(زوزو ماضي).. بنت الذوات الشريرة، خاطفة الرجال التى كان (يحيا الحب) بدايتها (1/2)
* عاشت طفولة مدللة، وكانت تتحدث أكثر من لغة، وتعزف على البيانو، وتراسل المجلات
* الشاعر الكبير (إيليا أبوماضي) كان ابن عم والدها، و(إبراهيم ناجي) كتب فيها الأطلال
* كانت تراسل مجلة (الصباح) ودخلت الفن بسبب (مصطفى القشاشي)
* ثارت على المخرج (محمد كريم) في أول أفلامها (يحيا الحب).
كتب: أحمد السماحي
نحيي خلال الأيام القادمة الذكرى الـ 42 لرحيل فنانة من هوانم السينما المصرية، وهى (زوزو ماضي) التى رحلت يوم 9 إبريل عام 1982، بعد رحلة طويلة ومثمرة في عالم الفن.
اشتهرت (زوزو ماضي) بأدوار الشر، وحصرها المخرجين فى أدوار المرأة الأرستقراطية، أو السيدة التى تسعى لخراب البيوت وخطف الرجال.
ويتمثل العمود الفقري الأساسي في موهبة (زوزو ماضي) في قدرتها المذهلة على الأداء الطبيعي، وعلى تمكنها الشديد في استخدام أداتها الصوتية بدرجة تقترب كثيرا من الهمس.
لكنه الهمس المفعم بالتعبير، وبالمشاعر التى تنبع من عقل مثقف بحق، فرغم أنها بدأت مشوارها في نهاية ثلاثينات القرن الماضي، عندما كان يقاس جودة التمثيل (بالصوت العالي).
لكن لم تضبط (زوزو ماضي) في أحد أعمالها وهى تتحدث بالصوت العالي، لهذا كان طبيعيا أن يضعها الباحث والناقد (عبدالغني دواد) ضمن مدرسة (الأداء التلقائي).
زوزو ماضي ومدرسة التلقائية
والتلقائية الحقيقية لاتعني تلقائية الممثل كشخص، كما يقول (توني بار) في كتابه (التمثيل للسينما) بل تعني تلقائية الشخصية التى يمثلها الممثل.
وعلى هذا ولكي يكون سلوك الممثل تلقائيا وصحيحا عن صدق فيما يتعلق بالأداء فيلزم أن تكون كل تحضيراته جاهزة، بحيث يعتقد بكل ما يتطلبه الدور، وليس كما قد يستجيب الممثل شخصيا.
فالتلقائية الحقيقية لاتكون صادقة وحقيقية إلا إذا انغمس الممثل بالكامل في الدور، ويعني هذا أنه يوجد بعض أجزاء من الممثل عليه أن يضعها جانبا في سلة، بحيث لا تتدخل في أدائه.
فالشخصية هى التي تعيش على الشاشة، وليس الممثل، إذ يجب على الممثل أن تكون استجاباته ملائمة ومنسجمة مع الحياة التى يشكلها الدور وليست مع حياته هو الشخصية، وهذا ما ينطبق على (زوزو ماضي).
بني سويف البداية
ولدت (زوزو ماضي) في الرابعة عشر من ديسمبر عام 1914، لأسرة غنية من بني سويف بشمال الصعيد تتكون من خمس أشقاء، واسمها الحقيقى (فتنة داود سليمان أبوماضي).
وكان والدها تاجر أقطان، وابن عمه الشاعر الكبير (إيليا أبوماضي)، ونظرا لحالة الثراء الذي كانت تعيش فيه، درست في مدارس الفرنسيسكان، وكانت تعشق الموسيقى، وتعزف على البيانو، وأحضر لها أباها مربية سويسرية علمتها اللغات.
وفي سن الخامسة عشر تزوجت (زوزو ماضى) من ابن عمها، ونظرا لحالة الملل والفراغ الذي كانت تعيش فيه بعد زواجها، بدأت تراسل مجلة (الصباح) لصاحبها (مصطفى القشاشي).
وفي هذه الفترة التى كانت تقيم فيها في بني سويف تعرفت على زوجة (محمد ناجي) شقيق الشاعر الكبير (إبراهيم ناجي)، وتوطدت علاقتهما، ومن خلالها تعرفت على الشاعر (إبراهيم ناجي).
ويقال أنها واحدة من ملهماته والتى كتب فيها قصيدة (الأطلال)، التى قامت بغنائها كوكب الشرق أم كلثوم، وفي حديث لها في (التليفزيون المصري) لم تنف أو تؤكد أن قصيدة (الأطلال) كتبت فيها!
ومن خلال الشاعر (إبراهيم ناجي)، تعرفت على الحياة الثقافية في مصر، وصالونات العائلات الراقية.
مجلة الصباح و(يحيا الحب)
في أحد الأيام من عام 1938 طلب المخرج (محمد كريم) من (القشاشي) أن يرشح له بنت جميلة تقوم بدور(سهام) شقيقة الموسيقار محمد عبدالوهاب في فيلم (يحيا الحب).
وبالفعل رشح له (زوزو ماضي)، وتعالوا بنا نترك المخرج محمد كريم يحدثنا عن اكتشافه الجديد كما ذكر في مذكراته حيث قال: كنت في حاجة إلى ممثلة تقوم بدور شقيقة بطل الفيلم (محمد عبدالوهاب).
والتى تعتقد حبيبته (ليلى مراد) أن هذه الفتاة هى عشيقته، وقد ساعد في تقديم هذه الشخصية الأستاذ (مصطفى القشاشي) الذي كان له أفضال كثيرة على السينما المصرية، وقدم لها عن طريق مجلته (الصباح) خدمات لا تنسى.
و(القشاشي) رشح لي سيدة اسمها (زوزو ماضي) وذهبت لمقابلتها حيث علمت منها أنها متزوجة وتقيم في (بني سويف)، كانت هذه عقبات قد تمنعها من العمل.
ولكني أعجبت بنبرات صوتها الخشنة بعض الشيئ، مما يميزها ويضفي عليها غرابة وإثارة، ووجدتها محدثة لبقة، وعلى ثقافة ودراية.
ولكن عيبها الأساسي في نظري هو قوامها، فلم تكن سمينة، ولكنها كانت (مليانة) أكثر مما ينبغي، ووعدت بأن تنقص وزنها، وبعد أسابيع قليلة حضرت (زوزو ماضي) وكان الفنان (عبدالوارث عسر) في زيارتي.
ونظرت إليها طولا وعرضا، ولم ألحظ تغييرا في وزنها فقلت لها: تخينة، فردت محتجة: أنا مت من الجوع طول الشهرين دول يا أستاذ كريم.
فحكمت (عبدالوارث عسر) الذي شاهد الزائرة لأول مرة وأخذ يدير فيها بصره ثم قال: ولا تخينة ولا حاجة حلوة كده.
وضحكت (زوزو ماضي) ضحكة النصر، فرددت بانفعال: ربما تكون حلوة كده في الحياة، لكن السينما لها مطالب لاتتفق مع مطالب الحياة وبهجتها.
وقد أسندت لها دور (سهام) وأعجبني فيها جاذبيتها الفائقة للسينما، وهى أهم ما أطلبه والباقي يمكن تداركه، وبدأ تصوير الفيلم.
ثورة (زوزو) على محمد كريم
كانت (زوزو ماضي) بحكم نشأتها المدللة، وثرائها تظن أن العمل في السينما هو مجرد نزهة خلوية في الحدائق الغناء، كانت تعتقد أن في وسعها أن تقطف الورد دون أن تدمي يديها الصغيرتين أشواك الورد نفسها.
حيث كانت تخطئ كثيرا، ولقد أبديت لها ملحوظات كثيرة، ومع ذلك كانت تخطئ باستمرار، وكنت أكرر ملحوظاتي، فكانت تثور.
وحدث مرة أن اندفعت في ثورتها وقالت بأعلى صوتها في البلاتوه : (أنا مش مكملة تصوير الفيلم، أنا مستعدة لدفع الغرامة على الجزمة!).
وتركت (البلاتوه) وصوتها وصراخها وهياجها في ذروة الغضب، وأسرع المساعد الخاص بي إلى حجرتها وحاول تهدئتها، ولم يتركها إلا حين شرعت في ضربه.
وكانت لها وصيفة تلازمها باستمرار أفلحت في إقناعها باستمرارها التصوير، وكانت (زوزو) على ما يبدو تطيعها وتستمع إلى نصائحها، وفهمت أنها هى المخطئة وأن كل ما طلبته منها كان لصالحها هى وحدها.
ووجدتها بعد حوالي نصف ساعة، ولم أكن توقفت عن اتمام المنظر لبقية الممثلين، حضرت إلى واعتذرت وقبلتني.
فأكبرت فيها اعترافها بالخطأ وأفهمتها أني لم أغضب منها وأن مرجع ذلك ليس لنقص في خلقها، وإنما لإنهيار أعصابها من العمل.
وقلت لها: أنا لا أحب أن أكون في البلاتوه سكر وعسل، وهزار ورقة، ثم يسقط العمل ويسقط معي كل الممثلين، وإنما أحب أن ننجح جميعا، هذا الاعتبار الوحيد هو رائدي في الشغل.
(زوزو ماضي) وخليل مطران
بعد نجاحها في فيلم (يحيا الحب) بدأت العروض السينمائية والمسرحية تنهال علي (زوزو ماضي)، وبحكم حبها للثقافة تعرفت على الشاعر الكبير (خليل مطران) الذي اختارها للعمل في الفرقة القومية المصرية التى كان أول مدير لها عام 1935 .
وهى الفرقة التى أدت للحركة المسرحية خدمات جليلة، وقدمت أعمال مسرحية عظيمة.
……………………………………………………………………………………..
وللحديث بقية..
في الحلقة القادمة: نعرف كيف عملت (زوزو ماضي)، كعازفة بيانو في الإذاعة، وأشهر أدوارها المسرحية، والسينمائية، وسر دخولها السجن في قضية مخدرات