(ناصر المزداوي).. الغربة، والشاعري والفضائيات سبب ظلمه وابتعاده عن الساحة الغنائية (2/2)
* انعكست آثار الثورة الفكرية عليه، في الغربة، وعلى أغنياته وموسيقاه فقدم ألبومه الثاني (رحلة عمري)!
* في حقبة الثمانينات وعندما كان يعيش مطاردا، قدم بكل حماس أغنية حماسية ثورية تدعو إلى الثورة ضد القذافي بعنوان (ثوروا)
* لعب دورا فعالا في المعارضة الليبية فى الخارج، وبالتحديد في (التنظيم الوطني الليبي).
* قدم ألبوما غنائيا وطنيا من خلال التنظيم الوطني الليبي منتقدا الرئيس معمر القذافي
كتب: أحمد السماحي
تعرضت موهبة المطرب الليبي الجميل (ناصر المزداوي) للظلم الشديد، وهذا الظلم أثر على مشواره ومكانته الفنية، وهذا الظلم نتج لظروف كثيرة منها سنوات الغربة التى عاش فيها (ناصر المزدواي) متجولا بين عدة دول.
وأيضا ظلمه من وسائل الإعلام العربية المختلفة، فنادرا ما تذاع له أغنية بصوته، أو كليب، أو لقاء مصورعلى الفضائيات، رغم غنائه المعبر، وصوته السليم، جيد التدريب، واضح النبرات..
واختياراته الغنائية التى تقدم موضوعات تمس حال شباب كثيرين، وتضيف مفردات ونغمات جديدة إلى الغناء العربي المعاصر، ومن خلال كل هذه الأدوات لمس (ناصر المزداوي) شغاف القلوب وحقق لنفسه مكانه متميزة.
وكان يمكن أن تكبر هذه المكانة لـ (ناصر المزداوي) وغيره من أصحاب النغمات المختلفة، الذين يعرفون أهمية الكلمة وتأثيرها، ويعرفون للأداء جاذبيته وتمكنه وصدقه.
وتعبيره الحساس لولا انتشار السطحية والتفاهة على وسائل الإعلام الصحفية والفضائية خلال السنوات الماضية.
الأسبوع الماضي ومن خلال باب (مظاليم الفن) توقفنا مع طفولة ونشأة (ناصر المزداوي) وحبه لرموز الغناء العربي، ودور رواد الأغنية الليبية على مشواره..
وتكوينه لفرقة (النسور) وما فعله الرئيس معمر القذافي فيهم، وسر حرق الآلات الموسيقية التى تخدم فكر النظام الغربي، وهذا الأسبوع نستكمل الرحلة والمشوار.
غربة (ناصر المزداوي)
أحدثت (الثورة الفكرية) التى ظهرت في ليبيا عام 1973، وما فعله الرئيس الليبي (معمر القذافي) في هؤلاء الثوار من المطربيين والأدباء، صدمة لكثير من الشباب!
وعلى إثرها هاجر من هاجر، واعتزل منهم من اعتزل، وخاب نجم بعضهم، واختار (ناصر المزداوي) الغربة، وما أقسى الغربة، وما أطول لياليها على قلب الإنسان خصوصا إذا كانت مفروضة عليه.
ولا خيار لديه، سوى الاستسلام والسير في دروبها الوعرة المملوءة بالأشواك، والغوص فى بحور الدمع الحزين لفراقه الأرض والأهل.
هكذا عاش الفنان (ناصر المزداوي) سنوات طويلة مرت عليه وكأنها قرون عديدة، ينتقل من بلد إلى آخر، حامل آلام الشوق والحنين، ينتظر اللحظة التى يعود فيها إلى حضن الدفء والأمان.
(المزداوي) ورحلة عمري
كان لابد أن تنعكس هذه الغربة على أغنياته وموسيقاه فقدم (ناصر المزداوي) ألبومه الثاني (رحلة عمري) ويغني فيه بصوت مليئ بالشجن والحزن قائلا
ماشي ومعاي حزني وآهاتي
سايب ورايا كل ذكرياتي
عمري، وصبايا وسنين حياتي
عندي رفيقان شنطة سفر، وجيتار
دوما مسافرين، من مينا إلى مطار
أو منتظرين فى محطة قطار
ورددت معه الجماهير من المحيط إلى الخليج أغنيته الحزينة:
طول عمري متغرب من دون العباد
وحياتي مضيعها من بلاد إلى بلاد
والشوق مدوبني من كتر البعاد
وحبايبي بيوحشوني بالذات في الأعياد
وحقق (رحلة عمري) الذى تضمن أغنيات (يا عين، مرسالك، عيونها، سمارة، أول موعد، ليل الصيف، شكرا يا غربة، مو كلمة) نجاحا كبيرا ثبت أقدامه في عالم النجومية.
خاصة أنه وكما فعل في ألبومه الأول كتب ولحن ووزع كل أغنياته باستثناء أغنية (سمارة) التى كتبها الشاعر الراحل حسن الصيد.
(المزداوي) والليلة
بعد هذا الألبوم قدم ألبوم بعنوان (الليلة) تضمن ثمانية أغنيات هي (يا طير يا مسافر، بلادي، نحلم، يا خويا الإنسان، دوري بينا يا دنيا، جيتني وجيتنى السعادة، يا اللي نسيني).
وجاء ألبومه (وحداني) عام 2000 يحمل تجارب موسيقية وغنائية رائعة أهمها (ضي القمره، هدوء مش عادي، زي النسيم، أحلى كلام، شاورتلي بإيديها، مين زيك، إدللي)، وفي ألبوم (راجع) يغني أغنية لمصر التى يعشق السهر على نيلها فقال:
يا مصر يا أم الدنيا
أنا راجع أشرب ميه من مية نيلك
وأتمشى فيكي شوية يا مصر بالليل..
تجارب موسيقية أخرى وعمرو
توالت ألبومات (ناصر المزداوي) فقدم تجربة مختلفة بعيدا عن الغناء والتلحين من خلال ألبوم (أنغام ليبية حول العالم)، حيث قدم من خلال العزف على الجيتار المصحوب بالتوزيع الأوركسترالي في خلفية موسيقية مميزة ميلوديهات الموروث الشعبي العربي الليبي.
كما لحن ووزع أغاني وموسيقى المسلسل التليفزيوني (جسر الحنان) الذى قامت المطربة الأردنية (منى حداد) بغناء أغنياته.
ولم يقتصر عمله على الغناء لنفسه فقط، فقد غني ألحانه عدد من المطربين العرب أمثال عمرو دياب، الذى غني له (حبيبي يا نور العين) التى حصل من خلالها على أكثر من جائزة عربية وعالمية.
كما لحن له أغنيته الجميلة (كمل كلامك) التى حملت اسم الألبوم، وقدم له أيضا أغنية (بدر البدور)، كما لحن لليبي (عبدو جبار) أغنية بعنوان (يا ناكر جميلي)، وغيرهم من المطربيين العرب.
ثورة على القذافي
على إثر إندلاع المصادامات المسلحة بين فدائيي الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا بقيادة الشهيد البطل (أحمد إبراهيم أحواس) وبين قوات النظام خلال يومي 6، 8 مايو 1984.
والتى أطلق عليها (عملية باب العزيزية)، قامت أجهزة النظام الأمنية ولجانه الثورية باعتقال المئات من أبناء الشعب الليبي في مختلف المدن ومن شتى الأوساط المدنية والعسكرية ممن شكت في تعاونهم مع فدائيي الجبهة.
وعرضتهم بمن فيهم من بعض الأطفال والنساء، لأبشع أنواع التعذيب والقهر والإذلال النفسى والبدني.
وشهد شهر يونيو 1984 الذي صادف ذلك العام شهر رمضان المبارك عام 1404 هجرية، محاكمة ثمانية من هؤلاء المعتقلين أمام محاكمات ثورية ميدانية صورية لم تستغرق سوى ساعات قليلة أصدرت بحقهم أحكاما جائرة بالإعدام نفذت بالساحات العامة.
وعلى مرأى من المواطنين خلال ساعات من صدورها كما نقل التلفيزيون مشاهد المحاكمة، وتنفيذ عمليات الإعدام الإجرامية وهدم البيوت، فثار (المزداوي) الذى كان يعيش في هذه الفترة مطاردا وقدم بكل حماس أغنية حماسية ثورية تدعو إلى الثورة ضد القذافي بعنوان (ثوروا) يقول في مطلعها:
ثوروا يا أهل بلدنا الحزينة
يا أهل البوادي يا أهل المدينة
فى جنوبنا وفى شرقينا، وفي غربينا
يا كل بطل منا ولينا يا جنودنا
ثوروا يا طيارين يا بحارين
فى كل موقع في كل مينا
يا أدبائنا يا كل فنانينا
يا شعرائنا يا كل مطربينا
ثوروا … ثوروا
سرقة (المزداوي)
شجعت تجربة (ناصر المزداوي)، خاصة بعد النجاح الكبير الذى حققته كثير من الفرق الغنائية والملحنيين والمطربيين المصريين والعرب على تقليد التجربة الجديدة.
والبعض لم يقتصر بالتقليد، فقام بسرقة التجربة كاملة، وبدأ ينسج على منوالها لكن بطريقة تجارية، وحضر الملحن والمغني والموزع (حميد الشاعري) لمصر في بداية الثمانينات.
وعمل بكل وضوح علي أثر وخطى نجاحات (المزداوي) مستعينا بكل ما أمكن حمله من أصيل الاغنية الليبية وحولها الي مشروع تجاري بحت.
وكان ذكيا في اختيار القاهرة لإنطلاقته، وفي هذه الفترة ظهرت شائعة قوية تقول أن المطرب والملحن الليبي (ناصر المزداوي) مات في الغربة.
وصدق (حميد الشاعري) الشائعة ورددها على الفور لكل من يقابله، ونظرا لحب (الشاعري) الشديد لهذا الفنان !! فقد كون على الفور فرقة اختار لها اسم (المزداوية)، تقديرا لفن المزداوي!.
ولم يكن اختيار عبثي لأن (ناصر المزداوي) حينها كان رائدا للأغنية الحديثة، وله اسمه عند كل الفنانيين العاملين في حقل الموسيقى.
ومن هنا استمر (حميد الشاعري) في العمل ليؤكد نفسه كرائد للاغنية الشبابية العربية في حين أن الحقيقة تقول أن معظم إبداعه مزيف ومقتبس من (المزدواي) ومن التراث الليبي.
لهذا أطلق عليه (المزداوي) في أحد حواراته الصحفية القليلة جدا لقب (فيروس الغناء العربي)، وقال عنه: (سرق الشاعري هذا ألحاني، واتجاهي، وحاولت أن أمنع انتشار هذا الفيروس، وأن يكون معي مضاد حيوي لوقف انتشاره لكني فشلت!).
(المزداوي) معارض سياسي
لعب (ناصر المزداوي) دورا فعالا في المعارضة الليبية فى الخارج، وبالتحديد في (التنظيم الوطني الليبي)، وقدم ألبوما غنائيا وطنيا من خلال التنظيم منتقدا الطاغية معمر القذافي.
وكان الألبوم يعرض في المؤتمرات المعارضة في الخارج، وشارك في تسليح ثوار 17 فبراير 2011 ، وشارك أيضا فى إيواء بعض الثوار إبان الثورة المباركة، وبعد ثورة 17 فبراير أنجز عددا من الأعمال الوطنية منها (أصلك ليبي) مع المطربة (أسما سليم)، وأغنية (تعالى انضم لجيش بلادك).
(ناصر المزداوي) منذ قيام الثورة الليبية الأخيرة التى أسقطت الرئيس معمر القذافي، يحضر لألبوم جديد سجل بعض أغنياته في ولاية (بوسطن) الأمريكية يتضمن أكثر من 12 أغنية، من كلماته وألحانه وتوزيعه، وكلنا أمل في طرح هذا الألبوم.