الجزء الرابع.. من وحي عادل إمام وفريد شوقي
بقلم المفكر الكبير الدكتور: ثروت الخرباوي
إذا عنَّ لي في يوم من الأيام أن أكتب عن النقد والنقاد فلن أكتب أكثر من أن عين الناقد مزعحة، مزعجة للناقد نفسه قبل أن تكون مزعجة لمن ينتقد عمله، فالناقد في الغالب لن يستمتع بالعمل، سواء كان العمل دراميا أو روائيا مثل (الحشاشين).
أما الإنسان العادي فيكون أمام أمرين، إما أن يعجبه العمل فيستكمل مشاهدته دون أن يهتم بأي تفاصيل، وإما أنه لن يعجبه فيغلق التلفزيون أو أن ينتقل إلى قناة أخرى تعرض عملا آخرا.
أو أن يذهب راضيا بإرادته إلى عمل يتم عرضه على منصة من المنصات الرقمية التي تعرض الدراما.
ويا لسوء حظك أيها الناقد، لماذا خلقك الله ناقدا، أما كان من الأجدى أن تريح وتستريح وتقبل أي شيء بلا تفكير؟، يا ويل آفة العقل التي تقض مضاجع الناقدين، وقد أرهقتني الأخطاء الكثير التي حفل بها مسلسل (الحشاشين)، هي كثيرة حتى ولو كانت لا تهم معظم المشاهدين، ولكنها تهبط بمستوى العمل عند تقييمه.
هل تعرفون الفرق بيننا وبين الحضارة الغربية؟ قد يقول البعض: هم يعملون وينتجون ونحن لا نعمل ولا ننتج، ولكن ليس بالعمل وحده تقوم الحضارات، إنما تقوم بإتقان العمل.
وإذا نظرت لهم ستجد أنهم في كل مجال من مجالاتهم يهتمون بأدق التفاصيل، تتفوق منتجاتهم عن منتجاتنا، إن أنتجنا، وما ذلك إلا لأنهم يهتمون بالإتقان، فضلا عن الاهتمام بأدق التفاصيل والتي قد تبدو في عيون البعض تافهة صغيرة لا قيمة لها.
أما كيف يصلون لهذه الدرجة من الإتقان، فهو التخصص وجماعية العمل، والتفاني في الإتقان، وقد ضربت أمثلة في مقالات سابقة عن تلك الدقة المذهلة في أفلام أمريكية.
حتى إن الأمر وصل عندهم إلى اختراع لغات لكي يتحدث بها مثلا سكن كوكب من الكواكب، أو قبيلة من قبائل القرون الغابرة، وأنا لا أُجرد كل أبناء وطني من إتقان العمل، ولكني أعيب على الموهوبين فيهم التسرع والاستسهال.
الشيخ أبو حامد الغزالي
ومن باب التسرع والاستسهال نجد أنهم كلهم كلهم بما فيهم (الشيخ أبو حامد الغزالي) ينطقون كلمة جَهَنم بوضع ضمة على حرف الجيم، فتكون جـُ جُهنم، ولا يوجد شيئ اسمه جُهنم أصلا، سواء في العربية أو الفارسية.
هي جَهنم بفتح الجيم أيها السادة، فما بالك وقد نطقها الممثلون في (الحشاشين) بضم الجيم، مع أن المثقفين والمتعلمين في بلادنا ينطقوها جَهنم بالفتح سواء كان كلامهم بالعامية أو بالفصحى، جُهنم هذه هى عامية غير المتعلمين.
وعندك إسم (يَحْيَى)، لا يُنطق هذا الاسم إلا بفتح الياء، فتُنطق: ياء فتحة يا، حاء سكون أح، ياء فتحة يا، يَحْيَى، ولكنهم في المسلسل كانوا ينطقونها بعاميتنا في عصرنا الحالي بكسر الياء الأولى أي (يِحيى).
ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينطق أهل الزمن القديم يَحيى بالكسر، سواء بعاميتهم أو بفصحاهم، ولكن زمن المؤلف والمخرج غيَّب عنهم النطق الصحيح.
ولدينا استطراد آخر هنا، فقد قلت في المقال السابق عن (الحشاشين)، إنه ليس هناك ما يمنع استخدام العامية، ولكنها يجب أن تكون عامية قريبة من زمن الأحداث ولو بالتقريب والشبه.
ومن ذلك رأينا في إحدى الحلقات (عمر الخيام) يتحدث مع صديقه (البلان) ويشرح له كيف تقوم حضارة، فيقول له لا تقوم إلا بالنور والعقل، مع أن تعبير الحضارة نفسه لم يكن مستخدما منذ ألف عام – وهو زمن مسلسل (الحشاشين) – إلا من باب التفريق بين المجتمع الحضري والمجتمع البدوي.
وأول من صك مصطلح الحضارة ليدل به على التقدم العلمي والاجتماعي والسياسي كان المفكر الكبير الكونت (دي ميرابو) خطيب الثورة الفرنسية، وكان ذلك منذ ما يقرب من مائتي وخمسين عاما.
ثم دخل مفهوم الحضارة بالمعنى الحالي إلى العربية على يد (رفاعة الطهطاوي)، ولكن تحت مسمى (التمدن)، ثم استخدم هذا المصطلح بمعناه الشامل (مالك بن نبي) والفيلسوف (عبد الرحمن بدوي)، ولكن (عمر الخيام) نفسه لم يكن لديه أي علم بهذا المصطلح بمعناه الحديث.
والعجيب أن عامية مسلسل (الحشاشين) كانت في الحقيقة من وحي السينما والمسرح، فهناك جندي يقول لآخر وهما في جلسة سمر: (أنا المخ وانت العضلات).
أضحكك الله أيها المؤلف، المخ والعضلات هذه من وحي (عادل إمام وسعيد صالح) في مدرسة المشاغبين!!، ورأينا (حسن الصباح) وهو يساوم (يحيى بن سعيد) على قتل الخليفة.
تعقب الكلمات العامية الحديثة
فيقول له: (وهاسيبك بعد كدة حر ودي كلمة (شرف)، وكلمة (شرف) هذه ليست من وحي التاريخ، ولكنها من وحي فيلم فريد شوقي (كلمة شرف)، ولو استطردت في تعقب الكلمات العامية الحديثة التي أجراها المؤلف على ألسنة ناس ماتوا منذ ألف عام لتعجب القاصي والداني.
ولكن مؤلف (الحشاشين) وصديقه المخرج ظنا أن عبارة (من وحي التاريخ) تشفع لهما في لخبطة التاريخ ولخبطة العامية كما لخبط (نجيب الريحاني) في أخوات كان وقال إن (ما انخلع) من أخواتها.
أما عن أسماء الشخصيات التاريخية، فهذه لا يجوز أبدا تغييرها، ولكنهم غيروها، ولا يشفع لأحد أن يقول لي: (حنانيك يا رجل إنه من وحي التاريخ)، فوحي التاريخ لا يجيز لنا أن نطلق على حسن الصباح (حسان الصبحي) مثلا.
لك يا صاحب وحي التاريخ أن تخترع من خيالك، خيالك انت وليس خيال الآخرين، من تشاء من شخصيات وما تشاء من أسماء، طالما أنها ستخدم العمل دراميا، ولكن إذا تحدثت عن الشخصية التاريخية فلا تغير اسمها، ولكن ضع بجوارها الشخصيات التي يقدح بها زناد فكرك، لا زناد التاريخ، وسأضرب لكم أمثلة على ذلك:
فعندنا شخصية الرجل الثاني للحشاشين، وهو شخصية تاريخية شهيرة جدا، إنه يا ناس الرجل الذي تولى أمر (الحشاشين) بعد موت مؤسسهم.
وستجد أنهم في المسلسل أطلقوا عليه لسم (بَرْزَكْ أوميد).. باء فتحة باء، راء سكون إر، زاي فتحة زا، كاف سكون إك، بَرْزَكْ، وهذا ليس اسمه على الإطلاق، ولا توجد هذه الكلمة أو هذا الإسم في الفارسية.
ولكن الإسم الصحيح هو (بُزُرُكْ أوميد) وليس (بَرْزك)، بُزُرُك يا سادة، باء ضمة بو، زاي ضمة زو، راء ضمة رو، كاف سكون إك، (بُزُرُك أوميد)، فكيف تحول بُزُرُك إلى بَرْزَك، الزاي قبل الراء يا حضرة المؤلف، والحروف كلها بالضمة ما عدا الكاف.
ثم هل كان لديكم من يراجع الكلمات الفارسية كما قلتم؟! وهل هذا المُراجع انتبه لاختلاف الإسم؟! (بُزُرُك أوميد) بالفارسية معناها: (أمل عظيم) أي أن هذا الرجل إن أردنا أن نسميه بالعامية المصرية لأسميناه الشيخ (أمل إبن الشيخ عظيم!).
اسم الوزير (بدر الدين الجمالي)
لكن هذا الاختلاف يدل على أن المؤلف لم يهتم بدراسة الشخصية التي يرسم قوامها الدرامي ولو اهتم لعرف اسمه الحقيقي، ولكنه عرف الاسم بالشبه، فقد يكون قد قرأ بُزُرُك بَرْزك، وهى هى نفس الحروف مع اختلاف الترتيب.
وكان اسم الوزير (بدر الدين الجمالي) من مفاجآت تغيير الأسماء، فقد ظن المؤلف أن لقبه ينطق هكذا: (الجَمَّالي) بتشديد حرف الميم، وليس هكذا يُنطق لقبه، فهو (الجَمَالي) بفتح الجيم والميم، جَمَالي لأنه منذ أن كان طفلا صغيرا كان مملوكاً لجمال الدولة بن عمار والي دمشق، فلذلك لقب بالجَمَالي وليس الجمَّالي.
وفي مسلسل (الحشاشين) تقابلنا شخصية (أبو حامد الغزالي)، والذي قام بدوره الفنان (نضال الشافعي)، وقد رأيناهم في المسلسل ينطقون لقب (الغزالي) بفتح حرف الزاي (الغزَالي) لا بالتشديد، مع أن لقبه هو (الغزَّالي) بتشديد الزاي وليس بفتحها.
وليس (الغَزَالي) فوالده كان يعمل بصناعة الغزل، وإذا بكل من نطق لقبه كان ينطقه بالفتح، وهو أمر لا يجوز في مجال الإتقان والتدقيق، حتى ولو كان المسلسل من وحي التاريخ.
ولنا ذات مقالة حديث عن عدم الاتقان في بعض المشاهد من هذا المسلسل، ولكننا سنتحدث في المقال القادم عن الاقتباس ويالسوء المقتبس عندما يُخفي اقتباسه ويقول (إنما أوتيته على علم عندي).