بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
مازالت الحضارة المصرية محط دراسات البحث الأثري على مستوى العالم، ولهذا نشاء علم خاص بحضارة (المصري القديم) يسمى بعلم المصريات Egyptology، ولكن يوجد سؤال ملح، لماذا كل هذا الاهتمام بالحضارة المصرية القديمة؟
ونأتي إلى الإجابة بأن (المصري القديم) قد أَرَّخَ لماضية السحيق، الممتد في الزمن الماضي، متحدثا عن عصور سابقة للحضارة المصرية القديمة، بحوالي أربعين ألف سنة، وأن المصريين القدماء ينتسبون إلى هؤلاء القوم.
فجميع علماء الآثار يحاولون التعرف عن هذا الماضي السحيق، ومن هؤلاء وما هي القارة الغارقة (أطلنتس)، وما هى دائرة البروج التي تؤرخ لبدء الإنسان معرفة مهنة الزراعة.. إلخ.
وهذا ما يسبب حيرة لعلماء الآثار، ويحاولون البحث عن آثار هؤلاء القوم السابقين، وحقيقة لم يترك (المصري القديم) هؤلاء العلماء في حيرة، فقد قدم تاريخه وهويته مسجلا على جدان المعابد والبرديات.
وعلماء الأثار أنفسهم يعرفون الكثير، ولكنهم لم يعلنوا، أو يروجوا لما جمعوه من معلومات عنهم لأسباب خفيفة.
قصة أدووم (آدم عليه السلام)
فعلي سبيل المثال قصة أدووم (آدم عليه السلام) موجودة على جدران معبد إسنا، ولكن لم تأخذ حقها من الإعلان عنها، ولولا وجود شخصية (أدووم) في (المسرح المصري القديم)، لما عرفنا أنه آدم.
وأن المصريين القدماء ينتسبون إليه، وأنهم انحرفوا عن عقيدة التوحيد، وألهوا (أدووم) أبو البشر (نتيجة استحداثهم نظام الأسرار)، ولكن الأغرب والمدهش ليست قصة خلق (أدووم) ، بل ظهور (أدووم) في الحياة المصرية كشخصية لها وجود تاريخي.
وتظهر في (المسرح المصري القديم) كشخصية تمثيلية (وهذه هى المرة الأولى الذي يظهر فيها أبو البشرية على مسرح الأحداث في التاريخ البشري).
ومما نندهش له حقا هو أن (المسرح المصري القديم)، لا يتحدث عن أعمال مسرحية تخص حياته التي عاشها، بل على العكس تماما، لقد تحدث عن هذا الماضي السحيق ، في معظم أعماله المسرحية، واستحضر أبطال الماضي السحيق – الذين يبحثون عنهم علماء الآثار – ليكونوا موضوع أعماله المسرحية.
ليؤكد على هويته السحيقة في التاريخ البشري، فالمسرح المصري القديم هو مسرح الهوية المصرية التاريخية، واستخدم جميع إمكانات فن التمثيل لظهور تلك الهوية لأفراد الشعب المصري القديم، والتأكيد عليها وانتسابهم لها، ونسوق بعض الأمثلة، من خلال ما وصلنا من (المسرح المصري القديم):
أولا : العقيدة المصرية التوحيدية الأولى.
(أدووم) مخاطبا (حورس) عند ولاته: (سأضع اسمك حين تبلغ الأفق وتقترب من أبراج ذلك الذى اسمه خفيا.. الله سبحانه وتعالي، الذي لا تركه الأبصار خالق كل شيء، وفي العقيدة المصرية القديمة يقولون أنه خلق الآلهة، أي البشر الذي ألههم المصريين).
ونرى في عمل آخر (تحوت) مخاطبا الإله العلى القدير عندما غزى الفرس مصر وخربوها!
(تحوت): (أيها السيد الفريد الذي لا شبيه له، الذى يحكم ويعمل تبعا لكلماته التي تخرج من فمه فلا ترجع إلى الوراء أبدا، تذكر ما أمرت به حين شرعت القانون الذى فرضته على سلوك البشر، وعلى وضع الآلهة، ومجلس شورى الملك في قصره، والميثاق الذى أعددته أنا بأمر السيد (أتوم) بإعطاء مصر لحور).
ثانيا: (أدووم) الحكم على الجنس البشري (بصفته أبيهم).
(أتوم، أو أدووم): (يقول هذه التي حملت سرا، هى فتاة حملت وستضع دون تدخل من الآلهة حقا، وهذا يعني أنه غرس أوزيريس)
(أدووم): (رائع يا ولدي حور ولتبق في بلد أبيك أوزيريس باسمك الذى هو الصقر الذى فوق أبراج قصر ذلك الذى خفى اسمه.. أدووم يقرب حور من الإله الخفي، الله سبحانه وتعالى).
ثالثا: الطوفان، (أدووم): (سوف أدمر كل ما خلقته، وسوف تتحول هذه الأرض إلى محيط كما كانت في الزمان الأولي.
مشهد يوضح سفينة نوح
(في لحظة غرق الأمنتت في أعماق المحيط، غادر الملك المسن جب وزجته نوت، وأتباعهما، وبعض البحارة جزيرتهم الأسطورية مستقلين سفينة ضخمة، وقديمة إلي حد ما)، وتعرف هذه السفينة باسم (خبر).
ثالثا: تأسيس مصر بعد الطوفان.. الصراع على الحكم:
في هذه المرحلة حكم جب، ثم أعطي الحكم لأوزيريس، ودار الصراع بين الأخوين (أوزيريس ، وست) انتهي بمقتل أوزيريس، وضياع الملك العادل.
مشهد تمثيلي صامت يصور الحدث
وضع أوزيريس على المشنقة، (ست يشعر بالرضا والفخر)، ست يتلذذ بمشاهدة أوزيريس هو يعاني من سكرات الموت، ست يخرج الخنجر من وسطه، ويستعد لانتزاع قلب أوزيريس الذي مازال ينبض بالحياة، ست ينتزع قلب أوزيريس، وتكون نهاية أوزيريس المفجعة.
رابعا: استرداد ملك مصر الخبيث ست.
انتصار حورس.. إيزيس: (احصن قلبك يا ابني حورس).
(حورس): ما أسعد هذا اليوم!.. يدي لديها السيطرة على رأسه!
لقد ألقيت على أبقار فرس النهر في مياه عمقه ثماني أذرع..
لقد ألقيت حرابي على ثور مصري السفلي في مياه عمقها عشرين ذراعا..
ونصل حربتي طولها أربع أذرع، وحبل طوله ستين ذراعا..
وفي يدي رمح طوله ستة عشر ذراعا..
وأنا شاب طولي ثمانية أذرع..
لقد ألقيت واقفا في حرب على ماء عشرين ذراعا..
لقد رميت بيدي اليمنى، وأرجحت بيدي اليسرى..
كما يفعل رجل مستنقع جريء.
خامسا: ظهور مملكة مصر القديمة موحدة تحت حكم ملوك بحراسة حورس، ووفق التاريخ يكون مينا هو الموحد والمسترد لمصر من التقسيم.
ومما سبق نكون قد أوضحنا أن (المسرح المصري القديم)، هو مسرح مرتبط بالهوية المصرية السحيقة في التاريخ، ليؤكد على عراقته، لذلك بعض باحثي الآثار يرون أن التاريخ المصري، يمتد في التاريخ لأكثر من مليوني سنة.
وبالطبع لم نقف على هذه الحقيقة، ولكن المسرح المصري القديم يؤكد على الهوية التاريخية من البداية منذ آدم عليه السلام، مارا بالطوفان حتى تأسيس الامبراطورية المصرية القديمة، وهكذا يؤكد المصري القديم على هويته من خلال (المسرح المصري القديم).