت)، حينما قدم (الأب الروحى)، أو (العراب) عام 1972، وكان رفضهم لمارلون براندو وآل بتشينو وكان هو على حق.
وقد نجح الفيلم بأجزائه الثانى والثالث، فليس دائما شركات التوزيع و الإنتاج على حق، فالفنان وتتخطيطه ورؤيته هى على حق، لأنه كان مخلصا لعمله، وأفلامه تمثل لآلئ السينما العالمية.
* أعرف أنكم لستم مؤيدين لفكرة الذكاء الاصطناعي فى إنتاج الأفلام السينمائية، فى حين أن مهرجانات لأفلام الذكاء الاصطناعي بدأت فى الانتشار، فهل مازلت عند رأيك؟، وهل لو رشحت ضمن لجنة تحكيم لمثل هذه النوعية من الافلام ستقبل أم ستكون عند رأيك بالرفض؟
(أنور القوادري): الإبداع روح الفنان، أنا لست ضد الذكاء الاصطناعي، فقط يوظف لخدمة الإبداع لا أن يقوم الذكاء الاصطناعي بعملية الإبداع، كيف يكتب الذكاء الاصطناعى سيناريو بالطريقة التى أريدها.
أو كيف يمكن للذكاء الاصطناعي إذا فكرت فى عمل مقطوعة موسيقية إذا كنت أنا مؤلف موسيقى يجيب روح بليغ حمدي أو القصبجي أو رياض السنباطي أو حمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، مستحيل أن تكون هناك لمساتهم فى هذا الموضوع.
وكيف يقوم بتنفيذ فيلم (جمال عبد الناصر) مثلما أنا قدمتها بالضبط، لكن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهل عمل الفنيين، نعم كمخرج ثان، لكن حتى المونتاج يتطلب إبداع بشري روح المونتير والتصوير والإضاءة.
لكن يمكن تنفيذي مخرج منفذ مساعد مونتير أو عمل بحث معين لمقطوعات موسيقية، لكن من يقوم بالموسيقى التصويرية إبداع بشر، هل يمكن أن يكتب قصيد لشوقى؟، لا.. لا، أنا لست مع الذكاء الاصطناعى فى الإبداع.
لكن من الناحية العلمية أكيد مهم لعلوم مثل (الفيزياء، الرياضيات، الهندسة)، هذا وضع أخر لايمكننى الإفتاء فيه!، وأنا متمسك برأى أنه لن يحدث أن يتم الإبداع عن طريق الذكاء الاصطناعي.
* دخلت السينما العالمية من بوابة (كسارة البندق)، فماهى (الخلطة السرية) التى تصنع من الفيلم السينمائى فيلما عالميا فى نظرك؟، وهل بعد كل هذه السنوات فشلت (السينما العربية) فى الحصول على (سر الخلطة)؟
** (أنور القوادري): يجب أن نعترف أن الفيلم السينمائى العالمي هو الفيلم الهوليوودي البريطاني بالدرجة الأولى، لأنه بيتكلم باللغة الإنجليزية، وفيه مواصفات تخدم شباك التذاكر، فالسينما فن وتجارة وهذا هو، فليس له خلطة سرية إنما هى خلطة معلنة لكل الناس.
يوسف شاهين مخرج عملاق
ولعمل فيلم عالمي لابد أن تضع فى اعتبارك بالدرجة الأولى فى أمريكا وبريطانيا وأوروبا فى جميع أنحاء العالم هذا جواز سفر للعالمية، الفيلم البريطاني كذلك عنده نفس المواصفات مثلما قلت لك، والنجوم مشتركة معروفين فى بريطانيا وهوليوود.
حتى الفيلم الفرنسي العظيم أو الإيطالى أو الأسبانى ماهو عالمي إذ يبقى محلي، يجوز فى بعض الأحيان عندما يأتى (سيرجيوليوني ذا جوود باد أند ذا أجلي)، و(كلينت إيستود) لما عملوا فيلم (اسبجيتى) ويسترن، (للعلم أن سيرجيوليوني مخرج إيطالي اشتهر بأفلام الويسترن أو الكابوي الأكثر جماهيرية).
وهى الأفلام التى أطلق عليها النقاد أفلام (الويسترن اسبجيتي، إشارة إلى إيطاليا!)، بينما (كلينت إيستود) فهو ممثل أمريكى حاز على جائزة الأوسكار أربع مرات كمخرج وكممثل !).
حتى يوسف شاهين رحمه الله مخرج عملاق على مستوى العالم، أفلامه فى أماكن محددة فى التليفزيونات أو المنصات وفى فرنسا باعتبار أنه تمويل فرنسى، صعب انك تعمل فيلم عربي وتنزله فى الأسواق السينمائية فى الوقت الحاضر.
وحتى من أربعين خمسين سنة فمن المستحيل يكون العرض محدود بينما الفيديو أكثر انتشارا، (نتفليكس) بتعرض أفلام عربية وأفلام هندية وفرنسية وتعرضها وبالطبع المنصات ساعدت على انتشار الفيلم السينمائى والدراما التلفزيونية.
فأنا لست مع مقولة (شون بيكر) الحاصل على الأوسكار فى كان عن فيلمه (أنورا) حينما قال أنه لايحبذ مطلقا التطبيقات التكنولوجية لمشاهدة الأفلام السينمائية!، لكن العرض فى دور السينما.
فالفيلم المستقل الأمريكي أو البريطاني يعانى فى الوقت الحاضر لأنهم عودوا الجمهور على الأفلام الضخمة بميزانيات ضخمة، وأذكر أن الميزانيات زمان لما عملت (كسارة البندق، أو كلوديا) وغيرها كانت ميزانيات معقولة 345 10 مليون دولار اليوم.
عندما تفكر فى صناعة فيلم في أمريكا على الأقل 40 أو 50 مليون دولار، ويعتبر هذا شئ عادى جدا (ميزانية فيلم فرانيسي كوبلا لفيلمه – ميجالوبوليس – 120 مليون دولار!).
وهناك أفلام تكلف 150 و200 مليون دولار وتضع مثلهم فى الدعاية والإعلام فالإنتاج العالمي سواء البريطاني أو الأمريكي إنتاج ضخم لمؤسسات ضخمة عالمية، علاوة على أن نوعية الجمهور تغيرت فأصبحت الأعمار مابين 15 سنة إلى الثلاثينات هى النسبة الأكبر التي تشاهد الأفلام فى دور العرض.