الجزء الثاني: حسن أبو علي سرق المعزة
بقلم المفكر الكبير الدكتور: ثروت الخرباوي
ما زلنا عند وعدنا نتحدث عن مسلسل (الحشاشين)، وعن السفاح (الشاطر) والشاطر هو قاطع الطريق حسن الصباح.
وسأحكي لكم في قادم الحلقات عن إعجابي بكريم عبد العزيز وفتحي عبد الوهاب، فقد قدما مباراة تمثيلية رائعة، وأخشى أن أكون قد أعجبت بحسن الصباح من خلال كريم عبد العزيز بهدوئه ورزانته.
أو أن أكون قد أعجبت بالوزير (نظام الملك) إذ كان فتحي عبد الوهاب يمثل تلك الشخصية بكل خلجات جسده ونظرات عينيه وارتعاشات شفتيه وتهدج صوته، ولن أحكي لكم اليوم عن التميز الذي تميز به (إسلام جمال) الذي قام بدور السلطان (ملك شاه)، أو الروعة التي شاهدناها في أداء بدر الدين الجمالي والذي مثله (محمد سليمان). ألا ترون؟!: ها نحن نصفق أيها السادة لمن أجاد! في (الحشاشين)، ونصفق كثيرا حتى لا يغضب منا سيدي عبد الرحيم السوهاجي، أو الوزير نظام الملك، وهو ذو غضب شديد يودي بالمرء موارد التهلكة والعياذ بالله، شي الله يا سيدنا نظام الملك، العفو والسماح، سامحونا يا اسيادنا (بصوت الفنانة الراحلة وداد حمدي).
ولكن اسمحوا لي قبل أن أدخل إلى تفاصيل التفاصيل المفصلة في مسلسل (الحشاشين)، أن أعرج بكم إلى حسن الذي هو في التراث الشعبي، فلم يكن في التراث الشعبي العربي والفارسي حسنٌ واحد.
ولكن هناك العديد من (الحِسان)، فمن التراث الشعبي ستجد حواديت الشاطر حسن، وأيضا قصص (حسن خولي الجنينة)، الذي غنوا له (يا حـــ~~~ـسن ياخووولي الجنينة يا حسن).
وبالأكيد تعرفون (حسن أبو علي سرق المعزة) أما عن الشاطر حسن فسنعرف أن الشاطر في اللغة هو قاطع الطريق، وحسن خولي الجنينة هو الذي يدير الحديقة!
هل أخذتم بالكم؟، وحسن الذي سرق المعزة له قصة باطنية إذا عرفناها عرفنا ما هي المعزة المسروقة، وسأرويها لكم بعد ذلك أخذا من المصادر الإيرانية.
أريد أن أحدثكم عن (حسن)
ولكنني الآن بمسافة ياردة واحدة عن مسلسل (الحشاشين)، أريد أن أحدثكم عن (حسن)، وهذا الحسن يعنيني جدا، إذا كنت أقرأ عنه كثيرا وأعجبت بما يكتبونه عنه، ولكن رأيي تغير تماما بعد أن درست عنه كثيرا، وعشت في تفاصيل حياته التي اتضح أن معظمها مزيف.
فقد كان (حسن) هذا في مقتبل عمره على حال، ثم امتلك تنظيما سريا مسلحا فأصبح على حالٍ آخر، وآهٍ من تلك الأحوال التي يتقلب فيها الرجال، ولكن من هذا الحسن؟ وما هي جماعته التي خلعت عقلها كما تخلع نعلها؟ فكروا معي واقدحوا زناد فكركم.
كان الصبي (حسن) مندفعا ناحية المعرفة، قال في شذرات من مذكراته (ظللت منذ طفولتي دارسا وباحثا في المعرفة)، وذات يوم وعندما شب عن الطوق وأصبح شابا يافعا تقابل مع أحد علماء الدين فاتخذه استاذا، يسمع منه تفسير القرآن ويتلقى منه ما لديه من معرفة.
ثم التقى بمعلم آخر وضع له معالم الطريق، ومن العجيب أنه كان خطاطا بارعا حتى أنه في بدايات شبابه كان يعلم الصبيان الخط العربي، وفي الإسماعيلية حط رحاله، ويبدو أن الإسماعيلية تركت أثرا كبيرا في نفسه.
ثم رسمت له بعد ذلك خريطة حياته إذ بعدها قام بتأسيس جماعته، كان يطلق على رفاقه في الجماعة (الأخوة) أخذ يعلمهم، ويربيهم، ظل يجوب البلاد لينشر دعوته، فقد كان يسمي طريقته وطريقة أتباعه بـ (الدعوة).
ثم كان أن أنشأ مقرا دائما للدعوة، وأطلق على مقره هذا (مقر الدعوة)، ولكن تنظيمه كان سريا، يعمل تحت الأرض، وأعضاء تنظيمه السري تم تدريبهم على استخدام الأسلحة والقتل والاغتيال.
ويقول من عاصروه إنه كان داهيا عظيم الدهاء، ولكن رغبته الجارفة في السيطرة سيطرت على خطوات حياته، فياحبذا لو أصبح هو الخليفة المنتظر، ولربما يكون هو (المهدي المنتظر).
لما لا؟، فقد كان الشيح (حسن) صاحب قدرة خطابية رائعة، وكان يملك قدرا كبيرا من التأثير على أتباعه، خاصة وأنه كان يختار أتباعه من الشباب الصغير الذين لا يكادون يفقهون شيئا، عقولهم بيضاء، وأفهامهم سطحية.
وحينما بدأ دعوته كان لا يخاطب إلا الجهلاء الأميين، وهؤلاء أي خطاب مشاعري من الممكن أن يؤثر فيهم ويخلب لبهم، ثم كان أن وضع لهم أسس العمل معه، وكان الأساس الأول هو الطاعة والثقة، أليس هو الإمام الرباني الملهم؟
أليس هو الزاهد العابد؟
أليس هو الزاهد العابد؟، ومن خلال صورته التي رسمها في مخيلتهم أقنعهم بأن طريقه هو طريق الجنة، ولذلك طوَّع آيات القرآن لتتوافق مع أفكاره، وبمنطقه العذب وحلو حديثه أقنعهم أن طاعته هي السبيل الوحيد لدخولهم الجنة.
وكان من وصاياه لأتباعه أن كل واحد منهم يجب أن يترك فهمه ورأيه ويعيش مع فهم الإمام، فالمسلمين في رأيه تركوا الإسلام، هو وجماعته فقط من يعرفون مراد الله، ولكنه من باب العلم بالشيئ لم تكن له معجزات ولا خوارق.
ولكن كان له تأثير كبير من خلال شخصيته الآثرة، وقدرته الخطابية العالية، مع العلم أنه لم تكن له قدرة على التأثير على أصحاب العقول الراجحة من أصحاب المعارف المتنوعة.
كتب الشيخ (حسن) مجموعة من الرسائل، فكانت رسائله هي رسائل الإمام، وجماعته هى جماعة الأخوة، فكل فرد في الجماعة هو (أخ)، ومن هنا أرسل الأخوة إلى البلاد والأمصار لينشروا دعوته، إذ كان كل همه كسب أنصار جدد.
إلا أنه أدرك أن طريق الدعوة وحدها لن يساعده كثيرا، فالحق الذي يظنه لنفسه لن يحكم إلا إذا كانت هناك قوة تحميه، ثم قوة تصل به إلى الحكم، لذلك أنشأ نظاما خاصا كما قلت لكم، أخذ أفراد هذا النظام يتدربون بجدية على القتال حتى أصبحوا ماهرين فيه، وجعل مقرهم جميعا في مكان واحد هو مقر الدعوة.
دربهم الشيخ على القتل والاغتيال باسم الدين، فتحركت كتيبة الاغتيالات هذه فقتلت عددا كبيرا من الأفراد والمسئولين والوزراء، وكان من قتلاهم رئيسا للوزراء.
ولا ننسى أنهم حاولوا اغتيال رئيس الدولة أكثر من مرة ولكن الله كشف سرهم وأبطل محاولتهم، وقد استطاع الشيخ (حسن) بوسائل عديدة تغييب عقل أتباع جماعته، فاعتبروه إماما ملهما لا يقترب الخطأ منه أبدا.
وعندما مات بكوا عليه وأسرفوا في البكاء، ولأن تنظيمهم كان قد أصبح دوليا، حيث جند الشيخ (حسن) وخلفاؤه لتنظيمهم العديد من الشباب في دول مختلفة، فعاش هؤلاء الأتباع مهوسون بالشيخ حسن، يروي من عاصره لهم عنه الروايات والقصص التي تجعله وكأنه النبي الأخير.
وقالوا إن المعجزات كانت تجري على يديه! ولكن الحقيقة هي أنه لا معجزات ولا يحزنون، ولكن تضخيم وتقديس في غير محله حتى يظل الأتباع أسرى لأفكاره، فكانوا يقولون نحن نسير على نهج دعوة الشيخ حسن، وكأن لنبينا عليه الصلاة والسلام دعوة، ولحسنهم هذا دعوة؟!!
حسن (الإمام الرباني)
ويحهم كيف كانوا يفكرون، لدرجة أنهم قالوا عنه إنه هو (الإمام الرباني)، والإمام الرباني هنا ليست من باب أنه قام بتربيتهم، ولكنهم يظنون أن الله ربنا يُجري الحق على لسانه!! وكانوا يقولون: (نحن جماعة، ولأن يد الله مع الجماعة فلا يمكن أن يكون قرار جماعتنا غير صحيح، لأن وجود الله معنا يصححه)!!
وعندما كانوا يسمعون اسمه يتردد بين الأفواه كانوا يقولون: (رضي الله عنه)، وبصفة عامة جعلوا من حسنهم هذا إماما ووليا ومرشدا، يسيرون على نهجه ويتبعون أفكاره، وكتبوا عنه ما لم يكتبوه عن نبينا محمد صلوات الله عليه.
ثم رووا عنه الأساطير والخرفات التي تجعله شخصا خارقا، تأتي إليه الملائكة في المنام لترشده وتحدد مساره وتحاكوا عن قوة ذاكرته التي لا تحاكيها ذاكرة، ومن بعد موته استمروا في سياسة الاغتيالات فتعقبهم الحكام ووقفوا ضدهم.
مهلا أيها السادة فالشخص الذي كنت أتحدث عنه ليس (حسن البنا) مؤسس جماعة الإخوان، ذلك أنني كنت أتحدث عن شخص آخر جاء في زمن آخر ودنيا أخرى، هو الشيعي الشهير (حسن بن علي بن محمد الصباح) زعيم (الحشاشين)، وهو إسماعيلي المذهب.
وقد كان منتميا في صغره كأهله للإثنى عشرية، ثم تقابل مع شيخين كبيرين فأقنعاه بأن يحط رحاله في المذهب الإسماعيلي، فتفقه فيه، ثم أنشأ جماعته (جماعة الأخوة) التي عُرفت تاريخيا باسم (الحشاشين).
ومنها أنشأ فرقة الاغتيالات التي قامت باغتيال الكثيرين كان منهم الوزير (نظام الملك) السلجوقي، الذي كان بمثابة كبير للوزراء وبالمعنى الحديث (رئيس وزراء).
فهل التاريخ يلد تواءم؟! انتظروني في المقال القادم لنعرف الفرق بين التاريخ ووحي التاريخ وتزييف التاريخ في الدراما.