(صلاح الدين).. رائعة (يوسف شاهين) المليئة بالأخطاء التى أنقذها أبطاله!
* (عزالدين ذوالفقار) يتحدى العالم بـ (الناصر صلاح الدين) ورحيله يضع منتجة الفيلم (آسيا) في ورطة
* رشدي أباظة يعتذر عن بطولة الفيلم، ويرشح (حسين رياض) لتجسيد شخصية (الناصر صلاح الدين)!
* الرقابة : المزج بين التاريخ والحوادث الخيالية فى الفيلم لم يكن موفقًا، وأن القصة فى مجملها ضعيفة البنيان من ناحية بناء الشخصيات والحوار والحبكة الدرامية
*علماء وأساتذة التاريخ الفيلم مليئ بالتزييف والأخطاء التاريخية القاتلة، ولا يمكن الأعتماد عليه كوثيقة تاريخية.!
كتب : أحمد السماحي
يعتبر فيلم (صلاح الدين) واحد من روائع السينما المصرية من حيث الإخراج والتمثيل وكل عناصر السينما باستثناء السيناريو والحوار، لهذا كان طبيعيا أن يختاره كثير من النقاد كواحد من أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وكان من بطولة (أحمد مظهر) الذي يمر اليوم 22 عاما على رحيله.
واتذكر إننا في طفولتنا ونحن نسبح في ثوب براءتنا كنا نعتبر اليوم الذي يعرض فيه التليفزيون المصري هذا الفيلم، يوم عيد، نظرا للحلم الوردي الذي كان يتركه فينا هذا الفيلم خاصة فيما يتعلق بفروسية ونبل وشهامة (صلاح الدين) الذي ذهب متنكرا لعلاج خصمه العتيد (ريتشارد قلب الأسد)!.
لكن كل هذا الحلم تحول إلى كابوس عندما كبرنا وعلمنا كم الأخطاء التاريخية والتزييف الذي جاءت فيلم (صلاح الدين)، الذي ما زال يبهرنا بقوة تمثيل نجومه، لكن بعيدا عن التمثيل والتكنيك المهم الموجود فى الفيلم الذي أعادت ترميمه منصة (نتفليكس) قبل ثلاثة أعوام.
نجد أخطاء قاتلة كما رصدها كثير من المؤرخين وأساتذة التاريخ، الذين أكدوا أن الفيلم كان مجرد وجهة نظر سياسية لتمجيد الرئيس (جمال عبد الناصر) ونشر فكرة القومية العربية، والتي لم تكن سائدة أيام القائد (صلاح الدين) الأيوبي.
ريتشارد لم يقابل صلاح الدين!
نجد ضمن أحداث الفيلم أن (صلاح الدين) قابل (ريتشارد قلب الأسد) وهو ما لم يحدث في الحقيقة وهذا لا يمكن اختلاقه لأنه يمثل صلب الحدث التاريخي، وكأن المقصود من الفيلم إبراز شخصية الرئيس (عبد الناصر) وليس (صلاح الدين)، إضافة إلى تصوير (صلاح الدين) في الفيلم على أنه منقذ العرب والعروبة وهو ما كان يريده (عبد الناصر) فلم يكن (صلاح الدين) عربيا من الأساس بل كان كردي الأصل.
عيسى العوام كان مسلما
حدث تزييف كامل في شخصية (عيسى العوام) التى جسدها النجم (صلاح ذوالفقار) فوفقاً لأحداث الفيلم، فإن (عيسى العوام) المحارب في جيوش (صلاح الدين) كان مسيحياً، وكانت تجمعه قصة حب قوية مع (لويزا/ نادية لطفي) القائدة في مجموعة (فرسان مالطة)، وانتهت الأحداث فى الفيلم ببقاء (لويزا مع العوّام) في بيت المقدس وعدم رحيلها مع الحملة الصليبية الثالثة إلى أوروبا.
كل تلك القصة جاءت على سبيل (التزوير) لا أكثر!، فـ (عيسى العوام) كان مسلما، بل لم يستعن (صلاح الدين) في جيوشه بمسيحي واحد، و(لويزا) هى مجرد شخصية خيالية لاوجود لها، بينما كان فرسان المعبد أشد الناس بطشا وتعصبا ضد المسلمين.
أخطاء أخرى قاتلة
يؤكد بعض أساتذة التاريخ أن ما حدث في فيلم (الناصر صلاح الدين) جريمة وتزيف واضح للتاريخ ورصدوا العديد من الأخطاء منها: أن الفيلم أطلق على (صلاح الدين الأيوبي) وصف (سلطان المسلمين) وليته كان، لكن الواقع أنه كان حاكما على (مصروالشام) فقط، وهذه الأوصاف أو المصطلحات لا تطلق جزافا لكن بسند ودليل.
في الفيلم، توجه ملوك أوروبا إلى الشرق بإيعاز من (فيرجينيا جميلة الجميلات) أرملة (رينو) لكن في الواقع كانت شخصية (فيرجينيا) من وحي خيال مؤلف الفيلم، والحملة الصليبية الثالثة انطلقت من أوروبا في العام 1189 بدعوة من البابا (كليمنت الثالث).
وخلافاً لما جاء في أحداث الفيلم من تسليم مدينة (عكا) للصليبيين عبر حاكمها الخائن، واحتفاله بسقوط المدينة مع الصليبيين عبر تقديم أقداح الخمر لهم، فالحقيقة التاريخية تؤكد أن ذلك لم يحدث فوالي (عكا) وقت الحملة الصليبية الثالثة كان (بهاء الدين قرقوش)، أحد وزراء (صلاح الدين) المخلصين للإسلام و أكثر المقاومين للصليبيين شدة وتنكيلا.
في أحداث الفيلم، وبعد الانتصار الساحق في معركة (حطين)، بارز (صلاح الدين) خصمه (رينو) بالسيف قبل قتله، لكن تلك المبارزة لم تقع في الحقيقة، فـ (صلاح الدين) قام بقتل (رينو) مباشرة، بينما قام جنوده بقطع رأس (رينو) عقاباً له على قتل مئات المسلمين العزل في قوافل الحج والتجارة.
كما شهد الفيلم أحداثاً خيالية أخرى، مثل معالجة صلاح الدين لـ (قلب الأسد) بعد إصابته بسهم مسموم!، وفي حين ذكر أن الملك (ريتشارد) أوقف الحرب، وعقد الصلح مع (صلاح الدين) حقناً للدماء، فإن الوقائع التاريخية تثبت أن (قلب الأسد) أوقف الحرب في العام 1192، خوفاً على مُلكهِ المهدد في إنجلترا، وحرب الاستنزاف الذي شنها ضده صلاح الدين الأيوبي.
في الفيلم جاء أن المسلمون يسمون القدس أورشليم، وفي الحقيقة القدس طول عمرها أسمها القدس!
كواليس الناصر
فى عدد من مجلة (الكواكب) صدر عام 1961 نشرت المجلة موضوعا تحت عنوان (رقابة السينما ترفض سيناريو الناصر صلاح الدين)، وذكرت المجلة أن الرقابة رفضت قبل أيام من صدور هذا العدد سيناريو فيلم (صلاح الدين)، وأنه لأهمية هذا الفيلم للسينما العربية واتجاه الأنظار كلها إليه توجهت (الكواكب) إلى مدير الرقابة وقتها (محمد على ناصف)، وكان عضوًا بمؤسسة دعم السينما التى تشترك فى تمويل الفيلم لسؤاله عن أسباب رفض السيناريو.
ووجهت الكواكب عددًا من الأسئلة لمدير الرقابة الذى أشار إلى أن سيناريو الفيلم المقدم للرقابة لم يكن يرقى إلى مستوى الموضوع وخطورته كقصة لها أهداف قومية، حيث تجسد شخصية (صلاح الدين)، وأن المزج بين التاريخ والحوادث الخيالية فى الفيلم لم يكن موفقًا، وأن القصة فى مجملها ضعيفة البنيان من ناحية بناء الشخصيات والحوار والحبكة الدرامية.
وأكد مدير الرقابة اشتراك مؤسسة دعم السينما فى إنتاج فيلم (الناصر) من الدوافع القوية لرفض السيناريو بالشكل المقدم للرقابة لأنه يجب أن ينتج قوياً مشرفاً أو لا ينتج على الإطلاق، لأنه لا يجب أن تنظر إليه الرقابة نفس نظرتها للموضوعات الأخرى.
وكان الفيلم تعطل قبل ذلك لمدة عامين بسبب الظروف الإنتاجية، فأكد مدير الرقابة أنه لا بأس من أن يتأخر فترة أخرى لإصلاح عيوب السيناريو.
وقال مدير الرقابة إن مؤسسة دعم السينما منحت (عز الدين ذو الفقار) مبلغ 2500 جنيه لإعداد السيناريو، واقترح أن يعطى السيناريو لخبير كبير مثل (روبرت أندروز) الذى كتب سيناريو فيلم وإسلاماه، قائلاً: (أعتبر فيلم صلاح الدين أهم كثيراً من وإسلاماه)
وأشار مدير الرقابة إلى بعض النقاط التى رأت فيها الرقابة ضعفاً فى السيناريو وأدت إلى رفضه ومنها واقعة علاج (صلاح الدين) لريتشارد قلب الأسد، مؤكداً أن هذه الواقعة مشكوك فى صحتها رغم أن السيناريو اعتمد فيها على بعض المصادر التاريخية.
وأكد مدير الرقابة أنه لا مانع عنده من الاستعانة بهذه الرواية ولكن اعتراضه أن السيناريو استخدمها بطريقة مضحكة – على حد قوله – حيث طعن واحد من الصليبين (ريتشارد) طعنة مميتة وقال طبيبه الخاص أن شفاءه ميئوس منه، وخرج أنصار (ريتشار) من خيمته وهم يصيحون (مات الملك ريتشارد، يحيا الملك جون)، وبعدها يدخل (صلاح الدين) متقمصاً روح سيدنا (موسى) ويعالجه فيشفى بقدرة قادر، مؤكداً أن هذه إحد المبالغات فى السيناريو.
وأضاف مدير الرقابة أن هناك نقطة مبالغة أخرى عندما نجد (ريتشارد) الذى كان فى حكم الميت يدخل فى نقاش طويل مع (صلاح الدين) ويهدد ويثور ويقول أنه سيجعل بيت المقدس خراباً ثم يقوم قوياً ويوقف جيوشه الجرارة ويغير سيرها.
وبسؤال المخرج (يوسف شاهين) عن ملاحظات الرقابة على السيناريو أجاب بأنها لم تصله بشكل رسمى وحين تصله سيعدل ويغير هو والمنتجة، لتنفيذ الحد المعقول من تعليمات الرقابة.
كما أكدت المنتجة (أسيا) أن السيناريو تم التعديل عليه بعد إرساله للرقابة، مؤكدة أن (عز الدين ذو الفقار) الذى وضع السيناريو كان مريضاً ولم يتمكن من وضع كل التعديلات ولكنها ستسعى لتعديل ملاحظات الرقابة.
وبالفعل تم التوافق على التعديلات وخرج فيلم (الناصر صلاح الدين) للنور.
رشدي قبل مظهر، وعز سبق شاهين
من كواليس الفيلم أيضا أنه كان من المقرر أن يقوم بإخراجه المخرج الكبير (عزالدين ذوالفقار) الذي كان سعيدا بهذا الفيلم وأعلن تحديه للسينما العالمية بـ (صلاح الدين)، لكنه مرض، ورحل قبل دوران الكاميرا، وقبل رحيله كان رشح نجمه المفضل (رشدي أباظة) لبطولة الفيلم وبالفعل قبض الدونجوان 500 جنية كعربون عن الفيلم.
لكنه بعد رحيل صديقه (عز الدين) اعتذر عن بطولة الفيلم، وبسؤاله – كما جاء في جريدة الجمهورية عام 1961 – عن حقيقة ما ذاع أن المخرج (يوسف شاهين) استبعده من بطولة الفيلم، قال: لا خالص أنا اللي اعتذرت.
وعن أسباب الاعتذار قال: لأني مرتبط بأفلام أخرى وأنا من الناس اللي برفض اشتغل أكثر من عمل في وقت واحد.
فسأله المحرر: من أصلح ممثل عندنا يستطيع أن يلعب دور (صلاح الدين)؟
فأجاب قائلا: إذا أردت التقيد بالنص التاريخي للمرحلة التي يصورها الفيلم فأصلحهم (حسين رياض)!.
أما عن دور (ريتشارد) أجاب قائلا: أنا شايف أن دوره لا بد أن يكون ممثل أجنبي ليقنع الجمهور بالدور!.
…………………………………………………………
بطاقة الفيلم
إنتاج : لوتس فيلم بالاشتراك مع المؤسسة العامة للسينما
مساعد الإنتاج : عبدالعزيز موسى.
قصة : يوسف السباعي
علاج القصة : نجيب محفوظ، عزالدين ذوالفقار، محمد عبدالجواد
ملاحظ الحوار : محمد عماره
سيناريو : عبدالرحمن الشرقاوي، يوسف شاهين
حوار : يوسف السباعي، عبدالرحمن الشرقاوي
الريجسير : ولي الدين السيد
الفوتوغرافيا : فوزي عطالله
ساهم في تقديم الخيول والمجاميع : محمد الجابري
تصميم الملابس والأكسسوار : ولي الدين سامح، جبرائيل كراز، شادي عبدالسلام.
اكسسوار : سعيد عطا، عباس ودنجل
ملابس : محمد عزت، تفيده عبدالرحمن، تفيده الجبالي
ديكور : حبيب خوري، روبرت شارفنبرج
مكياج : مصطفى إبراهيم
مصفف الشعر : يونس قاسم
المصوران : روبير سعد، مسعود عيسى
المخرج المساعد : محمد عبدالجواد
المساعدان : سمير نصري، فكري رمزي
المونتاج : رشيدة عبدالسلام
الموسيقى الشرقية : أحمد سعد الدين
تسجيل وتحميض الصوت : ستوديو مصر
طبع الفيلم : معامل دنهام
الموسيقى : أوركسترا القاهرة السيمفوني، تحت قيادة كارلو سافينا
مهندس الصوت : نصري عبدالنور
مدير الإنتاج : مصطفى عبداللطيف
الموسيقى التصويرية : فرانسسكو لافانينو
مدير التصوير : وديد سري
بطولة : (أحمد مظهر، ناديه لطفي، صلاح ذو الفقار، ليلي فوزي، حمدي غيث، ليلي طاهر، عمر الحريرى، حسين رياض، محمود المليجي، زكي طليمات، توفيق الدقن، أحمد لوكسر، محمد سلطان، محمد حمدي، محمد عبدالجواد، سامي لطفي، إبراهيم عماره، صلاح نظمي، كنعان وصفي، بدر الدين نوفل، احسان شريف، نجيب عبده، ناهد صبري، عبدالعظيم كامل).