كتب: محمد حبوشة
عادة ما تثير منصة (نيفليكس) الجدل حول محتواها الدائم من أعمال سينمائية ودرامية وما يحويه من تساؤلات وأكاذيب كثيرة، والسؤال الملح دائما حول الرسائل التي توجهها دائما منصة (نتفليكس) عن محاولتها لهدم وزعزة القيم والمبادئ الدينية، كما جاء في مسلسل وصايا (موسى).
جاء مسلسل (موسى)، الذي عرض مؤخرا عبر منصة (نتفليكس)، والمكون من ثلاثة وثائقيات مشروحة بعمل سينمائي كل قصة تحمل اسم وهى: (النبي، والعقاب، والأرض الموعودة)، تم طرحهما بشكل كامل على المنصة.
ونوهت المنصة إلى أن المسلسل عبارة عن رؤية استكشافية لقصة (موسى) والخروج، بناء على دمج آراء علماء دين ومؤرخين من مختلف الديانات والثقافات، كما ذكرت أن مساهمتهم تهدف إلى إثراء عملية السرد ولكن لا ينبغي اعتبارها رواية متفق عليها.
ويبدو معروفا لدى الكافة أن لليهود أوصاف قبيحة، وأخلاق ذميمة مرذولة، والكتاب والسنة حافلان في بيان ذلك، كما أن شواهد التاريخ والواقع شاهدان على اليهود بالسوء والفساد.
فمن أخلاقهم وصفاتهم على سبيل الإجمال: الكبر، والحسد، والظلم، وكتمان الحق، وتحريف الكلم عن مواضعه، ومنها الخيانة، والغدر، وسوء الأدب، واحتقار الآخرين، والسعي في الفساد، وإثارة الفتن والحروب، ومنها الكذب، والجشع، وقسوة القلب، ومحبة إشاعة الفاحشة، وأكل الربا.
فحتى أي معرفة لهؤلاء اليهود بمعبودهم ونبيهم وحقائق الموجودات، وحقيق بمن سأل نبيه أن يجعل له إلها فيعبد إلها مجعولا، بعد ما شاهد تلك الآيات الباهرات، أن لا يعرف حقيقة الإله ولا أسماءه وصفاته ونعوته ودينه، ولا يعرف حقيقة المخلوق وحاجته وفقره.
الوثائق ملىء بالمغالطات التاريخية
ولهذا يأتي العمل الدرامي الوثائق ملىء بالمغالطات التاريخية الدينية، والتي لعل من ضمنها أن المرأة التي أنقذت (موسى) من النهر هي ابنة فرعون، لكن القرآن تحدث عن أن إمرأة فرعون وتعني زوجته هى من قامت بأخذه والاعتناء به.
وهذه حماية ربانية لسيدنا (موسى) الذي يشكل رسالة الله في الأرض وجاء بالحق ليهدي قوما ضلوا الطريق وعلى رأسهم فرعون.
صدق المخرج في ما يخص (السرد المباشر) من خلال ضيوف العمل أو المعلقين الذين تولوا جزءا قصصيا قليلا جدا، وجزءا تحليلا كبيرا، لكن المشاهد الدرامية التي كانت هي البطل الحقيقي للعمل وأبرز ما فيه، احتوت على الرواية التوراتية فقط، وبالتحديد، اعتمدت على رواية سفر الخروج وسفر التثنية.
يتحدث العمل عن (بني إسرائيل) على أنهم جزء من التاريخ، إلا أن الحقيقة أن (بني إسرائيل)، وإسرائيل يعني (يعقوب) عليه السلام، هما أولاد وأحفاد (يعقوب) الذين حضروا إلى مصر مؤخرا بعدما كانوا في بلاد الشام وجاءوا إلى مصر بعدما تملك سيدنا (يوسف) خزانه مصر.
وبعدها أصبح تواجدهم في مصر بشكل ضئيل وكانوا مستضعفين في زمن فرعون، وهو ما ينفي ما ترويه القصة المشارة إليها في مسلسل المنصة التي تحاول وضع أسس تاريخية ودينية غير صحيحة .
تضمنت بداية قصة (موسى) الخاصة أنه تم الاعتماد فيها على تأويل التوارة وتحديدا على سفر الخروج، وذلك بشكل ملىء بالمغالطات التي عكست ما تمت كتابته في القرآن الكريم.
خاصة وأن سيدنا (موسى) يعد أكثر الأنبياء الذي تناول القرآن الحديث عنه وعن تفاصيل قصته بشكل كامل، فذكر 136 مرة لتكون قصته دون أي لغط، الأمر الذي يسهل علينا معرفة حقيقة ما تمت صياغته في العمل الجديد.
تأخذ قصة موسى الجماهير من ضفاف النيل، عبر الكثبان الصحراوية إلى جبل سيناء، وتنتهي أمام مياه البحر الأحمر المنفصلة، إنها رحلة رائعة إلى قلب أكثر قصص الإيمان إلهاماً، تكشف عن سعي موسى للخلاص والمعجزات التي ميزت طريقه نحو تحرير شعبه.
يلعب (آفي أزولاي) دور (موسى)، وإلى جانبه، يلعب( محمد قورتولوش) دور (فرعون)، و(دومينيك تيبر) دور (صفورة)، وإيشاي جولان دور هارون، ويكمل طاقم العمل (ريموند أمسيليم، نيدام، تولاي غونال غونجو) في دوري (مريم وبيثيا) على التوالي.
وظني أن المسلسل لا يقدم مشهدا بصريا آسرا بفضل إعادة البناء التاريخي الدقيق فحسب، بل يتم إثراؤه أيضا بشهادات خبراء في التاريخ واللاهوت وعلم الآثار، وتسلط هذه الإسهامات الضوء على السياقات التاريخية والثقافية للأحداث التي تم سردها، مما يوفر للمشاهدين فهما أعمق للتعاليم والقصص التي شكلت الحضارة.
(موسى) يأتي في وقت حساس
ولكن الملاحظ أن وثائقي (موسى) يأتي في وقت حساس في ظل (طوفان الأقصى) في محاولة إسرائيلية لتزييف التاريخ، حول رحلة النبى (موسى عليه السلام)، منذ ولادته حتى موته، معتمدا على (سفر الخروج) الذى يعد واحدا من الأسفار المقدسة فى العهد القديم، عند اليهودية والمسيحية.
وهنا يأتي السؤال: لماذا الآن، لماذا هذا الوقت بالتحديد الذى يطرح به هذا المسلسل الشائك، الذى سيثير الشكوك حول العالم حول الأحقية الدينية لـ فلسطين؟، وأحقية اليهود في أرض فلسطين التاريخية.
ابتعدت قصة مسلسل (موسى) عن الدين الإسلامي الذى سرد القصة في 12 سورة في القرآن الكريم، وأوضح حقيقة بنى إسرائيل، وكيف عاقبهم الله سبحانه وتعالى بالتشتت في الأرض، بالرغم من الاعتماد الكلى في القصة على التوراة والإنجيل.
كما يحتوى مسلسل (موسى) على الكثير من المعلومات الدينية الخاطئة، بجانب المعلومات الخاطئة حول طبيعة الحياة المصرية، وطريقة تعاملها مع العبرانيين.
حيث تم التأكيد على استعباد المصريين القدماء لهم، بالإضافة إلى الإشارة إلى أن سيدنا (موسى) عليه السلام عاش في نفس فترة حكم رمسيس الثانى في مصر والتي لم تؤكد عليها أي من المراجع الأساسية.
فيبدأ المسلسل مع ولادة سيدنا موسى عليه السلام في مصر، وفترة قتل الذكور في مصر الفرعونية، ومع تتابع الأحداث بعد ألقته والدته في مياه النيل، تجده ابنة الفرعون وليست زوجته كما أشار الدين الإسلامى.
والتي تأخذه وتربية كـ أمير مصرى، إلا أنه مع قتل مصرى من المسئولين عن العمال العبرانيين، كما أكد المسلسل يضطر إلى الهرب من مصر إلى صحراء مدين التي كانت تقع في شمال غرب الجزيرة العربية.
ومن هنا تبدأ رحلة (موسى) عليه السلام الحقيقية، حيث يتزوج من (صفورة) ابنة كاهن مدين، ويتكلم مع الله، ويبدأ استكشاف الحقائق من حوله.
ومن أكبر مشاكل مسلسل (موسى) هى تجسيد النبى (موسى) عليه السلام وشقيقة (هارون)، بجانب وجود صوت يتحدث لـ (موسى) عليه السلام وكأنه الله سبحانه وتعالى، طوال حلقات العمل، الذى لا يحكى القصة دراميا فقط، بل يفسرها من خلال مجموعة من المؤلفين المسلمين والمسيحين واليهود، والأساقفة.
معجزات موسى (كليم الله)
ومع سير أحداث المسلسل تبدأ ظهور معجزات موسى (كليم الله)، مثل عصاه التي تحولت إلى ثعبان والضربات العشر التي تضمنت الجراد والسقيع على سبيل المثال، ومن ثم انشقاق البحر والخروج بشعبه من الأراضى المصرية إلى صحراء سيناء.
ويؤكد المسلسل في نهايته أنه بالرغم من أن (موسى) عليه السلام لم يذهب إلى الأرض الموعودة كنعان، إلا أن شعبه سيصل إليها فى يوم ما غير معلوم.
ومع مشاهدة عدد كبير من حول العالم المسلسل، وظهروه فى أكثر 10 مسلسلات مشاهدة على (نتفليكس)، نجد أن وقت طرح هذا العمل يهدف بشكل واضح لتبرير ما يحدث في فلسطين من اعتداءات من الكيان الصهيوني.
ولا تعد هذه المرة الأولى التي تثور أزمة بين (نتفليكس) والمشاهدين في مصر حيث أصدرت الشبكة العالمية عملا فنيا لقصة إحدى أهم ملكات مصر (كليوباترا).
أظهرتها سيدة سمراء تواجه المجتمع في الوقت الذي ربط فيه كثيرون بين هذه السردية والسردية التي يتبناها البعض عن الحضارة المصرية والمعروفة باسم (الأفروسنتريك) ما أثار جدلا واسعا أدى إلى فشل العمل.
ومن هنا يبدو انحياز (نتفليكس) للرواية اليهودية الكاذبة دائما وأبدا، ومن هنا تبرز العلاقة بين التاريخ والفن علاقة خطرة، الأعمال الفنية المبنية على التاريخ ذات جاذبية لا تقاوم وتأثير لا ينكر، فى ضوء هذه الفكرة انتظرت إذاعة الفيلم الوثائقى (موسى) من إنتاج شبكة (نتفليكس) الشهيرة.
المسلسل، كما هو واضح من الاسم، يروى قصة خروج اليهود من مصر بقيادة نبى الله (موسى) عليه السلام.. المشكلة أن فكرة الفيلم نفسها تنطوى على خداع، فهو فيلم دينى يرتدى ثياب فيلم وثائقى، وهذه عملية خداع كبرى.
بكل تأكيد أنا وأنت نؤمن بالله وملائكته ورسله وكل ما ورد فى الكتب السماوية، وهناك أفلام ومسلسلات تروى القصص الدينية وقصص القديسين والأنبياء، لكنها تصنف كأفلام دينية.
يقول الراوى فيها إن التوراة أو الإنجيل أو القرآن روى لنا كذا وكذا، ونحن فى هذه الحالة نصدق ما جاء فيها دون تفكير لأنها جزء من الثقافة الدينية، لكن مسلسل (موسى) هو عبارة عن فيلم مخادع لأنه يقدم نفسه كفيلم وثائقى يقدم حقائق تاريخية. ومع ذلك لا يستضيف عالم تاريخ واحدا، اللهم مدرسة آثار مصرية اشتهرت بحب الظهور فى وسائل الإعلام وإثارة الجدل، فيما عدا ذلك فالضيوف الرئيسيون من رجال الدين اليهودى والمسيحى ولهم كل احترام بكل تأكيد.
مسلسل لايستند لصحيح الدين
وحتى أكون واضحا هناك فرق بين الإيمان بالدين وهذا محله القلب، نحن نؤمن بكل ما جاء فى الكتب السماوية عن ظهر قلب دون نقاش أو حتى اقتناع، هذا هو الإيمان.
أما التاريخ فهو علم له قواعد وأسس ويستند إلى أدلة، ومسلسل (موسى) الذى قدمته (نتفليكس) لا يستند إلى صحيح الدين ولا إلى علم التاريخ، فصناع الفيلم يقررون بينهم وبين أنفسهم أن فرعون الخروج كان هو رمسيس الثاني.
أما دليلهم على هذا فهو أن الإمبراطورية المصرية فى عهده بلغت أوج مجدها ووصلت حدودها لبيروت!، هل هذا دليل تاريخى؟، بكل تأكيد لا ولكنه أقرب للكلام الفارغ.
الأهم من هذا أن الرواية الدينية – التى أصدقها بقلبى – تخبرنا بأن فرعون وجنوده غرقوا فى البحر، بينما مومياء رمسيس الثانى موجودة ومحنطة منذ آلاف السنين ولا يوجد ما يدل على أن صاحبها مات غرقا.
بل مات بطريقة عادية جدا، والأهم أن التاريخ لم يتوصل بعد لمن هو فرعون الخروج، ولم يجد أى دليل على غرق أحد حكام مصر فى العصر الفرعونى فى البحر، وإن كان من الوارد أن يحدث ذلك فى المستقبل.
وبالتالي هناك انحياز كبير من شبكة (نتفليكس) ضد الحضارة المصرية القديمة لأسباب غير مفهومة، وبدون مبرر يتم وصف الفرعون بأنه (طاغية، وظالم، ومتكبر)، وكأن الحكام فى العصور القديمة والوسطى كلهم لم يكونوا ينفردون بالسلطة حتى قيام الثورة الفرنسية فى القرن الثامن عشر!
ولسبب ما تنتقى (نتفليكس) ممثلا ذا ملامح حادة ليلعب دور الشرير فى الفيلم الذى أنتجته وتركت المشاهد يعتقد أنه تحقيق تاريخى.
بينما اكتفت بعبارة فى أول الفيلم تقول فيها (هذا المسلسل عبارة عن رؤية استكشافية لقصة موسى والخروج بناء على دمج آراء علماء دين ومؤرخين من مختلف الثقافات والديانات تهدف مساهماتهم إلى إثراء السرد لكن لا يجب اعتبارها رواية متفقًا عليها!).
مسلسل ديني فى ثوب استقصائى
والحقيقة أن (نتفليكس) تكذب، حيث قدمت مسلسلا دينيا فى ثوب فيلم استقصائى وثائقى، ولم تستضف علماء دين مسلمين مثلا، كما فعلت باستضافة حاخام يهودى أو أكثر، ولم تستضف عالم آثار مشهورا مثل زاهى حواس أو غيره من علماء المصريات المشهورين.
والأهم أن صدرها لم يتسع لتستمع للآراء المخالفة لرواية التوراة حول قصة الخروج رغم أن صدرها يتسع دائمًا للتعبير عن هموم المثليين والمنحرفين فى اتجاهات مختلفة بدعوى عدم سيادة رأى واحد.
مرة أخرى أؤكد أن ما تقوله الكتب السماوية مقدس عندنا ونؤمن به كله، ولكن تقديم الرواية الدينية من وجهة نظر سياسية وعدم الإشارة لكونها رواية دينية هو خداع وخلط للحقائق تمارسه نتفليكس لغرض فى نفس يعقوب.
ولعل واقعة مسلسل (موسى) وقبلها فيلم (كليوباترا) تلفت نظرنا لأهمية ما يجب أن تقوم به الشركة المتحدة من إنتاج أعمال تاريخية مختلفة تروى تاريخنا من وجهة نظرنا بعيدا عن تلاعب أعدائنا بتاريخنا.