بقلم الإعلامي: علي عبد الرحمن
يأتي رمضان كل عام وقد ستعدت كل وسائل (الإعلام) في منطقتنا العربيه برصيد كبير من البرامج الجاذبة والإعلانات الوفيره والدراما المتنوعه وتنويهات الدعوة للمشاهدة.
وذلك أملا في مشاهدة أعلى وتأثير أقوي وتواجد فعال ونسبة مشاهدة عالية وإقبال أكبر من المعلنين، ودخلا وفيرا يعوض نفقات الإنتاج وشراء الدراما وأجور النجوم ونفقات التشغيل.
ولقد ظللنا أعواما عديده تنتظرنا شاشات المنطقه لتحصل على حق عرض إنتاجنا الدرامي المتنوع والمتميز، والبرامجي المتنوع، والمسابقات والفوازير، حيث كانت معظم الشاشات تبث الإنتاج المصري.
ونتج عن ذلك أن الهوى في (الإعلام) أصبح مصريا، وأن اللهجة المصرية سادت على ألسنه الجميع، وتمدد عندها نفوذ القوى الناعمة المصرية.
وبعد دخول (الإعلام) دول المنطقه عالم البث الفضائي وعالم الإنتاج الدرامي الضخم والبرامجي الكبير والمسابقات وغيرها، أصبح التنافس شديدا في هذا المجال، حتي ساد السوق المصري جهتي الإنتاج الكبيرتين (الشركة المتحده للخدمات الإعلاميه وشبكة أم بي سي).
وقد استحوذا علي مجالات الإنتاج والبث والإعلانات وصناعة الأخبار و(الإعلام)، وهذا التنافس أفرز هذا العام سباقا شرسا بينهما في مجالات العرض الدرامي والبرامجي والجذب الإعلاني ونسب المشاهدة العالية.
وأضحت آراء النقاد والباحثين تتناول كل مجال تنافسي بينهما سواء الإنتاج الدرامي أو البرامجي، أو مايبث من تنويهات مشاهدة أو إعلانات تجارية أو خدمية تتناول كل ذلك من حيث جودة المحتوي،وملائمة الأبطال، وأزياء الشهر الفضيل، والقاموس اللفظي المستخدم علي لسان أبطال هذه الأعمال.
إعلانات (الكمبوندات) الساحرة
وكذا جودة الإنتاج ومواقع التصوير والإنفاق علي الأعمال، إضافة إلى الأهداف والرسائل من وراء هذه الأعمال، وكذلك برامج النميمة والفتنة والإيقاع بين البشر، والمتاجره بأسرار البشر، في محتوي صادم صنع ممن لاعلاقة له بـ (الإعلام) إعلاميا.
وكذا سيل من الإعلانات الراقصة والخليعه التي تجرح صيام الصائمين دون مراعاة لوقت البث او أخلاقيات الشهر الفضيل، أضف لذلك إعلانات (الكمبوندات) الساحرة التي يصعب علي المطحونين مجرد التفكير في سعرها المليوني.
واعلانات الجمعيات والمستشفيات الراقصة والمتاجرة بآلام المرضي وحاجتهم، متناسين حالة القحط والعوز التي يعاني منها العامه ممن نسوا قهرا عادات الشهر من لحوم وحلوي وغيرهم، وساد موائدهم إما جزءا من فرخة أو احد منتجاتها علي فترات، وكذا طبق الفول المكلف دون التفكير في بيض أو زبادي.
وأصبح البعض زاهدا في وجبة السحور مكتفيا بما قسمه الله في إفطاره علاوة علي إمتلاء الشوارع، وإما المساجد بطالبي العون لحاجتهم لذلك، ورفع بعضهم لوحات تقسم بأغلظ الأيمان على حاجتهم للطعام أو العلاج أو سداد الدين!
وتناسي أهل (الإعلام) أيضا في سباقهم صورة مصر بعوزها ومظاهر فقرها أمام العالم، وخاصة شعور الملايين من أبنائها المغتربين.
ومع أن تطلعات شعبنا للتخفيف من حدة المعاناة بعد معرفة أخبار تدفقات مشروع تنمية منطقة (رأس الحكمة)، وكذا القرض الأوروبي ذو الثمانية مليار دولار، إلا أن توقع البسطاء لم يكن ليحدث ليتفاجئوا برفع سعر المحروقات واختفاء وغلاء السكر والزيت، وهذه سلع أسياسيه لمواصلة العيش.
ومع كل ذلك دارت رحى السباق الرمضاني في عالم صناع الميديا (الإعلام)، الذي لايشبه عالم أهل مصر.
وبينما استعدت الدنيا لسباق الشهر الفضيل صراعا حول المشاهدة الأعلي والتأثير الأقوي والعائد الكبير، إلا ان إعلامنا الرسمي بقطاعاته وشبكاته وقنواته وقادته ونفقاته التي قاربت الـ 11 مليار جنيه سنويا من أموال دافعي الضرائب، والتي هى أموال الشعب وحقوقه.
(الإعلام) الرسمي في مضمار السباق
ولم يحاول أهل (الإعلام) الرسمي الدخول في مضمار السباق حتي بلوحة إعلانية، أو تنويهات مشاهدة، أو برنامج ينافس، أو برنامج ديني توعويـ أو برنامج تثقيفي أو برنامج يطبب علي ضغوط الحياة لدي الجماهير البسيطة.
ولم يجتهد في الحصول علي حقوق بث دراميه يحاول معها جهودا للتسويق الإعلاني من خلال قطاعاته وإداراته وموظفيه تحت مسميات (أهل التسويق والترويج)، ومحاولة تنميه او إسترداد ماتنفقه الدولة عليهم من أموال الشعب ودافعي الضرائب.
واكتفي القائمون على (الإعلام) الرسمي باستجداء مسوق يجلب لهم إعلانا أو يعيد عرض برنامجا علي شاشاتهم، أو يتكرم عليهم بإعادة عرض عملا دراميا علي نوافذهم!
وليت مع هذا الوضع غير اللائق مهنيا اتخذ (الإعلام) الرسمي طريقا جماهيريا منحازا لشعبه، وبعيدا عن نفقات الإنتاج الدرامي والبرامجي وأجور النجوم، وقرر أن يقدم إعلاما مختلفا غير مكلف ماليا ولكنه مؤثر جماهيرا.
كأن يقدم برامج دينية تصصحح مفاهيما مغلوطة لدى العامه والشباب، أو مسابقات دينية وثقافية في الشارع لاتكلف، ولكنها تفيد في تنمية الإنسان وتقوية إنتمائه وهويته.
أو عقدت ندوات حول الوضع الاقتصادي وهموم الجماهير أو تنقلت بين الأسواق لمحاولة ضبط انفلات الأسعار، ومحاربة جشع التجا، أو حرصت علي بث تنويهات تزرع الأمل في غد أفضل.
أو تقدم شيئا علي الـ 23 شاشة وعشرات القنوات الإذاعية للطبطبة على البسطاء والغلابه من أهالينا في بر مصر.
وقد آثر أهل (الإعلام) المصري الرسمي الوقوف خارج مضمار السباق الرمضاني كالمشاهدين، ليتهم ليتعلموا فنون التسابق، ولكن للتسليه كالمشاهد العادي دون النظر عن الرغبه في دخول المضمار في المرات التالية.
حتي ذهبت نسب المشاهدة والثقة وإقبال المعلنين بعيدا عن شاشاته ومحطاته، وأصبح تأثيره منعدم ووجوده مفتقد وحاله لايرضي عدو ولا حبيب.
ألا يحتم علينا هذا الوضع إعادة النظر في نفقات وشبكات وإدارات ومحتوى وتأثير صوت الدولة وإعلامها، كما يحتم علينا أن تكون لنا لجنة أو هيئة لمراجعة المحتوى الدرامي والبرامجي والإعلاني ومدي حفاظه علي سمعة مصر وصورتها، وعلى مشاعر أهل مصر وقيمهم وأخلاقيات البث ومسئوليته المجتمعية أمام شعبه.
كلي أمل أن يجد صوتنا هذا مجيبا راشدا، محبا مهنيا مخلصا، في آن قريب، آمين، وتحيا دوما مصر ورمضان كريم.