بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
اُدرك تماماً أنه لا يجوز أن أكتب عن عمل ومجهود لعمل فني قبل النهاية، ولكن كتبت بوست امتدح المخرج محمد سامي على مسلسله (نعمة الأوفوكاتو)، وأدهشتني التعليقات وقررت شرح وجهة نظري:
أولاً أي عمل فني وخصوصاً العمل الدرامي يعتمد علي الإرسال والاستقبال، أي العمل والجمهور، فالجمهور المصري تم تربيته على كثير من (الميلودراما) الجماهيريه المرتبطه بالحالة التي يعيشها المواطن مدركاً احتياجات الجمهور، وما ينجح جماهيرياً.
ولدينا ما يسمى سينما الأعياد ومسرح الصيف وأعمال موسم رمضان!
الفنون محتاجة جمهور وعقل جمعي تكون نسبة الوعي مرتفعه أفلام عظيمة فشلت رغم جودتها بسبب ظروف ووقت عرضها منها (باب الحديد) ليوسف شاهين، و(المستحيل) لحسين كمال، وهو من أعظم ما قدم للسينما.
ثانياً الفن يعرض ولايفرض بمعني رؤيتك تعتمد على مخزونك المعرفي والثقافي والاجتماعي.
هل تستطيع أن تنكر أن مسلسل (نعمة الأفوكاتو) يحقق نسبة عالية جداً من المشاهدات؟، فالجمهور الغالبية منهم تبحث عن قيم انتصار المظلوم، وكلما كان الظلم شديداً كان عنف الانتقام اكثر تآثيراً.
كثيرون يشاهدون مسلسل (نعمة الأفوكاتو) لكن عباقرة النقد الانطباعي والفلاسفة يشاهدون ثم ينتقدون مجرد لادعاء غير مهني عند كثيرين وفرض حالة لاوعي كاذب فيكتب البعض معقول نصدر الأفكار السيئة؟
والإجابة: الاستقبال جاهز ومنتعش وراضي، وكما يعترض الكثيرون على (رامز جلال)، والنتيجه أعلى نسبة مشاهدة ومعظم البيوت تشاهده، هذا لا يعني أنه يستحق؟
فكل حسب تقديره، أما حالة أعداء أي نجاح، والميول الاستعراضية لدى البعض لا ترضيني.
فأنا أعرف كم المجهود المبذول بكل تفاصيله في معظم الأعمال، فأرجو أن نتريث في الأحكام، وندرك أن الجمهورABC ، يعني درجات في الوعي والتعليم والثقافة خصوصاً الفنيه بمفردتها فما ترفضه قد يعجب به آخرون، وحبذا الحالة العامة للمجتمع، وتلك قضية كبرى فنعرف فنون حالة الحرب الهزيمة وحالة الانتصار.
مخرج شديد الذكاء
نحن أمام مخرج شديد الذكاء واع باحتياجات الجمهور بطبقاته في مسلسل (نعمة الأوفوكاتو)، وأعرف أنه مدرك بحرفية ومهنية لأدواته، ودلالات الصورة، فالكادرات ليست للشقاوة ولا للاستعراض واستخدام حجم اللقطات موظف بشكل مهني مدرك لدور الاضاءة والملابس، واختيار أماكن التصوير وتسكين الممثلين.
وقد شارك المؤلف (مهاب طارق) في الكتابة، وأضاف لريتم الأحداث من وجهة نظر مخرج شديد الذكاء واع بماذا يقدم لجمهوره دائماً لدية مصدر للضوء.
حركه الكاميرا واعية مدركه للتوظيف الدرامي في (نعمة الأوفوكاتو)، وليست استعراضيه فقط ، تنسيق الممثلين داخل كل كادر يؤكد وعي المخرج وثقته، ولا يوجد احد miscast بل الكل في دوره.
فالزوجة (مي عمر): اعتقد إنها بهذا العمل أكدت استحقاق نجاح المسلسل جماهيرياً، أما اعتراض البعض لمجرد أنها زوجة المخرج، فهذا انطباع غير موضوعي فقد اجتهدت وتعايشت مع مكنون الشخصية وبيئتها وملابسها وتصرفات الزوجة المصدومة.
(أحمد زاهر): أتابعه منذ بداياته، وهو ممثل قادر على إقناع مشاهديه، متألق كعادته ومناسب للدور، وعليه أن يغير في القادم حتي لا يصبح الشرير العصبي العنيف وتسجل ملامحه وانفعالاته.
(أروى جودة): لا أتخيل غيرها للدور بأداء واعي.
(كمال أبو رية): رمانة الميزان النضج والمهنية وحين حضن ابنته بعد أن اعتقد موتها قال كلمة واحدة (يا بنت الكلب)، عبقرية منه أو من الكاتب، الاختصار بلا أفوره نابع من بيئه المكان.
ثم اختيار (سلوى عثمان وسامي مغاوري) اختيار مخرج أعرف قدراته، أما (محمد دسوقي) فهوممثل واعد في الأيام القادمة، وكل كتيبة العمل يستحقون التحية والاحترام.
اختيار الموسيقى نابع لغرض تصعيد الشجن والعنف والتوتر والتشويق للميلودراما وجمهورها.. فهل يجوز أن يطلق البعض مجرد انطباعات لعمل لا زال يعرض وفقط يعترض!.. إنه ظلم لمجهود أعرف حجمه.
ثالثاً: ماذا تفسر يا سيدي أن البعض علق أن العمل هندي!، ولا يدرك أن الهند تسابق هوليود في السينما ولديهم أفلام مثل pk من إخراج راجكومار، وبطولة (عمر خان)، وأبهر كثير من النقاد وأبهرني، ويناقش قضية في غاية الوعي والاستنارة، وتم تنفيذه بسينما شديدة الرقي والمهنية وحقق نجاحاً كبيراً.
ثم هل تعرف يا سيدي الناقد الانطباعي أن كثيراً من أعمال عالمية لا تأتي في مصر بإيرادات عالية ولا تنجح جماهيرياً، وأتذكر منها all that jazz للمخرج (بوب فوسو، وبطوله (روي شايدر).
الفيلم حاصل على الأوسكار أحسن مونتاج والسعفة الذهبية، وجائزة بافتا وعديد من الجوائز، وكان مرشحا لتسع جوائز أوسكار.,
هذا الفيلم شاهدته ولم يحظ بأي نجاح جماهيري في مصر، وهذا تأكيد لاختلاف الأذواق والجماهير، وأيضاً وقت العرض.
أزمة نقد وأزمة نقاد
رابعاً: وبكل وضوح مصر تعاني من أزمة نقد وأزمة نقاد، بعد أن كان لدينا (عبد القادر القط، وعلي الراعي، وجليل البنداري، وعبد المنعم تليمة، وسامي السلاموني ودكتور صلاح فضل، وسمير سرحان)، إلى (سمير فريد والمهني كمال رمزي ويوسف شريف رزق الله).
والآن لدينا لا يتجاوز عشرة نقاد يحاولون مع مائة وعشرة ملايين مواطن، ومع شبكات التباعد الاجتماعي معظمهم نقاد!
خامساً: قد يرى البعض أن الأحداث قاسية، ويتهم (نعمة الأوفوكاتو) باللاموضوعية، ولكن قد يرى أخررون انه إذا شاهدت وتابعت الواقع وصفحات الحوادث، فهناك ما هو أبشع وأكثر عنفاً.
وأتذكر فيلم شاهدته في التسعينيات لعاشق أخذ زوجته وقذف بها للتماسيح لتأكلها ولكنها تعيش بعد ينقذها أحد الرجال، وتخرج وتختفي لتعود لتنتقم بنفس عنف الحدث وكثير من أعمال قد لايصدقها المنطق، ولكنها الحياة وعنفها وتقلباتها، ولا أنسى أيضا فيلم the other side of midnight عن انتقام المرأة.
العالم مليئ بالميلودراما، ولنتذكر أن نسبة الأميه مرتفعه وحجم الجمهور الواعي بالفنون الحقيقيه قليل، واختفت حصص الأنشطة الفنية في معظم المدارس والبعض يشاهد ويتابع السينما والفنون العالمية.
من حق كل مشاهد أن يجد أن العمل لا يناسب ذوقه ولكن دون إساءة لعمل يتابعه البعض، وألا يكون الحكم علي العمل الفني بالحب للفنانين أو عدمه فالفنون غير.
تلك مجرد وجهة نظرو لنشاهد معاً باقي الأحداث في الدراما، وأسجل أن هناك بعض تحولات في الدراما أراها غير منطقية، ويراها البعض تناسب العمل.
ودعونا نتذكر أنه لم يعد لدينا لا أسامه عكاشة، ولا وحيد حامد، ولا محفوظ عبد الرحمن، ولا محمد صفاء عامر، وسيطرت كثير من أعمال الورش وبعضها مفكك ودائماً هناك من يبحث عن أخطاء.
أرجو أن نعرف أن الاتفاق على الفنون مرتبط بوعي الجمهور، فدعونا نكون قريبين من واقع ما نعيشه والحالة العامة.
ولنا لقاء آخر في نهاية (نعمة الأفوكاتو) ولباقي ما أشاهده، ودعونا لا نحكم إلا بعد النهاية، وكل امنياتي بالتوفيق والتألق.
كفانا بحث دائم عن السلبيات ولنركز أكثر في الإيجابيات وظروف وحالة الإبداع العامة.. مصر تستحق.