رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: الشكل الخارجي للشخصية .. في (المسرح) المصري القديم.. (ست) والشكل الاستحماري!

بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول

لعب (المسرح) المصري القديم، دورا مهما في تكوين الشكل الخارجي، لشخصياته المسرحية، فكما تحدثنا من قبل، فإن جميع ما وصل إلينا من نصوص مسرحية مصرية قديمة، تتحدث عن قوم عاشوا في مصر من الزمن السحيق.

وقد وصف لنا  المصري القديم هؤلاء القوم  بأنهم كانوا عماليق، لا يقل طول الفرد منهم عن خمسة أمتار وربع أو نصف، ولكن هذا الشكل الجسماني الضخم وصل إلينا في صورته الممثلة بطريقة أخرى.

فقد قام المسرحي المصري بعمل تغير في شكل بعض الشخصيات في (المسرح) ، بصورة رمزية للدلالة على أعمالهم وصنيعهم، فقد صورهم المصري القديم في صور شتى، فمنهم من ظهر بوجه أو منجل، ومنهم من ظهر في صورة (ابن أوي) .. إلخ.

ومن الشخصيات التي صورها المصري القديم في (المسرح) بطريقة تدل على ما فعله بمصر شخصية (ست)، فالشكل الطبيعي لهذه الشخصية بأنه لا يقل جمالا ووسامة عن أوزيريس، فهو جميل، وبشرته كانت حمراء، وعيناه تميلان إلى اللون الفاتح، وأطول قامة من أوزيريس، الذي كان طوله خمسة أمتار وربع، وكان  ست ذا قوة عارمة.

ولكن (المسرح) المصري القديم لم يقدمه بهذه الصورة، فقد لعب في الشكل الخارجي للشخصية، عندما قدمها تمثيليا، فقد غير في ملامح الشخصية، وركب رأس حيواني – قناع – لست على جسده الإنساني وهذا الرأس كان غاية في الغرابة.

تحليل رأس (ست) كما صورها المصري القديم

محاولة تحليل رأس (ست)

فهذا القناع لم يكن يرمز إلي حيوان بعينه بل مزيج من مجموعة رؤوس حيوانية عند رؤيته ، على الرغم من أنه قناع برأس واحدة، فيمكن رؤيته على صورة خنزير الأرض أو كلب بري أفريقي أو ضبع أو خنزير أو حمار، وعند محاولة تحليل رأس (ست) التي صورها المصري القديم يمكننا أن تعرف عن ماهية هذه الشخصية :

أولا: تصوير وجهه بالحمار:

حكم أوزيريس مملكة مصر، وعمل على تعليم المصريين الزراعة، والفلك .. إلخ، وقد وصف حكمه بالعدل، وعم الرخاء أرض مصر، ولكن عندما تولي (ست) حكم مصر بعد أن قام بقتل أخيه، قام بمجموعة من الأعمال توصف بالحمورية، فعلى ما يبدو قام بأفعال وأعمال ضد مصلحة مصر وشعبها تماما،ونفندها:

أ: عدم الاهتمام بالزراعة، وتخريبها، فيبدو أنه قام بتدمير الاقتصاد المصري، القائم على الزراعة في هذا الوقت، والزراعة كانت من المعارف التي علمها (أوزيريس) للشعب المصري.

ب: بعد أن كان الشعب المصري موحدا تحت حكم (أوزيريس)، انقسم الشعب المصري ما بين مؤيد ومعارض، وتفتت وحدة مصر، وباتت مصر بلا سياسة داخلية تحكمها في ظل حكم (ست)، وهذا ما نلاحظه بعد مولد (حورس)، ومحاربة (ست)، وتحكيم (جب) بين الاثنين:

(جب) يخاطب (ست):

اذهب إلى المكان الذي ولدت فيه (ست) الوجه القبلي.

(جب) يخاطب (حور):

اذهب إلى المكان الذي أُغرِق فيه والدك  (حور)  الوجه البحري

(جب) يخاطب (حور) و(ست):

لقد فصلتكما الوجه (البحري والقبلي)..

فقد قسمت مصر إلي وجهيين بحري وقبلي.

ج: ظهوره  بالقوة الجاهلة:

يبطش بدون وعي وهذا ما تخبر به إيزيس حورس عند معركته في الماء.

(إيزيس): لا تخش قوته.

لا تتراجع أمام وحش الماء.

خذ حربتك وأقض عليه.

أي حور ولداه.. يا حبي الرقيق.

كان (ست) داخل قصره يبدر المكائد لإيزيس

المكائد التي حيكت لإيزيس

ثانيا: شكل الخنزير:

من الاشكال الغريبة فعلا لست في (المسرح)، شكل الخنزير، فهو لا يشعر بأي شيء سوى السلطة، فقام بإنشاء قصور، وكان داخل قصره يبدر المكائد لإيزيس عندما كانت حامل في (حورس)، وقام بنفيها في منطقة الأحراش المليئة بالمستنقعات، فلم يراعي أنها (أخته)، ولم يأبه بحملها، والأدهى أنه فعل جرم بشع، بأنه قام بقتل أخيه للوصول للسلطة.

ثالثا: شكل الضبع:

ماكر مخادع، يلهث وراء الخيف، ويكيد المكائد ليل نهار (لكي يحافظ على ملكه).

رابعا: شكل السيد قشطة:

عندما حارب حورس ست (ظهر بصورة السيد قشطة)، القوة الغاشمة الجاهلة، وقضي عليه الذكاء والخفة والرشاقة (شكل حورس في صورة الصقر).

خامسا: الأشكال السابقة مجتمعة:

ترمز إلي الخراب والدمار عندما تجتمع في رجل جاهل فاسد يمسك الحكم وزمام الأمور، لذلك كان أي عدو يغزو مصر، يطلق عليها اسم (ست)، وهذا ما لاحظناه في مسرحية تتحدث عن غزو الفرس لمصر، ووصف الفرس بأنهم (ست).

تحوتي: لقد ارتكب الجرم، وعاد إلى الشر..

وأيقظ الفتن من جديد..

وألقى بالكوارث في الهيكل الأكبر لمنف..

وأشاع التمرد في منف.

ويبدو أن حكم ست لمصر كان قائم على الفتن، ونشر الفوضى.

وهكذا نري أن (المسرح) المصري القديم، قد لعب في الشخصية التمثيلية، بقناع يرمز لكل شرور (ست)، بل أظهره بصورة دالة على (القوة الغاشمة، والجهل)، بحيث تكون تلك الصورة معبرة عن ما قام به من أعمال أفسدت مصر، ووضع في الصورة المقابلة (أوزيريس)، ولكن بصورة مختلفة تماما عن (ست).

وبهذا نلاحظ أن (المسرح) المصري القديم، قد أظهر شكل ست في صورة الحمار، دلالة عن الحكم الفاسد، كما أن هذا الشكل عندما يراه الجمهور، فأنه يفهم تماما أعمال (ست)، وظهوره بهذا الصورة.

وبهذا يكون (المسرح) المصري القديم، من أوائل المسارح في العالم، الذي لعب في الشكل الجسماني للشخصية، بحيث يكون قناعها دلال عليها في الصورة الحيوانية دالا عليها، ووضع مقابلة بين الحكم الجاهل والحكم المتزن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.