بقلم الدكتور: كمال زغلول
كثيرا ما نسمع مشافهة على لسان الناس في مصر، أن الفراعنة أو بمعنى أصح، أن المصريين القدماء كانوا طوال القامة ويطلق عليهم (العماليق)، ولكن عندما نذهب للمتحف المصري، ونشاهد المومياوات، نجد أنهم ليسوا بعمالقة.
فمن هم (العماليق) الذي يتحدث عنهم الناس مشافهة؟، ويتكلمون عنهم؟، والإجابة سوف تأتي من التاريخ المصري القديم، ومن نصوص و عروض المسرح المصري القديم.
ونتذكر مملكة الأمنتت، ونتذكر العقيدة المصرية القديمة، ونبحث في النصوص التي عثرنا عليها، لنتعرف على هؤلاء (العماليق).
وبداية ننوه بأن المسرح المصري القديم أشار إلى هذا، ولكن التفسير يأتي من خلال البحث في العقيدة المصرية القديمة وما طرأ عليها من تغيير، ونتذكر هذه العقيدة بأنها عقيدة توحيدية تعبد إلهاً واحداً.
ويوضح نيبو (عالم الآثار) ذلك بأنه: قطعا لم يتجه ملوك مصر وشعبها بتعبدهم نحو جمع من الآلهة الطوطمية (الوثنية كما يعتقد البعض).
بل العكس، لقد عبدوا إلهاً واحداً، خالق الأرض: إنه (إله الفخراني)، حرفي قام بتشكيل خلقه بواسطة الطين الصلصالي ومياه النيل، بعد ذلك نفث فيه من روحه، وهذه كانت عقيدة المصريين.
وبعد ذلك حدث تغيير لهذه العقيدة، فقد أضيف إلى هذا الإله الأولى، آمون رع (الشمس)، ونوت (السماء)، وجب (الأرض)، وحابي (مياه النيل )، حتى تجمع معا عناصر العالم (الهواء، والنيران، والأرض، والماء).
ومن بعدهم وُلِدَ كل من (إيزيس، ونفتيس، وست، وأوزيريس)، ثم من بعد ذلك (حورس وأنوبيس).
ملوك الأزمنة السحيقة
وفي أثرهم، تكونت المملكة المصرية، وشعبها، وقراءتها، ولكن من هؤلاء الناس؟
إن المصريون القدماء، إنهم ملوك الأزمنة السحيقة، حيث أن هذه المعبودات التي أضيفت إلى عقيدة التوحيد، لها تاريخ أسطوري إذ (يرجع قدماء المصريون تسلسلهم النسبي إلى حوالي 36620 عام، أي ما يعادل 25 دورة من ظهور نجم الشعري اليمانية sathiaques مقدارها 1460 سنه) قبل الملك مينا وتكوين أول تقويم لهم، أو بالتحديد 40000 عام ق.م).
وفي تلك الفترة السحيقة عاش هؤلاء الملوك، وكان ملوك هذه الأزمنة السحيقة يسمون نثراً neter ، ولكن ما هي أوصافهم ؟
لقد كانوا من (العماليق)، ولا يقل طول كل منهم عن حوالي خمسة أمتار (مثل الآلهة الذين ذكروا في سفر التكوين التوراتي)، وقد تسموا بأسماء: (بتاح، ورع، ونوت، وجب، و شو، وإيزيس، و أوزيريس، وست، وحورس، وتحوت، وماعت).
ولقد عملت هذه المخلوقات الخارقة للعادة على تعليم وتأهيل سكان وادي النيل وتموينهم ، إذا المصريون يؤرخون لأنفسهم بأن قوم من الناس سابق عليهم، يصفونهم بأنهم من (العماليق).
وقد ذكروا أن (أوزيريس) كان طوله حوالي خمسة أمتار ونصف، أما عن ست فقد وصفوه بأنه كان ذو قوة عارمة، وأطول قامة من (أوزيريس)، ولا يقل عنه جمالا ووسامة.
هذا بالنسبة للقوم السابقين طوال القامة، الذين عاصروا المصريين القدماء، وعلموهم، فماذا عن المصري قصير القامة، الذي لم يعاصرهم، فنجد اعتقاد المصري القديم، بأنه بعد وفاته، فهو سوف يبعث (حورس) جديد .
ولكن صورة المتوفي سوف تختلف، فعندما يصل المتوفى أو الشخص الذي يبعث (حورس) جديد إلى نهايته مسيرته فإن روحه تكون قد أثريت وقويت بصفات لا يتمتع بها البشر.
(العماليق) في العروض المسرحية
فإنها تتطور وتنمو إلى درجة تفوق أربعة أو خمسة أضعاف القامة العادية الدارجة لتصل ما بين (6 أو 6.5 أو 8 مترا)، وبهذا يصبح الإنسان من (العماليق)، وقد وصف المسرح المصري القديم هؤلاء (العماليق)، في عروضه المسرحية.
بل وصف أدواتهم بأحجام كبيرة، وهذا ما نشاهده في مسرحية (انتصار حورس)، ونلاحظ ذلك من خلال مشهد يصور ذلك :
(حورس) ما أسعد هذا اليوم!.. يدي لديها السيطرة على رأسه!
لقد ألقيت على أبقار فرس النهر في مياه عميقه ثماني أذرع.
لقد ألقيت حرابي على ثور مصري السفلي في مياه عمقها عشرين ذراعا.
ونصل حربتي طولها أربع أذرع، وحبل طوله ستين ذراعا.
وفي يدي رمح طوله ستة عشر ذراعا.
وأنا شاب طولي ثمانية أذرع.
لقد ألقيت واقفا في حرب على ماء عشرين ذراعا.
لقد رميت بيدي اليمنى، وأرجحت بيدي اليسرى.
كما يفعل رجل مستنقع جريء!
إن المشهد واضح جدا ، فحورس عملاق ثمانية أذرع، وأدواته الحربية عملاقة، بل والماء الذي يبحر به بزورقه عميق، ولهذا فإن ما يذكره المصريون يعني أن الحضارة المصرية ليست سبعة آلاف سنة.
بل هى أكثر من ذلك بأربعين ألف سنة، وقد مرت بمراحل من التعليم من خلال (العماليق) الذي عايشهم المصريون الأقل منهم في الطول، وتعلموا منهم، وقد صور المسرح المصري هؤلاء (العماليق).
وكانت معظم أعماله منصبة عليهم، والموضوع ليس خيال كما قد يتصور البعض، فهناك من الدلائل في معظم الجداريات تصور هؤلاء (العماليق) مع بشر أقصر منهم بكثير في مصر القديمة.
وبهذا تكون مصر أول الدول في التاريخ التي تتعرض لموضوع (العمالي)، وأنهم كانوا يعيشون معهم في مصر، ولا يغيب عنا قول رسولنا الكريم (محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم في حديثه): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
كان طول آدم ستين ذراعاً في سبعة أذرع عرضاً، وفي رواي: فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن” ، ويوجد الآن أبحاث حفرية تؤكد هذا الموضوع.