(شم النسيم).. غنى له كبار النجوم، ووضع له (حليم الرومي) مقطوعة موسيقية!
كتب : أحمد السماحي
تحتفل مصر اليوم بعيد من أقدم أعيادها، وهو عيد (شم النسيم)، الذي يعتبر عيدا مصريا خالصا، وكان يطلق عليه منذ آلاف السنين، وفي عهد الفراعنة عيد (شمو).
وفي الحقبة المسيحية من تاريخ مصر حرف اسم العيد ليصبح (شم) بدلا من (شمو) ثم ألحقت به كلمة (النسيم) للدلالة على جو الربيع.
وقد وصف المستشرق الإنجليزي (إدوارد لين) الذي زار مصر وأقام بها لفترة من الزمن احتفال المصريين بـ (شم الننسيم) في كتابه (أخلاق المصريين المعاصرين وعاداتهم).
والذي صدر عام 1836، حيث قال: (في هذا اليوم يبكرون بالذهاب إلى الريف المجاور، راكبين أو راجلين، ويتنزهون في النيل، ويتجهون إلى الشمال على العموم، ليتنسموا النسيم، أو كما يقولون ليشموا النسيم).
أما المستشرق الفرنسي (دي فوجاني) الذي زار مصر، ورصد عادات أهلها ومناسباتها في كتابه (القاهرة وضواحيها) الذي نشر بباريس عام 1883.
فقال: (تغزو جماعات المتنزهين في هذا اليوم حدائق المطرية، وحدائق شبرا، وحدائق الروضة، وحدائق الجزيرة، وتأتي تلك الجماعات لتناول الغذاء تحت الظلال الرطبة لأشجار البرتقال، وأشجار الجميز، وأشجار الورد المعطر).
البيض، والخس، والبصل
رغم مرور آلالف السنين على عيد (شم النسيم) مازال المصريون يمارسون نفس العادات والتقاليد التى لم يطرأ عليها أدنى تغيير منذ عصر الفراعنة وحتى الآن.
فالمصريين يحتفلون بشم النسيم بالترويح عن النفس، وصلة الأرحام، وزيارة المنتزهات، ومُمارسة بعض العادات المصرية مثل تلوين البيض، وأكل السمك.
ويخرج العديد من المصريين على اختلاف دياناتهم في (شم النسيم) إلى الحدائق للاستمتاع بالطقس الربيعي، ويرتبط الاحتفال بـ (شم النسيم) بمجموعة أطعمة انتقلت من المصريين القدماء عبر العصور لتفرض نفسها على أعياد الربيع في أنحاء العالم القديم والحديث.
حيث تشمل قائمة الأطعمة المميزة لمائدة (شم النسيم) مثل (البيض، والفسيخ (السمك المملح، والخَسُّ، والبصل، والملانة: الحُمُّص الأخضر)، وهى أطعمة مصرية كان لها معنى ومدلول عند المصريون القدماء.
فالبيض يرمز إلى خلق الحياة من الجماد، وكان قدماء المصريين ينقشون عليه الدعوات والأمنيات بألوان مستخلصة من الطبيعة ويجمعونه في سلال من سعف النخيل الأخضر.
ويتركونه في شرفات المنازل أو يتم تعليق السلال على فروع الأشجار بالحدائق، لتحظى ببركات نور الإله عند شروقه فيحقق دعواتهم.
وظهر البصل ضمن أطعمة العيد التقليدية أيام الأسرة السادسة وارتبط عندهم بإرادة الحياة وقهر الموت والتغلب على المرض.
وارتبط ظهوره برواية وردت في إحدى برديات أساطير (منف القديمة) التي تروي أن أحد ملوك الفراعنة كان له طفل وحيد أصيب بمرض غامض أقعده عن الحركة لعدة سنوات.
وعجز الأطباء والكهنة في معبد منف عن علاجه، ولجأ الفرعون إلى الكاهن الأكبر لمعبد (أون) معبد (إله الشمس)، والذي أرجع سبب مرض الابن إلى سيطرة الأرواح الشريرة عليه.
وأمر بوضع ثمرة ناضجة من البصل تحت رأس الأمير بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ، كما علّق على السرير وأبواب الغرف بالقصر أعواد البصل الأخضر لطرد الأرواح الشريرة.
وعند شروق الشمس قام بشق ثمرة البصل ووضع عصيرها في أنف الأمير الذي شفى تدريجيا من مرضه ومنذ ذلك الوقت اعتبره الفراعنة من النباتات المقدسة.
ويعتبر (الخس) من النباتات المفضلة التي تعلن عن حلول الربيع (شم النسيم) باكتمال نموّها وعرف ابتداء من الأسرة الرابعة، حيث ظهرت صوره في سلال القرابين بورقه الأخضر الطويل، وكان يُسَمَّى بالهيروغليفية (عب)، واعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة.
أغنيات الربيع والفل والورد والياسمين
كان من الطبيعي أن يعد غناء بعض المطربيين لعيد (شم النسيم) أبرز مظاهر احتفالهم بذلك العيد، ونظرا لعدم توثيق مصر للغناء، فلا أحد يعلم ماذا كان يقدم من أغنيات ما قبل دخول الإذاعة المصرية.
لكن مع دخول الإذاعة المصرية الرسمية في مايو عام 1934، بدأ التوثيق إلى حد ما للأغنية المصرية، حيث إهتمت الإذاعة من خلال برامجها بإحياء العديد من المناسبات الهامة.
ولعل أبرز تلك المناسبات (الحج، صيام رمضان، وفاء النيل، عيد الفطر، عيد الأضحى، و(شم النسيم) هذا غير الاحتفالات الوطنية الرسمية.
وقد قدمت الإذاعة من خلال المطربيين ومن خلال برامجها وصورها الغنائية عشرات الأغنيات والأوبريتات عن الربيع، والورد، والفل، والياسمين.
ففي 30 إبريل عام 1936 قدمت فرقة الإتحاد الموسيقي أغنيتين عن الربيع، أولهما هى أغنية (الربيع) تأليف قاسم مظهر، ألحان إبراهيم شفيق، والثانية (بين الزهور البديعة) تأليف وتلحين إبراهيم شفيق.
(عبدالحميد زكي) و(شم النسيم)
توالت أغنيات الربيع، والورد،، التى تحتفي بقدوم شهر الربيع، لكننا اليوم لن نذكر هذه الأغنيات لأنها تحتاج كتاب ضخم لرصدها، لكننا سنكتفي فقط برصد ونشر بعض الأغنيات التى تغنت بـ (شم النسيم).
ففي شهر إبريل عام 1939 غنى الفنان عبدالحميد زكي الذي عرفناه كممثل في أفلام الثلاثينات والأربعينات والخمسينات أغنيتين عن (شم النسيم)، الأولى (على الجناين يلا بينا) كلمات أمام شاهين، ألحان سيد مصطفى.
والثانية كانت بعنوان (أهلا بشم النسيم) كلمات عبدالعزيز سلام، ألحان أحمد صبره.
(حليم الرومي) الأصيل ومقطوعة موسيقية
في شهر مايو عام 1939، قدم المطرب والملحن اللبناني حليم الرومي الذي كان يقيم في مصر في تلك الفترة، ويدرس الموسيقى في معهد الموسيقى العربية مقطوعة موسيقية بعنوان (شم النسيم).
وأغنية بعنوان أغنية (الأصيل) من ألحانه، وكلمات الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل، والتى يقول مطلعها الذي نشرته مجلة (الراديو المصري):
عندما لاح الأصيل فوق أهداب النخيل
وغدت شمس الروابي تشبه الصيف العليل
سكبت عيناك خمرا أسكرت روح الحبيب
(عبدالغني السيد).. (شم النسيم)
يوم الاثنين 21 أبريل عام 1941 قدم المطرب عبدالغني السيد أغنية بعنوان (شم النسيم) تأليف أبوبثينة، ألحان الموسيقار رياض السنباطي، مزج فيها الشاعر ببراعة وإقتدار – كما يقول الدكتور نبيل حنفي محمود – بين ربيع الطبيعة وربيع القلوب، ويقول مطلعها:
الحلو فتح عينه، نوم الهنا والنعيم
يا ورد صبح عليه، خليه يشم النسيم
الشمس طلعت عليه، من بين غصون الخمايل
داري شعاعها بإديه عنه وراح دوغري مايل
(عباس البليدي).. (شم النسيم) بكره
من الأغنيات أيضا التى تكلمت عن (شم النسيم) أغنية بعنوان (شم النسيم بكره) كلمات إبراهيم كامل رفعت، ولحن وغناء عباس البليدي، وقد إذيعت يوم الأحد 21 أبريل عام 1946 ويقول مطلعها كما جاء في مجلة (الراديو):
شم النسيم هل هلاله، متع فؤادك واتهنى
بكره ح نفرح بجماله، ونشوف نعيم الكون جنة
شم النسيم بكره
عيد الأمل موعود، بربيعه وشبابه
يغيب يغيب ويعود والبهجة في ركابه
جايب لنا الورد في إيده، هدية منه في يوم عيده
أصبحوا قابلوه بكره، هنوه هنوه بكره.
(سعاد مكاوي) وردة في (شم النسيم)
في نفس اليوم 21 أبريل عام 1946، قدمت المطربة (سعاد مكاوي) بالاشتراك مع الملحن أحمد صبرة، ديو غنائي بعنوان (وردة في شم النسيم) وشاركهما الكورس، والأغنية كلمات إبراهيم كامل رفعت تلحين أحمد صبرة، ويقول مطلعها:
الوردة: الفجر شقشق على يوم جديد
والدنيا تضحك لعيد سعيد
النهارده عيد النعيم، النهارده شم النسيم
يا فرحتي
الأغصان: يا وردة في الروضة بتغني، يا صباح النور
قومي واسعدي الدنيا وهني، دا الجو سرور.
وبعد حوار الوردة، والأغصان، يدخل البستاني إلى الحوار مرددا المقطع التالي:
يا صباح الخير، يا صباح الهنا، هنا دنيا الروح والفرح هنا
لما الربيع زار بستاني فتح زخوري وهناني.
(شكوكو) و(شم النسيم)
نظرا لأهمية عيد (شم النسيم) بالنسبة للمصريين فقد احتفت به السينما المصرية في أحد أفلامها الذي قدم عام 1952 وجاء تحت عنوان (شم النسيم)، قصة وسيناريو وحوار السيد بدير، إخراج المخرج الإيطالي المقيم في مصر، (فرنيتشو).
وبطولة (سميرة أحمد، رشدي أباظة، برلنتي عبدالحميد، زينات صدقي، محمود شكوكو، عبدالسلام النابلسي) وغيرهم، ويروي الفيلم مظاهر عيد (شم النسيم)، وذلك من خلال اسكتشات وقصص فكاهية.
وفي هذا الفيلم غنى شكوكو أغنية بعنوان (روح يا نسيم) كلمات فتحي قورة، ألحان أحمد صدقي، يقول مطلعها:
روح يا نسيم، وتعالى يا نسيم، أجر تاكسي، أو اركب جيم
قوم من نومك دا اليوم يومك، وعامل لك حفلة تكريم
وفي نهاية الأغنية يقول:
شم النسيم ولدي يا ولدي خدني لحبيبي وديني
افرح معاه ويغديني حبيبي في شم النسيم.