بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
صفعة (عمرو دياب) لأحد معجبيه تؤكد أنه لم يتعلم من تجارب الأولين الذين ظلوا طوال حياتهم مدركين أن المعجبين بهم لهم الكثير من الحقوق عليهم.
وأن (عمرو دياب) الستيني لم يتعلم من (عمرو دياب) العشريني والثلاثيني والأربعيني والخمسيني، الذي كان يجيد التعامل مع المعجبين وزيادة رصيده لديهم يوماً بعد يوم حتى وصل إلى قمة القمم، وكأنه مل من نفسه ومن شهرته وقرر هدم المعبد بنفسه فوق رأسه.
الحياة أخذ وعطاء، وعندما يريد الإنسان أن تصبح حياته أخذاً بلا عطاء يتحول إلى كائن أناني ملفوظ من محيطه، وعندما يكون هذا الشخص مشهوراً فإن أنانيته تدفع الناس للتخلي عنه والسعي لإنزاله من على العرش الذي أجلسوه عليه.
فالشهرة أيضاً أخذ وعطاء، وكلما ازداد عطاء الناس للشخص كلما ازداد شهرة ولمعاناً، وهو ما يفرض عليه العطاء بلا حدود لمن أعطوه حباً وتقديراً والتفافاً حوله، ليصل إلى النجومية التي تستلزم منه انضباطاً والتزاماً تجاه من رفعوه إلى مكانة يحلم بها الكثيرون غيره.
النجومية أيضاً مسؤولية تفرض على صاحبها الإحساس بمحبيه والتعبير عنهم والابتسامة في وجوههم حال ظهوره في مكان عام والاستجابة لمطالبهم التي لا تتجاوز عادة أخذ صورة معه يتباهون بها أمام أصدقائهم ومحيطهم.
عندما يكون المشهور فناناً، يتضاعف حب الناس له، فكثيرهم يرونه يرفه عنهم ويدخل الفرح إلى حياتهم ويسليهم ويعبّر عنهم وينطق بلسانهم ويحلم لهم ويرشدهم إلى دروب السعادة والنجاح ويحذرهم من دروب الفشل والخيبة واليأس.
يفعل ذلك سواء بالوسيلة التي يجيدها، غناءً أو تمثيلاً، كتابة أو إخراجاً، رسماً أو تلحيناً.. ولكن من يتصدر المشهد ويستحوذ على الجانب الأكبر من مشاعر عشاق الفن يكون الممثل أو المطرب.
لا ينكر أحد أن شهرة الفنان تحد أحياناً من حريته، وتقيد حركته، وتحرمه من الانطلاق في الشوارع والميادين على راحته، فلكل شيء ضريبته، وضريبة الشهرة قد تفرض عليه بجانب الحد من حريته، احتمال هوس البعض به وإعجابهم المتزايد بشخصه.
الحكمة والمسؤولية والاحتواء
وهو ما يتبعه أحياناً سخافات سلوكية وخروج عن المألوف واعتداء على مساحته الخاصة، وعليه أن يتعامل مع كل هذه الأمور بكثير من الحكمة والمسؤولية باحتواء كل من يلتقيهم في حفل أو مكان عام على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية والنفسية.
وفي زمن السوشيال ميديا والهواتف المزودة بأحدث الكاميرات يدرك العقلاء من أهل الفن أنهم يكونون تحت المراقبة كل الوقت، مرصودين بالكاميرات منذ لحظة خروجهم من منازلهم وحتى عودتهم.
وهو أمر ألفه نجوم الغرب المطاردين من (الباباراتزي) كل الوقت، ولكن بعض نجومنا لم يستوعبوه حتى الآن بالرغم من مرور سنوات على انتشار وسائل الملاحقة المصورة للمشاهير.
(عمرو دياب) عرفته أنا شخصياً في التسعينات من القرن الماضي، فنان خلوق مهذب يحترم جمهوره ويجيد التعامل مع المعجبين به واحتواء المهووسين، ولكنه خلال الفترة الماضية بدا غير قادر على ضبط أعصابه سواء وهو في الشارع أو على المسرح أو وهو يغني في حفل زفاف.
الصفعة التي وجهها (عمرو دياب) لأحد معجبيه في حفل زفاف لم تكن أول تجاوز منه في حق آخرين، وسبقها تجاوزه في حق سائقه الخاص ووصفه بالحيوان أثناء بحثه عنه بعد حفل في الأوبرا.
وتجاوزه في حق مهندس الصوت الذي أهانه وطرده وهو يضبط له الصوت على المسرح، وفي حالة السائق ومهندس الصوت تم تجاوز الأمر باعتبار أن (عمرو دياب) يتعامل معهما بشكل دائم.
أما في حالة الشاب المصفوع على وجهه، فقد اعتبر قطاع عريض من محبي (الهضبة) أن هذه الصفعة نزلت على وجهه هو، فعندما يتجاوز النجم في حق معجب فإنه يمكن أن يتجاوز في حق آخر وآخرين، ومن هذا المنطلق كانت حالة الهياج على مواقع التواصل عليه.
هياج يحمل الكثير من الغضب بعد خروج النجم الكبير عن حدود الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها الكبار ونهجه سلوك المنفلتين أخلاقياً الذين يستبيحون لأنفسهم النيل من كرامة الآخرين والاعتداء البدني عليهم عقاباً على حبهم لهم.
رد فعل (عمرو دياب) مرفوض
كما حمل القليل من الغضب من الشاب بدعوى فرضه نفسه على النجم الكبير ومطاردته له في حفلاته والتصوير معه في ذات الحفل عدة مرات والإمساك بملابسه بطريقة غير لائقة.
أياً كان الخطأ الذي ارتكبه الشاب فإن رد فعل (عمرو دياب) مرفوض وخروج على قيم المجتمع، ولو أن هذا الشاب أزعجه فقد كان هناك طرق أخرى لإبعاده غير الضرب.
مصيبة (عمرو دياب) ليس في خطيئته بضرب الشاب فقط، ولكن في عدم إدراكه لعواقب ذلك ورفضه الاعتذار والمضي في غيه وتكليفه محاميه لرفع دعوى قضائية على الشاب، لتكون في مواجهة الدعوى التي رفعها المصفوع.
وهو سلوك يمكن أن يرتكبه شخص عادي أو شاب أرعن، ولكنه لا يتوافق مع نجم حريص على صورته عند جماهيره، ليخرج الأمر عن السيطرة ويسبب حنقاً عليه من أهل الصعيد باعتبار أن الشاب صعيدي.
وتبرع 50 محامياً صعيدياً للدفاع عنه، كما طلب محاميه تعويضاً مبالغاً فيه وصل إلى مليار جنيه، وكاد الأمر أن يخلق فتنة المسؤول الأوحد عنها هو (عمرو دياب) ومستشاروه الذين ورطوه، وكان ينبغي أن يتداركوا الموقف وأن يكون النجم أذكى من أن يورط نفسه في معركة خاسرة.
الخاسر الوحيد في هذه المعركة هو النجم الكبير، فالشاب المصفوع ليس لديه ما يخسره، بل أنه حقق الكثير من المكاسب من هذه الأزمة، أما (عمرو دياب) فقد خسر قطاعاً من محبيه الذين يرفضون أن يكون نجمهم المفضل أرعن.
وهذه هي الخسارة الأكبر بصرف النظر عن قرار المحكمة، فالخسائر المادية مقدور عليها أما فقدانه حب واحترام الناس فهو حصاده بعد 40 سنة غناء وشهرة ونجومية.. وجاء هذا التصرف ليفقده الكثير منها، وكأنه لا يدرك أن الجمهور هو الذي يصنع نجومية الفنان، وهو الذي يمكنه هدمها بانصرافه عنه ورفضه لسلوكياته.