(أحلام) غنت (القمح الليلة) مجانا، و(الطويل) عرض عليها (على قد الشوق)، وغنت (الصبر) بالصدفة!
كتب: أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام ذكرى مطربة رائعة الصوت، وواحدة من مظاليم الفن المصري وهي المطربة (أحلام) التى رحلت يوم 17 مايو عام 1997، بعد مشوار طويل في الفن بدأته في بداية أربعينات القرن الماضي.
و(أحلام) صاحبة الصوت الخاص جدا، التى تمتلك صوت نادر ومختلف عن كل الأصوات التى نسمعها، وهى واحدة من المطربات القلائل جدا التى غنت الأغنية الريفية.
وأنصفت البنت الريفية التى لا تجيد التعبير عن مشاكلها، فكانت (أحلام) هى صوت هؤلاء الفتيات الريفيات، وغنت لهن:
(وقفوا الخطاب سنتين على الباب مارضيش أبويا
بعتوا المراسيل بكتير وقليل مارضيش أبويا
لأجل نصيبي راح له حبيبي وافق أبويا).
وغنت (أحلام) أيضا على لسان فتاة ريفية:
يا ليلة بيضا يا نهار بيلالي
وعريسي يا أمه جلاب الغالي
أنا ماشية في حالي، ولا واخدة ف بالي
رنة خلخالي شبكت في الخالي
وشبكني يا نينه منك طوالي
اللقمة الطعمة بكره اعملها له
والهدمة الناعمة بكره اغسلها له
والكلمة الحلوة هو يقولهالي.
(أحلام) تغني للفرح
وقدمت (أحلام) رائعة جاءت على لسان بنت تغني للفرح سواء كانت هى صاحبة الفرح أم غيرها، إنها تفرح لغيرها من البنات كأنها تفرح لنفسها.
فالفرح أيا كان مكانه، أمر بهيج جدا للفتاة القروية، فما بالك لو كان الفرح فرح أختها الكبرى فتغني وتقول:
زغروتة حلوة رنت في بيتنا
لمت حارتنا وبنات حارتنا
زغروته حلوة
لواحظ أختي خطبوها، والفاتحة من بدري قروها
والشبكة من قبل معادها جونا الحبايب وجابوها
والفرح جانا، وكاد عدانا، والطبلة رنت في مندرتنا
ولا يمكن أن ننسى لـ (أحلام) أغنيتها (توب الفرح) هذا (الثوب) الذي يعتبر حلم كل فتاة مصرية، وهو بوابة المستقبل الميمون وجدير بأن تغني له الفتيات من قلوبهن فغنت:
توب الفرح يا توب مغزول من الفرحة
فاضل يومين يا دوب، وألبس لك الطرحة
وطبيعة صوت (أحلام) جعلت الموسيقار محمد عبدالوهاب يختارها لتشاركه غناء رائعته (القمح الليلة)، والملحن الكبير محمود الشريف اختارها لتغني أغنية (يا عطارين دلونى الصبر فين اراضيه) التى كانت لمطربة أخرى.
كما عرض عليها الموسيقار المتطور كمال الطويل لحن (على قد الشوق) قبل أن يغنيه عبدالحليم حافظ.
أحلام وفرقة (الأنغام الذهبية)
هذا الأسبوع في باب (حواديت الأغاني) نترك المطربة (أحلام) بنفسها تحكي لنا حواديت هذه الأغنيات الثلاث كما ذكرتها في حوارها مع مجلة (الكواكب) عام 1965.
تقول (أحلام): بدأت أغني وعمري عشر سنوات، وكان والدي يشجعني في البداية بحكم أنه من عشاق الطرب الأصيل، ويقيم أسبوعيا حفلات في البيت يحضرها أصدقائه من عشاق الغناء.
ودرست الموسيقى في المعهد الملكي، ودراسة أصول الموسيقى والغناء على أيدي مجموعة من الأساتذة أمثال (مصطفى بك رضا، وصَفْر بك علي، ومحمود رحمي، ومحمود الحفني).
وأثناء ذلك ألتحقت بفرقة (الأنغام الذهبية) التي أسهها الملحن (عبد الحميد توفيق زكي)، والذي قدمني للمرة الأولى في الإذاعة المصرية.
وفي هذه الفترة كنت أتردد على نقابة الموسيقيين من أجل التدريب والمِران المتواصل على أصول الغناء والموسيقى، وهناك قابلت عازف الكمان الشهير أحمد الحفناوي، وزميله أنور منسي.
وعندما استمعا لصوتي بالمصادفة، أعجبا به عندما سمعاني، وكان الموسيقار محمد عبدالوهاب يبحث عن صوت نادر يشاركه غناء أغنية (القمح الليلة) كلمات الشاعر حسين السيد.
والتى كان من المقرر أن تكون في فيلمه الأخير (لست ملاكا) الذي قدم عام 1947، وشاركت في بطولته كلا من (نور الهدى، وليلى فوزي).
وهناك طلب مني (عبد الوهاب) الغناء بمرافقة عازف الكمان (أنور منسي) الذي عزف أغنية (يا وابور قولي رايح على فين) وبمجرد أن استمع إليّ عبدالوهاب طلب مني على الفور أن أشاركه غناء أغنية (القمح الليلة).
وسعدت جدا بهذه الخطوة التى جاءتني عن طريق المصادفة، ورغم هذا لم أتقاض عنها أي مليم، حتى لم يذكر اسمي، وعمل دوبلاج لصوتي على صورة الفنانة (ليلى فوزي).
وكثيرون كانوا يظنون أن (نور الهدى) هى التى أدت الأغنية، التى كانت بداية شهرتي في الفن، رغم أنني قدمت قبلها العديد من الأغنيات للإذاعة المصرية سواء مع فرقة (الأنغام الذهبية) للملحن عبدالحميد توفيق زكي أو غيرها من الأغنيات.
(يا عطارين دلوني) سبب شهرتي
تتابع (أحلام) حديثها فتقول: المصادفة الثانية حدثت لي أيضا في نقابة الموسيقيين، ففي يوم كنت في النقابة، وكان الملحن محمود الشريف يجري بروفة على أغنية (الصبر)، الشهيرة بـ (يا عطارين دلوني) مع مطربة من المنصورة.
ولما رأني سأل عني (أحمد الحفناوي)، فقال له : (دي يا سيدي اللي غنت القمح الليلة) فطلب الشريف من الحفناوي أن يعرفه بي، وجاءني (الحفناوي) يطلب مني أن أقوم معه لأتعرف بالشريف.
فقلت له: (اللي عاوزني يجيني!)، وجاءني الشريف، وكان صوت المطربة التى تغني في بروفة أغنية (يا عطارين) لا يعجبه، فطلب مني أن أؤدي اللحن، وسمعت اللحن مرة واحدة وعلى الفور حفظته.
وأحسست به قريبا من قلبي، وغنيته وتأثرت باللحن والكلام وأنا أغني جدا، فنجحت الأغنية، وتقاضيت عنها 8 جنيهات، وأعتقد أن سبب نجاحها يعود إلى عناصرها الثلاثة قوية، الكلمات، واللحن، والأداء.
أحلام و(على قد الشوق)
تواصل المطربة (أحلام) ذكرياتها فتقول: بعد النجاح الكبير الذي حققته أغنية (يا عطارين دلوني) بدأت الإذاعة تهتم بي، وغنيت للملحنيين الكبار (أحمد صدقي، محمود الشريف، مدحت عاصم، أحمد عبدالقادر) وغيرهم.
وارتفع أجري من 8 جنيه، إلى 12، إلى 15، إلى 22.5، عام 1952، وفي بداية عام 1953، تعرفت على الملحن الشاب كمال الطويل، وصديقه المطرب الناشئ عبدالحليم حافظ.
ويومها قلت للمطرب الجديد (عبدالحليم حافظ)، تقدر تغني لي حاجة، فغنى لي بشكل رائع وصادق (يا عطارين دلوني)، وقتها تنبأت له بمستقبل كبير، وفي هذه الجلسة عرض علي كمال الطويل لحن (على قد الشوق).
وأعجبت باللحن، لكني انشغلت بتنفيذ أغنيات أخرى، بعدها تزوجت وسافرت مع زوجي إلى الإسكندرية، واعتزلت الفن كرغبته.
وفي عام 1955 عدت للفن وللقاهرة بعد أن تركت زوجي، واتصلت بكمال الطويل الذي كان مشغول في وضع ألحان فيلم (لحن الوفاء)، بعدها قدمت أغنيات وطنية ناجحة بمناسبة العدوان الثلاثي على مصر.
ومن هذه الأغنيات (ندراك لليوم ده يا ولدي)، والأغنية الشهيرة (يا حمام البر سقف) التى يقول مطلعها:
يا حمام البر سقف، طير وهفهف
حوم ورفرف على كتف الحر وقف
والقط الغله.