بقلم: أحمد الغريب
انتهت مسابقة (يورفيجين) للأغنية الأوروبية – أكبر مسابقة موسيقية في العالم- السبت 11 مايو 2024، بفوز السويسري (نيمو) 24 عاماً، بعدما نالت أغنية (ذا كود) أعلى النقاط من لجنة تحكيم الدول، وما يكفي من الأصوات الشعبية لحصد 591 نقطة، متفوقة على كرواتيا في الحفل النهائي للمسابقة التي أقيمت في مدينة مالمو السويدية. شهدت المنافسة جدلاً واسعاً حول مشاركة إسرائيل بسبب عدوانها المتواصل على قطاع غزة منذ نحو سبعة أشهر، وتشارك إسرائيل في (يوروفيجن) منذ 1973 وفازت بها في 2018 للمرة الرابعة.
(نيمو)، بالإضافة إلى المتسابق الكرواتي والمتسابقة الإسرائيلية (إيدن جولان)، التي صُنِّفَت السبت الماضي، الثانية بعد ممثل كرواتيا في ترتيب الأوفر حظاً للفوز بمسابقة (يوروفيجن) التي يشاهدها الملايين في جميع أنحاء العالم.
وعندما صعدت المتسابقة الإسرائيلية إلى خشبة المسرح لأداء أغنية (إعصار)، سُمعت صيحات ترحيب تعلو عليها صيحات استهجان بين صفوف الجمهور على مسرح (مالمو أرينا)، كما سمعت صيحات الاستهجان عندما صدرت نتيجة التصويت الإسرائيلي، وفي النهاية، حلت (جولان) في المركز الخامس بـ 375 نقطة.
المثير للسخرية هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتانياهو) وقبل نصف النهائي، اعتبر من جانبه أن (إيدن جولان) فازت (بالفعل)، موجهاً لها التحية في مقطع فيديو لأنها واجهت (بنجاح موجة مروعة من معاداة السامية).
هرتسوج يتصل بـ (إيدن جولان)
وفي أعقاب إعلان نتيجة (يوروفيجن)، أجرى الرئيس الاسرائيلي، (إسحاق هرتسوج)، مكالمة هاتفية، مع المغنية (إيدن جولان)، وأفادت صحيفة (معاريف) الإسرائيلية، بأن (هرتسوج) قدم تهانيه لغولان على فوزها بالمركز الخامس في المسابقة التي أقيمت بمدينة مالمو في السويد.
وخيمت عليها حالة من الجدل الكبير بسبب مشاركة المغنية الإسرائيلية، وقال الرئيس الاسرائيلي للمغنية الشابة: (لقد منحتينا الكثير من الشرف والشجاعة عندما وقفت بفخر أمام الحشود الحاضرة المعادية لإسرائيل والمعادية للسامية.. لقد كانت مهمة وطنية معقدة، وأنا أعرب لكِ عن تهنئتي وامتناني).
ولدت (جولان) في تل أبيب، وانتقلت في طفولتها إلى العاصمة الروسية موسكو مع عائلتها بعد أن عُرض على والدها وظيفة عمل، ومكثت في روسيا لمدة 13 عاما.
وفي عام 2018، شاركت في موسم النسخة الخامسة من برنامج The Voice للأطفال حيث انضمت إلى إحدى الفرق ووصلت إلى النهائيات، وبعد بدء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، عادت الفتاة وعائلتها إلى إسرائيل.
تغيير كلمات الأغنية
بعدما تأهلت المغنية الإسرائيلية (إيدن جولان) 20 عاماً، إلى نهائيات مسابقة (يوروفيجن) بأغنية (هوريكين) أو (إعصار، طالبها منظمو (يوروفيجن) بتعديل كلمات الأغنية التي تشارك بها.
والتي كانت في الأصل بعنوان (مطر أكتوبر- (October Rain، لحذف ما قالوا إنها إشارات إلى هجوم 7 أكتوبر 2023، وذكرت هيئة البث الإسرائيلية في حينه، أن الأفضل الانسحاب من المسابقة بدلا من تغيير الأغنية.
وبالفعل تم تغيير كلمات الأغنية، وجاءت الأغنية الجديدة تحت اسم (إعصار) (Hurricane)، ولم تنسحب إسرائيل.
كلمات الأغنية الأصلية كانت تتضمن عبارات مثل (لم يعد هناك هواء للتنفس) و(كانوا جميعهم أطفالا طيبين)، في إشارة للأشخاص الذين تحصنوا في الملاجئ، خلال هجوم حركة حماس.
أما الأغنية المنقحة، التي حملت عنوان (إعصار)، فقد احتوت على عبارات تميل إلى المشاعر الشخصية، مثل (كل يوم أفقد عقلي.. وما زلت منهارة بسبب هذا الإعصار)، وفق ما قالت (إيدن جولان) في مؤتمر صحفي مع كاتبي ومنتجي الأغنية.
المرونة في تغيير اسم وكلمات الأغنية
وقالت (إيدن): (أعتقد أن الرسالة واضحة.. تدور كلمات الأغنية حول امرأة تمر بأزمة شخصية – إعصار).
وفي حينه تحدث معدو الأغنية وهم (كيرين بيلز، آفي أوهيون، ستاف بيغار)، في المؤتمر الصحفي عن الرحلة الصعبة مع التغييرات التي أجروها على الأغنية، مشيرين إلى أنه ليس من الجيد عموما أن تغير كلمات أغنية سبق أن كتبتها.
لكن لا مشكلة لدينا بإظهار المرونة في تغيير اسم وكلمات الأغنية، وقال أحد كتاب الأغنية (آفي أوهيون): (عندما جلسنا للكتابة، علمنا أننا سنكتب عن الوضع.. كنا نعلم أننا لن نكتب أغنية بوب لا تقول شيئا.
حاولنا القيام بذلك بطريقة خفية قدر الإمكان.. تحدثنا أكثر عن آلامنا (كشعب وليس عن السياسة، من المستحيل أن أكتب عن أي شيء آخر هذه الأيام، هذا ما نمر به الآن، وعن دافع اختيار الأغنية التي تغنى باللغة الإنجليزية وليس بالعبرية.
قال (ستاف بيغار): (لا نحتاج إلى الشرح باللغة العبرية، لأننا لا نشرح لأنفسنا.. نحن بحاجة إلى الانفتاح والتواصل مع العالم، ويجب أن يحدث هذا بلغة يفهمها الناس).
بدورها، قالت (كيرين بيلز): إن (هناك طرقا عدة لقول ما أردنا قوله في (يوروفيجين) أن شعب إسرائيل لا يستسلم ولم يستسلم).
تعرية الكيان الإسرائيلي
المشاركة الإسرائيلية هذا العام قوبلت بحالة من الجدل بين الأوروبيين، حيث تظاهر نحو 12 ألف شخص في المدينة المضيفة، ضد مشاركة إسرائيل، معربين عن غضبهم من الحرب في غزة.
وسبق أن أكد الاتحاد الأوروبي للإذاعة والتلفزيون الذي يشرف على المسابقة في مارس الماضي مشاركة (إيدن جولان) رغم الانتقادات.
وفي نهاية مارس، دعا مرشحون من تسع دول، تأهل سبعة منهم إلى الحفلة النهائية، إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة الذي تتواصل الضربات الإسرائيلية فيه.
وقبل ساعات قليلة من الدور النهائي لمسابقة (يوروفيجن)، أعلنت المتحدثة باسم النرويج في المسابقة انسحابها، وفسرت المغنية (أليساندرا ميلي) 21 عاماً، قرارها في مقطع مصور عبر إنستجرام، مشيرة إلى إجراءات إسرائيل في قطاع غزة.
وقالت، في المنشور: (هناك إبادة عرقية متواصلة.. افتحوا أعينكم.. افتحوا قلوبكم.. دعوا الحب يقودكم إلى الحقيقة، وقالت (ميلي) إن شعار (يوروفيجن): (متحدون بالموسيقى) هو السبب الذي يجعلها تعمل في الموسيقى، (لكن الآن، صارت هذه الكلمات مجرد كلمات خاوية).
فيما أطلق حزب (سومار) اليساري الإسباني المتطرف الذي تعد رئيسته (يولاندا دياز) الثالثة من حيث الأهمية في الحكومة الائتلافية عريضة، للمطالبة باستبعاد إسرائيل من المسابقة، بينما (يرتكب جيشها إبادة الشعب الفلسطيني وتدمير أراضيه). إلا أن (برلين) رأت أن (الدعوات لمقاطعة مشاركة إسرائيليين غير مقبولة على الإطلاق)، فيما شدّدت باريس على أن السياسة لا مكان لها في (يوروفيجن)!
كما انضمت ناشطة المناخ السويدية (غريتا تونبيرغ) إلى ما يزيد عن 10 آلاف مؤيد للفلسطينيين في احتجاج سلمي خلال الساعات التي سبقت نصف نهائي المسابقة، ولوحوا بالأعلام الفلسطينية ورددوا هتاف (قاطعوا إسرائيل).
وندد المتظاهرون بازدواجية المعايير إذ منع اتحاد البث الأوروبي روسيا من المشاركة في مسابقة (يوروفيجن) عام 2022 بعد أن دعت عدة هيئات بث إلى استبعاد الدولة بعد غزوها لأوكرانيا.
فيما نظمت مجموعة أصغر من المؤيدين لإسرائيل، بعضهم من أعضاء المجتمع اليهودي في (مالمو)، مظاهرة سلمية في المدينة للدفاع عن مشاركة (جولان) في المسابقة.
كما أدرج موقع الفضائح الأوكراني (حافظ السلام – غولان) والمشاركة في مسابقة (يوروفيجن) 2024 على قائمته، بقوله: (الانتهاك العمد) لحدود أوكرانيا و(فعاليات مناهضة لأوكرانيا، وظهرت بطاقة تحمل صورة وتاريخ ميلاد غولان).
أنشطة تجارية غير قانونية
وشملت قائمة الاتهامات لها المشاركة في (أنشطة تجارية غير قانونية)، بحسب بطاقة الاتهام وأنها في عام 2016، قدمت غولان عرضا في (الموجة الجديدة) المخصص للأطفال في شبه جزيرة القرم.
لكن الحياد الذي يتمسك به الاتحاد الأوروبي للإذاعة والتلفزيون اهتز أكثر من مرة، فالمغني السويدي الفلسطيني الأصل (إريك سعادة) أطلّ على المسرح، بعد أن لفّ معصمه بكوفية فلسطينية.
وقطعت نقابات قناة (في آر تي) العامة في منطقة (فلاندرز) البلجيكية بث المسابقة لفترة وجيزة لعرض رسالة دعم للفلسطينيين، وكُتب على الشاشة بالفلامنكية على خلفية سوداء (هذا عمل نقابي، نحن ندين انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها دولة إسرائيل.
علاوة على ذلك، تقضي دولة إسرائيل على حرية الصحافة، ولهذا نوقف البث لبرهة وجيزة، وقوبلت الخطوة بالأسف من الاتحاد الأوروبي الذي منع العام الماضي الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) من إلقاء كلمة بالفيديو أثناء الحدث انطلاقاً من مبدأ الحياد السياسي.
بدايات مسابقة (يوروفيجن)
نُظمت أول نسخة من (يوروفيجن) قبل 68 سنة، وعرضت النسخة الأولى بتاريخ 24 مايو 1956 في (لوغانو) السويسرية بمشاركة سبع دول فقط، هى (هولندا، وسويسرا، وبلجيكا، وألمانيا، وفرنسا، ولوكسمبورغ، وإيطاليا)، وهي دول حاربت بعضها بعضاً بشراسة في الحرب العالمية الثانية.
كان الهدف من المسابقة هو جمع الدول المتعادية خلال الحرب معاً في منافسة فنية ودية لتعزيز التفاهم والسلام في القارة الأوروبية، وأدرجت المسابقة الديمقراطيات غير الليبرالية، مثل إسبانيا والبرتغال في الستينيات، وتركيا المسلمة في السبعينيات، والدول اليوغسلافية السابقة المتحاربة في أوائل التسعينيات.
وشملت دول أوروبا الشرقية الشيوعية السابقة، قبل عقد من انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
لكن السياسة أَبت إلا أن تخترق (يوروفيجن)، من أوضح الأمثلة على تدخل السياسة في المسابقة، هى تأثير العلاقات الروسية الأوكرانية على النسخ السابقة.
عام 2016 فازت المغنية الأوكرانيّة، جمالا، في المسابقة بأغنية حملت عنوان (1944)، تتحدّث عن تهجير الاتحاد السوفييتي لسكان القرم من التتار إبان الحرب العالميّة الثانية.
وبعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، منع اتحاد البث الأوروبي روسيا من المشاركة في (يوروفيجن)، ومنذ ذلك الحين، قطعت هيئات البث الوطنية الروسية علاقاتها مع اتحاد البث الأوروبي.
ما يعني أنها لم تعد مؤهلة للمنافسة، وجاء هذا القرار بعدما دعت محطات بث عامة أوروبية عدة إلى طرد البلاد بعد الاجتياح.
لم تكن المسابقة يوماً غير سياسية
بينما يتهم البعض المسابقة بأنها لم تكن يوماً غير سياسية، ظهر تأثير السياسة بشكل واضح للعيان في بعض المناسبات، وأبرزها معارضة ترشيح إسبانيا لمتسابق اختار الغناء باللغة الكاتالونية، وهي اللغة التي قمعها نظام (فرانسيسكو فرانكو الفاشي) حينها.
بدلاً من ذلك، أرسلت أسبانيا مغنية أخرى لأداء نسخة بالأسبانية والإنجليزية من أغنية بعنوان La La La. كذلك، بعد تقسيم جزيرة قبرص عام 1974، أصبحت اليونان وتركيا عدوتين.
في 1976، قَطَعت تركيا البث عندما دخل اليونانيون، وبثت أغنية تركية قومية أثناء ذلك.
أما اليوم، وبينما لا تزال روسيا ممنوعة من المشاركة في المسابقة، سمح لإسرائيل بالمشاركة في الدورة الحالية، رغم استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، للشهر الثامن، مخلفة عشرات آلاف الشهداء والجرحى الفلسطينيين.
معظمهم من الأطفال والنساء، ونحو عشرة آلاف مفقود وسط دمار هائل، ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، وسمح الاتحاد بمشاركة إسرائيل في المسابقة بالرغم من مثولها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية.
إسرائيل هى أول دولة غير أوروبية سُمح لها بالمشاركة في (يوروفيجن) عام 1973، وهى المسابقة التي بُنيت من أجل الأوروبيين ومن أجل السلام.
فازت دولة الاحتلال عام 1978 بأغنية A-Ba-Ni-Bi لأول مرة، ثم نُظمت المسابقة في القدس، وليس تل أبيب، في عام 1979، حين فازت إسرائيل بالمسابقة للمرة الثانية على التوالي.
عادت المسابقة إلى القدس مجدداً عام 1999 بعدما فازت مرشحتها، أول متحولة جنسياً، وفي عام 2018، فازت إسرائيل مجدداً، فحاولت تنظيم المسابقة في القدس، لكنها فشلت ونُظمت في تل أبيب، لأن القدس المحتلة ليست (رسمياً) مدينة إسرائيلية.