بقلم الكاتبة الخليجية: زينب علي البحراني
في تلكَ الجزيرة ذات الأجواء الإنسانيَّة المُحرضة على الإبداع والتبادل الثقافي على مر العصور، على أرض الموسيقى الثريَّة بالإيقاع لا سيما الإيقاعات المُصاحبة لأغاني الغوص في أعماق مياه الخليج بحثًا عن اللؤلؤ قبل اكتشاف النفط.
وُلد الفنان البحريني (عيسى هجرس) ليكون ولعهُ المُبكر بالفن والموسيقى بداية تاريخٍ إبداعي يستحق الاهتمام والتوثيق، لا سيما وأن ما يُقدمه لصالح هذا المجال كـ (جُندي مجهول) أضعاف ما يُقدمه تحت أضواء الظهور.
ربما لأن شخصيته التي تؤثِر التواضع بجانب الإكثار من العمل الصامت ترى أن مُكافأتها العُظمى في الارتواء من لذّة الفن بصرف النظر عن أي حساباتٍ تتعلق بأرباحٍ أو خسائر.
نشأ الفنان (عيسى هجرس) في مدينة (المُحرَّق) البحرينية التي امتازت بإنجاب أجيالٍ من المُبدعين في مُختلف المجالات الفنية ولا سيما الموسيقى والغناء.
وقع في غرام الموسيقى منذ الطفولة التي من أبرز معالمها وقوفه في طابور المدرسة الصباحي عندما كان تلميذًا في الصف السادس الابتدائي لغناء بعض المونولوجات، بطلبٍ من أستاذ مادة الحساب هاوي العزف على آلة الأكورديون.
فكان العزف يُرافق الصوت الفتي مُنعشًا أمزجة الطلاب والمُدرسين بداية يومٍ دراسي جديد.. خلال فترةٍ لاحقة احترف العزف على مجموعة الطبول الإيقاعيَّة المعروفة باسم (درامز)، وتعلَّم بعدها العزف على آلة العود.
لا شك أن المرحلة الممتدة بين عامي 1975م- 1979م تُعتبر إحدى العلامات المُتميزة في المسيرة الموسيقية للفنان (عيسى هجرس)، إذ ترأس القسم الثقافي والفني بنادي اتحاد الشباب ونادي الخليج.
وتزامن ذلك مع مشاركته شقيقيه تأسيس فرقة موسيقية ومسرحيَّة ذات نشاطٍ لافت، كانت تلك الفرقة انطلاقة إقامة حفلات موسمية للعروض المسرحية والموسيقية التي ارتبط بها الجمهور على مدى أعوام.
(الواقف في الظل)
وصار يترقَّب تلك الحفلات الممتعة في كل من الصيف والربيع وعيد الفطر وعيد الأضحى، وفي الوقت ذاته سجَّلت الفرقة باقات من الأغنيات الناجحة على أشرطة كاسيت كان لها صدىً طيبًا وانتشارًا واسعًا على صعيدٍ محلي.
وذلك قبل صدور أشهر ألبوم موسيقي غنائي للفنان (عيسى هجرس) بعدها بأعوام طويلة؛ وتحديدًا عام 2003م بعنوان (الواقف في الظل).
من عام 1985م إلى عام 1987م كان رئيسًا للقسم الموسيقي بنادي المحرَّق العريق، هناك أيضًا تم تأسيس فرقة موسيقية وإعداد برامج تدعم بزوغ المواهب الفنية وازدهارها.
وتجدر الإشارة إلى أن محطات تقلُّد الفنان (عيسى هجرس) زمام المسؤولية في تلك النوادي كانت سببًا في فتح الأبواب نحو التألُّق ثم الشهرة لنجومٍ تمكنت من شق طريقها من خلال تلك الفرصة النادرة للتعبير عن مواهبها.
فشخصيته تمتاز بإحدى أهم الصفات النادرة في الفنان القائد؛ وهى القدرة على اكتشاف المواهب، ودعمها، وتشجيعها، ودفعها إلى الأمام بروحٍ سخيَّة معطاءة بعيدة عن الأنانيَّة.
ودون النظر إلى أي اعتباراتٍ أُخرى غير أصالة الموهبة وصدق الشغف وعُمق الثقافة للنجم الصاعد الذي يراه مُستحقًا التشجيع.
عام 1994م تم انتخابه عضوًا إداريًا في جمعية الموسيقى البحرينية، وهناك بذل أقصى ما بوسعه مُحاولاً النهوض ببعض القوانين والتشريعات لتكون في خدمة الفنان قدر المُستطاع.
تأسيس (المُلتقى الثقافي الأهلي)
لكن ظروف تلك المرحلة لم تسمح بتحقق النتائج المأمولة، ثم شارك عام 1995م في تأسيس (المُلتقى الثقافي الأهلي) الذي صار اسمه فيما بعد (مركز عبدالرحمن كانو الثقافي).
عمل فيه على مدى 25 عامًا منها 15 عامًا، كان فيها أمينه العام وأحد أهم الأعضاء المُحركين لبرامجه الفنية والثقافية، حرِص خلال تلك الفترة على استضافة الغالبية العُظمى من فناني البحرين لاحتضان تجاربهم وتقديمهم لجمهو الحاضرين في لقاءات مُباشرة ثريَّة بالحوارات والمُناقشات البنَّاءة.
بل وامتد الأمر لاستضافة بعض الفنانين الذين يزورون البحرين وتوثيق تجاربهم بأمسيات يندر أن يحظى بها الجمهور في مكانٍ آخر.
مازالت نجومية الفنان (عيسى هجرس) تُشرق في المحافل الفنيَّة والثقافيَّة بتألُّق مُنقطع النظير.
لا سيما وأنه من تلك الشخصيات التي رزقها الخالِق هالةً جذَّابة للمُحيطين به في أي مكان، ما أن يسمع الجمهور عن فعالية ثقافية أو فنية يُقدمها حتى تمتلئ القاعة بالحاضرين، ويكتظ المكان بالمُنصتين.
وتزدحم المقاعد بالجالسين، فيُبادلهم مشاعر المحبة بالمحبَّة، ويُلمح في عينيه بريق السعادة لأن استمرارية محبة الناس من أهم ثروات الفنان في كل مكان وزمان.